صمود وانتصار

الرمال السوداء في حضرموت.. ثروة مهدورة بيد المرتزِقة

تقرير:  عباس القاعدي |

لم تكتفِ حكومة المرتزِقة بنهب الثروات النفطية والغازية من المحافظات النفطية المحتلّة، خلال السنوات التسع الماضية، بل أقدمت مؤخّرًا على تصدير كميات كبيرة من الرمال السوداء الثقيلة.

الرمال السوداء في حضرموت.. ثروة مهدورة بيد المرتزِقة

وتحوي هذه الرمال على معادنَ ثمينةٍ تدخُلُ في صناعات عالمية مهمة، كما تعد من أهم الثروات الطبيعية في العالم، ولا تمتلكها إلا دول قليلة في العالم أبرزها البرازيل والهند ومصر.

وتحوي الرمال السوداء كذلك على نسبة عالية من المعادن الثقيلة، وهي تكتسب أهميّة اقتصادية، حَيثُ تدخل في صناعات استراتيجية مهمة.

وبحسب معلومات خاصة، فَــإنَّ قيادات سياسية وعسكرية في حكومة المرتزِقة تعمل بشكل وثيق؛ مِن أجلِ بيع الرمال السوداء لشركات أجنبية وعربية، وتمرير عدد من صفقات البيع، مقابل حصولها على نسب مالية لكل واحد منها.

وتكشف وثيقة رسمية صادرة عن هيئة الجيولوجيا والمعادن في حضرموت بتاريخ 2 أُكتوبر 2024م، عن توجيه لمؤسّسة موانئ البحر العربي التابعة للمرتزِقة، للسماح بخروج 250 طنًا من الرمال السوداء بموجب طلب من شركة “الحصان الأسود” للتعدين والاستيراد والتصدير الصينية، وتوجيهات ما يسمى وزير النفط في حكومة المرتزِقة، ومحافظ حضرموت؛ لبيعها في الصين، وكذلك مدير هيئة الجيولوجيا والمعادن بحضرموت الذي يعقد صفقات مع المستثمرين.

وشركة “الحصان الأسود” التي منحتها حكومة المرتزِقة رخصة استكشاف رقم (10 20/ 10) بتاريخ 24 فبراير 2020م م لاستكشاف معادن الرمال السوداء في منطقة السفال بمديرية “بروم ميفع” غربي حضرموت.

وعلى الرغم من حصر عملها في الاستكشاف إلا أنها تجاوزت ذلك في السنوات الأخيرة إلى تصدير الرمال السوداء، بموافقة قيادات حكومة المرتزِقة التي تسهل عمل هذه الشركة، والسماح لها بتهريب مئات الأطنان من الرمال السوداء من حضرموت عبر ميناء المكلا، كان آخرها في 11 أُكتوبر 2024م، حَيثُ غادرت سفينة الشحن “مرسى فيكتوري” ميناء المكلا ليلًا، نحو الصين وعلى متنها شحنة تقدر بـ 250 طنًا من الرمال السوداء، وكان ذلك عبر قيادات بارزة في مليشيا الانتقالي التابعة للاحتلال الإماراتي، والمتواجدة في دويلة الإمارات، وتعمل على تهريب كميات كبيرة من الرمال السوداء، لصالح شركة “الحصان الأسود” الصينية، وهذا ما يؤكّـد أن الانتقالي شريك أَسَاسي في هذه الشركة، وفي عمليات نهب وتهريب ثروات المحافظة منها “الرمال السوداء”، وكذلك شريك في عمليات النهب والتهريب للذهب والمعادن التي تمارسها الإمارات في حضرموت.

وتأكيدًا على ذلك، ضبط قبائل حضرموت قبل أشهر، 4 قاطرات محملة بكميات كبيرة من الذهب والأحجار الكريمة، خارجة من “غيضة البهيش الغبر” في طريقها إلى عدن، بتصريح على أنها كميات من الجبس، في إشارة إلى أن الكميات كانت تحوي على معادن أُخرى، ومنها الرمال السوداء.

ويتوقع خبراء الجيولوجيا أن شركة “الحصان الأسود” وهي شركة يمنية تعود لقيادات في حكومة المرتزِقة، ولها ارتباط واسع بهيئة المساحة الجيولوجية فرع حضرموت، التي وقعت في الـ9 من مارس الماضي، اتّفاقية مع الشركة نفسها، قضت بتحويل الأخيرة لرخصة الاستكشاف الخَاصَّة بالشركة، إلى رخصة تعدين تتعلق بخام الرمال السوداء في منطقة السفال بمديرية “بروم ميفع”، وتستخدم تجارًا صينيين كواجهة لنهب الرمال السوداء، الذي يحدث جنبًا إلى جنب مع نهب الذهب والمعادن ونهب النفط الخام والغاز من حضرموت في ظل غياب تام لأجهزة الدولة التي ثبت تورط بعضها في نهب ثروات محافظة حضرموت.

نهب بتواطؤ رسمي:
ولهذا فَــإنَّ عمليات نهب الثروة الطبيعية في حضرموت، متواصلة منذ عهد حكومات الخونة السابقة، ولكنها زادت خلال سنوات العدوان الأمريكي بشكل لافت، خَاصَّة الرمال السوداء التي تعد من أهم الثروات الطبيعية في العالم، حَيثُ منحت الحكومة اليمنية في عام 2013 شركة “مركز منصور الاقتصادي” المصرية رخصة استكشاف فلزي رقم (1/2013) بتاريخ 19 مارس 2013م لاستكشاف الرمال السوداء بحضرموت، وقامت الشركة بدراسة وتقييم نتائج دراسة “هنتنج” البريطانية، وفي 2016م، تم تحويل الترخيص المصري من رخصة استكشاف فلزي إلى ترخيص استغلال صناعي برقم (1290) بتاريخ 27 مايو 2016.

وبحسب تقرير سابق صادر عن هيئة المساحة الجيولوجية في 14 يونيو 2018م قامت الشركة المصرية بتصدير كميات كبيرة من الرمال السوداء بلغت إجمالا 1575 طنًا، على مرحلتين الأولى بتاريخ 26 ديسمبر 2015 بكمية 980 طنًا والثانية في 24 يناير 2016 بكمية 595 طنًا؛ بحجّـة إجراء تجارب نصف صناعية، هذه الكميات الكبيرة والضخمة المصدرة تجاوزت بكثير ما هو مطلوب للفحص والتحليل؛ مما يشير بوضوح إلى استغلال الشركة المصرية للرمال السوداء بتواطؤ رسمي من قيادات الحكومات السابقة التي ما زالت اليوم تعمل في مجال التهريب ثروات البلاد.

بداية الاستكشاف:
واكتشفت الرمال السوداء في السواحل الغربية لحضرموت خلال الفترة بين 1976م و1977م، من قبل شركة هنتنج للجيولوجيا والجيوفيزياء البريطانية المختصة في مجال البحث والتنقيب وإنتاج الذهب والمعادن، خلال بحوثها الاستكشافية عن تمعدنات الذهب في وادي مدن.

وبعد أن فشلت في استخراج الذهب وفرز المعادن من الرمال السوداء؛ بسَببِ رفض دولة الجنوب آنذاك، غادرت تلك الشركة، ومنحت حق الامتيَاز لشركات روسية الاتّحاد السوفيتي سابقًا، التي استمرت عشر سنوات عجاف، نهبت خلالها عشرات الأطنان من الذهب والمعادن، حَيثُ كانت تشحن أطنانًا من الرمال السوداء على بواخر إلى الاتّحاد السوفيتي على أَسَاس أنها عينات تكنولوجية، ويتم بعدها استخراج الذهب والمعادن الأُخرى.

وبعد الوحدة اليمنية، دخل موضوع تمعدنات الذهب في دورات من العمل الخفي تارة يُعطَى للمستثمر صالح سالم باثواب، ويُؤخَذُ منه عنوة، ثم يتم منحه لشاهر عبد الحق، ثم قيل إنها لشركات إماراتية، ثم قطرية، وكان الموقع تحت حماية خَاصَّة لقوات تابعة للخائن عفاش، ودخلت تمعدنات الذهب في نفق مظلم لا أحد يعرف أسرارَه إلى أن ظهر موضوعُ تصدير الرمال السوداء التي تُستخرَجُ منها العديدُ من العناصر منها الذهب.

استخداماتُ الرمال السوداء:

وتستخدم الرمال السوداء في العديد من الصناعات الدقيقة، وتدخل مستخلصاتها في صناعة هياكل الطائرات، والصواريخ، والغواصات، ومركبات الفضاء، والأصباغ، والورق، والجلود، والدهان والسيراميك وسبائك المحركات وتركيبات الأسنان والأسرّة المعدنية والخرسانة التي تتحمل الحرارة العالية والحديد الإسفنجي وأحجار الجلخ والصنفرة وفلاتر المياه والهواتف الذكية والسيارات العاملة بالكهرباء.

وبحسب خبراء اقتصاديين، فَــإنَّ اليمن ستحقّق استفادة كبرى من مشروع الرمال السوداء في حال أنشأت مصنعًا خاصًّا، وذلك بتعظيم القيمة المضافة للمعادن المستخلصة منها، ثم تحويلها إلى منتجات لمختلِف الصناعات، الأمر الذي سيساهم في دفع عجلة الاقتصاد بالبلاد.

ومن أبرز المعادن الموجودة في الرمال السوداء معادن الإلمنيت والروتيل وهما مصدر رئيس لإنتاج معدن التيتانيوم، وهو معدن يدخل في الصناعات الاستراتيجية المهمة مثل صناعة هياكل الطائرات والصواريخ والغواصات ومركبات الفضاء والأجهزة التعويضية.

وتحوي الرمال السوداء على معادن الزيركون وهو مصدر رئيس للعناصر الأرضية النادرة والتي تستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية المستخدمة في الصناعات عالية التقنية، مثل الهواتف الذكية والسيارات التي تعمل بالكهرباء، ومصدر ثانوي للسيريوم واليورانيوم وصناعة السيراميك والأدوات الصحية والزجاج والسبائك المواتير وتركيبات الأسنان وتبطين الأفران الخَاصَّة بالمفاعلات النووية.

ومعدن الماجنتيت الذي يدخل في صناعة الحديد الإسفنجي وحديد الزهر عالي الجودة، والخرسانات التي تتحمل درجات الحرارة العالية والأسمدة المعدنية ويستخدم في إزالة ملوحة التربة. بالإضافة إلى احتوائها على معدن المونازيت الذي يحتوي على موادَّ مشعة، ومعدنِ الجرانيت الذي يدخل في صناعة أحجار الخلج وأوراق الصنفرة وَأَيْـضًا فلاتر المياه وقطع الرخام والجرانيت بضغط الهواء والمياه.

 

صحيفة المسيرة