المأزق “الأمريكي” في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية
الصمود||تقرير||
شيئا فشيئا، وبلغ الأمر مستوى الذروة في الإقرار باستثنائية الحضور اليمني في مشهد المعركة ضد أعداء الأمة أمريكا و”إسرائيل”، كل التقييمات كانت تضع اليمن في الهامش، ثم عدلت التقييمات أحكامها مع ظهور قدرة القوات المسلحة اليمنية خلال العدوان السعودي الأمريكي على فرض معادلة السن بالسن، إلا أن تسارع خطوات اليمن بشعبه, بقيادته وجيشه لامتلاك أدوات المواجهة في سياق تحرير المنطقة من هيمنة أمريكا و”إسرائيل” انطلاقا من إعلان معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” إسنادا لغزة، خلط الأوراق، ودفع القيادة الأمريكية إلى إجراء تعديلات اضطرارية على مخططها الجديد القائم على إعادة تحديث شكل الهيمنة والتسلط على شعوب الأمة، وتخديرها ثم نهب ثرواتها، واستغلال كل الامتيازات التي تتمتع بها دول المنطقة، وبالتوازي اضطر المراقبون لوضع اليمن في خانة متقدمة، وجاءت شهادات قادة الكيانين الأمريكي والإسرائيلي عقب ذلك لتُبين أنه مع ضغط شواهد الاقتدار اليمني، لم يكن لهم من مناص عن الإقرار بأن هذا البلد الموجوع من المؤامرات، صار يمثل خطرا لكل الطموحات والمخططات الاستعمارية.
الاستفادة من التكتيك اليمني
التحولات التي ظهرت على مسار التقييمات، كانت تواكب باهتمام، التكتيكات اليمنية في تنفيذ العمليات منذ منتصف عُمر العدوان السعودي الأمريكي وصولا إلى ضرب ما تسمى بإسرائيل ومواجهة جيش الكيان الأمريكي البحري في سياق إسناد طوفان الأقصى، وفي الأثناء ظلت المؤسسات العسكرية والسياسية والتشريعية تراقب ما يجري في ما يسمى الشرق الأوسط، مُعطية اليمن الجزء الأوفر من المتابعة في محاولة لقراءة وفهم ما يطمح إليه اليمنيون من تحركهم النشط، ومحاولتهم بناء الشخصية اليمنية، البناء المختلف عما كان في الذهنية الغربية عموما، وكان واضحا أنه منذ ما قبل تمكن القوات المسلحة اليمنية من فرض معادلة البحر، إن قناعة جديدة كانت قد بدأت تتشكل في عقلية الغرب تجاه اليمن، قناعة بأن اليمن وإن لم يكن بحجم أمريكا إلا أنه صار يُمثل خصما لا يمكن الاستهانة به ولا يمكن تجاوزه لأمريكا ولأي دولة معادية.
يؤكد مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية وهو مركز دراسات وأبحاث صهيوني في تقرير حمل عنوان “تقييم التهديد الحوثي لإسرائيل والغرب: إن المقاتلين في اليمن ليسوا مجرد مجموعة من الرعاة الذين يمضغون القات، كما يتصورهم، ويصورهم البعض في السابق، فقد أصبح اليمنيون اليوم جيشاً مسلحاً جيداً وخطيراً، يتألف من أكثر من 800 ألف مقاتل، يهددون إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودول الخليج والبحرية الأمريكية والشحن الدولي، بطائرات بدون طيار وصواريخ باليستية، مبيناً أنهم أكثر قابلية للاستمرار بين أطراف محور المقاومة.
ويعترف موقع “19FortyFive” الأمريكي المتخصص في الشؤون الدفاعية، بهذه الاستثنائية التي يصنعها اليمنيون في مواجهة قوى عظمى كأمريكا، مؤكدا أن القوات المسلحة اليمنية نجحت في منع الوصول إلى البحر الأحمر من خلال استخدامهم المبتكر للصواريخ الدقيقة بعيدة المدى والطائرات بدون طيار قليلة التكلفة.
بل ويذهب الموقع لتوجيه النصيحة لجيش البنتاجون بأن “يفكر في استعارة صفحة من كتاب قواعد اللعبة الذي تستخدمه القوات المسلحة اليمنية” واقرّ الموقع بحرفية الجيش اليمني في تنفيذ العمليات، مشيرا إلى أنها تمزج “بشكل فعال بين مزيج من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن والصواريخ المجنحة والطائرات بدون طيار الهجومية أحادية الاتجاه للتنافس على السيطرة على خطوط الاتصالات البحرية في ساحل البحر الأحمر”.
وفي ما يرتبط بمعركة أمريكية محتملة مع الصين، قال الموقع: إنه “يمكن للجيش الأمريكي والقوات المتحالفة معه تحقيق ميزة تغير مسار الحرب إذا تعلموا من تكتيك اليمنيين المتمثل في السيطرة على البحر من الشاطئ باستخدام طائرات بدون طيار غير مكلفة وأسلحة هجومية دقيقة بعيدة المدى، وإذا تمكنوا من مزج هذه التقنية مع التنقل الجوي”.
قلق الأمريكان
ويرتفع موج الاعترافات الأمريكية بالفشل في المواجهة مع اليمن أو تدمير قدراته مع استمرار تداعيات منع السفن والقطع البحرية الأمريكية من الوصول إلى البحر الأحمر أو التحرك بحرية في البحر العربي، ونقل موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي، نهاية الأسبوع الماضي عن مبعوث بايدن إلى اليمن المدعو ليندركينغ قوله: “إن قيادتنا كلها تشعر بقلق بالغ إزاء إصرار الحوثيين على ضربنا – وضرب أصدقائنا – في البحر الأحمر، ومثابرتهم في القيام بذلك، وتصميمهم على القيام بما يفعلونه بشكل أفضل” حسب تعبيره.. كلام ليندركينغ جاء متزامنًا مع فرار حاملة الطائرات الأمريكية (أبراهام لينكولن) بعد أسبوع من تعرضها لهجوم يمني واسع بالصواريخ والطائرات المسيرة في البحر العربي، وتعرض مدمّـرتين أمريكيتين لضربات في البحر الأحمر في عملية استباقية نوعية نجحت القوات المسلحة من خلالها في إحباط هجوم جوي أمريكي كبير على اليمن.
وتعزز مثل هذه التصريحات ما أقر به وكيل مشتريات الأسلحة في البنتاغون بيل لابلانت قبل أَيَّـام بأن اليمن أصبح “مخيفًا” بما يمتلكُه من صواريخ “مذهلة” يتم إنتاجها “بالآلاف” و”بتقنيات لا تمتلكها سوى دول متقدمة محدودة”.
ومن نماذج تداعيات العمليات البحرية التي عجزت واشنطن عن وقفها على الاقتصاد الأمريكي ما كشف عنه موقع “سورسينغ جورنال” الأمريكي الاقتصادي عن رسالة وجهها رئيس جمعية صناعة الملابس والأحذية الأمريكية إلى إدارة بايدن ستيف لامار، قال فيها: “لا يمكن تحمل تكاليف إعادة توجيه مسار السفن [حول رأس الرجاء الصالح] أكثر من ذلك” مؤكّـدًا أن ذلك “يضر بالاقتصاد الأمريكي والعمال الأمريكيين والمستهلكين الأمريكيين” حسب ما نقل الموقع، وطالب لامار، بايدن بالتحَرّك لوقف ما وصفه بـ “أزمة البحر الأحمر”.
عدم جدوى العدوان على اليمن
حين عدّدت أمريكا تحركات حاملات الطائرات والمدمرات إلى البحر الأحمر، وحفزت او فرضت على تجمعات دولية إنشاء تحالفات بحرية، كان الهدف هو حماية الكيان الصهيوني وتمكين السفن من الوصول إلى ميناء أم الرشراش لمدّ المستوطنين الصهاينة وأسواق الكيان بمتطلبات حياة المحتلين، إلا أن الميناء وصل رغم كل ذلك إلى مستوى الانهيار والإفلاس، لذلك أكدت صحيفة “آسيا تايمز” الصادرة في هونغ كونغ، “إن الولايات المتحدة وحلفاءها فشلوا في إيقاف العمليات اليمنية على السفن والبنية التحتية في الكيان الصهيوني”، وقالت الصحيفة في تقرير: “عندما سُئل الرئيس الأمريكي جو بايدن عما إذا كانت الضربات الجوية والصواريخ الأمريكية على اليمن ناجحة، أجاب بصراحة “عندما تقول “تنجح”، فهل توقف الحوثيون؟ كلا وهل سيستمرون بعملياتهم؟ نعم”.
قبل أيام أيضا، أكّـد تقريرٌ عبريٌّ أن كيانَ العدوّ الصهيوني يعيشُ مأزِقًا عسكريًّا وأمنيًّا في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية، بعد أن أثبتت القوات المسلحة قدرتها على تنفيذ هجمات ناجحة في عمق الأراضي المحتلّة، في مقابل فشل أمريكا وبريطانيا في مهمة وقف العمليات اليمنية، وعدم جدوى الاعتداءات “الإسرائيلية” الجوية المكلفة على اليمن من مسافة ألفي كيلو متر.
فيما نشرت صحيفة “ذا ماركر” العبرية، تقريرًا سلّط الضوء على تزايد الخطر اليمني على أمن الكيان الصهيوني، وصعوبة مواجهة هذا الخطر.
وكان ما يُعرف برئيس بلدية مدينة أم الرشراش المحتلّة (إيلات) طالب حكومة العدوّ الصهيوني بزيادة الجهود العسكرية أَو السياسية لوقف التهديد اليمني الاقتصادي والأمني على المدينة المحتلّة التي تعطل ميناؤها تمامًا منذ عام؛ بسَببِ الحصار البحري اليمني.
ناتج الغطرسة الأمريكية
لم يشهد عقد من الزمن أو عام من الخمسين عاما الماضية أن كانت بحار العرب خالية من حاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية، حتى جاء طوفان الأقصى الذي شكل البداية لتغيير واقع أمريكا وإسرائيل من بلطجة بلا رادع، إلى هروب، إذ شهد عام من المواجهة أن فرّت أمريكا بأساطيلها البحرية أكثر من مرة، في حال لفت أنظار العالم وانتزع شهادته بأن القوات اليمنية قهرت أمريكا ونظفت المياه العربية من الدنس الأمريكي.
ويرى مراقبون بأن “اليمن غير القواعد العسكرية للاشتباك البحري إلى الأبد، وأدخل العالم في عصر جديد من الهيمنة والسيطرة على البحار ستغيب عنه حاملات الطائرات والبوارج والغواصات الأمريكية”.