صمود وانتصار

سيسقطون ولو بعد حين

الصمود||مقالات||عبدالمنان السنبلي

ألم تكن غزة هي الأولى بهذا الدعم وهذا التسليح بدلاً عن أن يذهب لتفجير الأوضاع وتأجيجها في سوريا..؟

بلى، وألف بلى..

لكنهم تخلوا عن غزة كما تخلى أجدادُهم عن الفردوس المفقود (الأندلس) بالأمس البعيد..

وكأن التاريخ يعيد نفسَه..!

على أية حال، حين سقطت الأندلس في 1492، كانت الإمبراطورية العثمانية في أوج قوتها وتعيشُ عصرها الذهبي..

يعني: كان بإمْكَانها أن تمنعَ سقوط الأندلس، لكنها، للأسف الشديد، لم تفعل..!

ضربت بكل استغاثات وصيحات المسلمين هناك في الأندلس عرض الحائط، ولم تفعل..!

خذلتهم يعني… والنتيجة ماذا..؟

ضاعت الأندلس وانتهى أمرها للأبد..

وبناءً على ذلك، سقطت الإمبراطورية العثمانية بعد ذلك بحوالي ستة قرون..

نعم، نتيجتان لخِذلانٍ واحد..!

هذه حقيقة، وليست (فزورة)..

لا تستعجلوا الأمر..

سأخبركم الحكاية من الأول..

بعد أن نجح الفرنجةُ باجتياح الأندلس، فعلوا بأهلِ الأندلس هناك ما فعله الصهاينة، ولا يزالون، بالضبط في فلسطين منذ احتلالها في عام 48..

شكَّلوا محاكمَ التفتيش وارتكبوا أبشعَ الجرائم والمجازر في واحدة من أكبر وأجرم عمليات التطهير الإثني والعِرقي في التاريخ..

لم يصادفوا امراةً أندلسية، أَو رضيعاً، أَو طفلاً، أَو رجلاً إلا وعذَّبوه وقتلوه بدمٍ بارد..

ظفروا بمن ظفروا، وهرب من هرب..

ولأن اليهود، وكما تعلمون، أولَ الهاربين دائماً، فقد تمكّن (يهود الأندلس)، أَو ما كان يطلق عليهم (يهود الدونما) من الإفلات والهروب..

إلى أين.؟!

إلى إسطنبول، عاصمة الخلافة العثمانية يومها..

استقروا هناك…

ومع مرور الأيّام والسنين انخرطوا في الحياة العامة للعثمانيين، وذابوا في المجتمع التركي حتى أصبحوا مكوِّناً مهمَّا من مكونات وشرائح هذا المجتمع..

ومع بداية ظهور ونشوء الحركة الصهيونية، وتبلور فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر كان يهود الدونما قد تغلغلوا في الأوساط الاقتصادية والسياسية للإمبراطورية العثمانية وبلغوا هنالك مبلغاً عظيمًا..

فهم من كان يقف وراء تأسيس ما عُرِفَ بجمعية الاتّحاد والترقي العلمانية في عام 1889،

وهم أَيْـضاً من دفع بها للوصول إلى سدة الحكم، وتشكيل الحكومة العثمانية لاحقاً في عام 1908..

وهم من كان منهم الضباط الذين خطَّطوا، ونجحوا في إسقاط السلطان عبدالحميد في 1909..

وهم من أصبحوا، في لحظة وبقدرة قادر، من يحكم الإمبراطورية العثمانية..

ليس بصورة مباشرة طبعاً، ولكن من خلال جمعية أَو ما سمي لاحقاً (حزب) الاتّحاد والترقّي والذي أصرَّ على ضرورة المشاركة والدخول في الحرب العالمية الأولى جنباً إلى جنب مع دول ما كان يُعرَفُ بالمحور..

تورط العثمانيون..

وانتصر الحلفاء، وانهزم المحور؛ لينتهيَ الحالُ بهذه الإمبراطورية العثمانية إلى التفكك والتشظي، وُصُـولاً إلى السقوط المدوي والنهائي في 1924؛ لتدخل تركيا في عصر جديد هو عصر الجمهورية الأتاتوركية التي أرسى مداميكِها اليهودي الصهيوني مصطفى كمال أتاتورك..

سقطت..! وعلى يد من..؟!

على يد أحفاد يهود الدونما..

وقيل بُعداً للقوم المتخاذلين..

اليوم التاريخ يعيد نفسه..

ها هم الأتراك اليوم يتخلون عن غزة..

ينشغلون في معاركَ لا تخدمُ في الأَسَاس إلا الصهيونية العالمية..

يغذُّون الصراعات البينية في أوساط الأُمَّــة..!

يمولون.. ويسلحون..!

لكن حين يتعلق الأمر بغزة، لا يتحَرّكون..!

ماذا يعني هذا..؟

ألا يعني أن الجمهورية الأتاتوركية تسيرُ في ذات الدرب الذي سار عليه أجدادهم يوم تخلوا عن الأندلس..؟

يبدون كذلك..

إذن، سيسقطون..

سيسقطون،

ولو بعد حين..

وكذلك هم الحكام العرب المتخاذلون..

سيسقطون أيضاً

ولو بعد حين..

والأيّام بيننا..