أهمية “معركة الوعي” في مواجهة الحرب الإعلامية والتضليلية
الصمود||تقرير|| صادق البهكلي
منذ أن وعى الإنسان على فكرة الصراع بين الحق والباطل، كان الإعلام -بشتى صوره وأدواته- السلاحَ الأول الذي يُرفع في المعركة قبل أن تُرفع السيوف. ففي الماضي كانت المنابر الدينية التي تسيطر عليها قوى الباطل، وألسنة الشعراء المدفوعين بالذهب، أدوات فعّالة لتشويه الحقائق وقلب الموازين، ومن خلالها كانت الرسائل تصل إلى الجمهور بعباءة الدين أو قافية الشعر، لتزرع الشك في القلوب وتثبط العزائم.
لكن الزمن لم يقف عند حدود المنبر أو القصيدة؛ فمع الثورة الصناعية والثقافية أضافت السينما والصحافة المكتوبة والإذاعات ومن بعدها القنوات التلفزيونية أبعاداً جديدة لهذا السلاح الخطير، وأصبح التضليل أكثر تنظيماً وتأثيراً، يحمل رسائل خفية أو واضحة، يخدم أجندات سياسية، ويُعيد تشكيل الوعي الجمعي وفق إرادات القوى المسيطرة.
أما اليوم -ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي- فقد فُتحت الأبواب على مصراعيها أمام حرب تضليلية لا هوادة فيها، لم تعد المعركة تدور حول الجيوش والأسلحة، بل أصبحت تستهدف العقول وتضرب النفسيات. إن أخطر ما في هذا التحول هو أن التضليل لم يعد مجرد سلاح يُستخدم لتزييف الحقائق؛ بل أصبح ساحة مفتوحة تُزرع فيها الفوضى، تُضرب فيها المعنويات، وتُبنى عليها استراتيجيات تتجاوز -في تأثيرها- أقوى الأسلحة التقليدية.
في هذا العصر، باتت الحرب الإعلامية أشد شراسة من الحروب العسكرية، لأن الرصاصة قد تقتل جسداً، أما الكلمة والصورة فتُسقط أمة بأكملها.
التضليل الإعلامي: نظرة تاريخية
الحرب التضليلية ظاهرة عابرة للتاريخ، استُخدمت بأشكال وأساليب مختلفة منذ بداية الخليقة، إنه السلاح الذي استُخدم في مواجهة الحق، وتشويه صورته، وإضعاف عزائم أنصاره، وتقوية شوكة الباطل.
من قصة آدم وإبليس، إلى معارك الإسلام الكبرى، وصولاً إلى الحروب المعاصرة، يبقى التضليل الإعلامي شاهداً على صراع أبدي بين الحق والباطل، بين الحقيقة والزيف.
من النعيم الدائم إلى الشقاء الأبدي
في البدء، لم يكن التضليل إلا كلمة، ولكنها كانت كافية لتغيير مصير البشرية. إبليس -الذي عرف طبيعة الإنسان وشهواته- لم يأتِ آدم بالحقيقة، بل زيّن له المعصية بكلمات خادعة، ووعده بالخلود وملكٍ لا يبلى كما تحدث القرآن الكريم عن ذلك: ﴿هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى﴾ [طه: 120].
كانت تلك اللحظة الحاسمة، حيث غُرر بآدم عبر وعود كاذبة، وكان أول درس للبشرية في خطورة التضليل والمضلين، الذي لا يعتمد على القوة، بل على الفتنة العقلية والنفسية. ومنذ ذلك الوقت، أصبح هذا السلاح هو الأداة الأهم في يد الباطل.
التضليل في عصر النبوة: من مكة إلى المنافقين في المدينة
عندما بعث الله رسوله محمداً ﷺ، واجه التضليل الإعلامي في صورته الأكثر خطورة؛ لم يكن العدو يستخدم الحرب الإعلامية ضد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في مكة فقط، وترويج الدعايات المتنوعة ضده و التي منها:
- اتهامه بالكذب: ﴿وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا﴾ [الفرقان: 5].
- اتهامه بالسحر: ﴿وقال الكافرون هذا ساحر كذاب﴾ [ص: 4].
- اتهامه بالجنون: ﴿وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون﴾ [الحجر: 6]
- اتهامه بالشعر والكهانة: ﴿بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر﴾ [الأنبياء: 5].
- الحملة على القرآن الكريم: ﴿إنما يعلمه بشر﴾ [النحل: 103].
- تشويه أتباعه ووصفهم بالسفهاء: ﴿أنؤمن لك واتبعك الأرذلون﴾ [الشعراء: 111].
- استخدام الفكاهة والاستهزاء: ﴿وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا﴾ [الفرقان: 41].
بل امتدت الحرب الدعائية ضده إلى قلب المدينة المنورة، حيث المنافقون بقيادة عبد الله بن أبي بن سلول ولاقى بسببهم -بالرغم من كونهم وسط المجتمع الإسلامي ومحسوبين على المسلمين- شتى صنوف الدعاية، ووصل بهم الأمر إلى استهداف عرضه وقاموا بأنشطة دعائية كبيرة وصل تأثيرها إلى ميدان المعركة؛ ففي غزوة أحد، استخدم المنافقون التضليل لإضعاف الصفوف، واستطاع كبير المنافقين (ابن أُبي) الانسحاب بثلاثمائة من جيش المسلمين، ما أثر نفسيّاً على بقية الجنود في المعركة، وكاد ذلك أن يسبب هزيمة ساحقة للمسلمين، وقد فقدوا رجالا عظماء في مقدمتهم أسد الله ورسوله حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه.
كما كان للمنافقين نشاط كبير داخل المدينة: ينشرون الشائعات، ويعملون على إثارة الشكوك حول النبي ﷺ ودعوته، حتى قال الله فيهم: ﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا﴾ [الإسراء: 73].
هؤلاء المنافقون -على الرغم من وجودهم في حضرة رسول الله- كانوا قادرين على التأثير السلبي؛ لأنهم أتقنوا فنون التضليل وزرع الفتن.
من صفين إلى كربلاء: التضليل يهزم السيوف
- معركة صفين
بعد وفاة النبي، استمر التضليل الإعلامي في تقسيم الأمة، وتشتيت جهودها لصالح قوى الطاغوت. ففي معركة صفين، نجد الحرب الدعائية تسبب هزيمة مؤلمة ما تزال الأمة تعاني من آثارها إلى اليوم، فعندما أحس معاوية وأتباعه بالهزيمة رفعوا المصاحف على أسنة الرماح كخديعة، وقالوا ( بيننا وبينكم كتاب الله). كان الهدف إيقاف القتال وإثارة الفتنة في صفوف جيش الإمام عليّ عليه السلام. كان ذلك تضليلاً استهدف قلوب وعقول أصحاب الإمام علي، فجعلهم ينقسمون وفيهم الإمام علي عليه السلام بمكانته وعظمته وخبرته القتالية، لكنه عجز -أمام قوة الدعاية- عن كبح جماحهم فانقسموا بين مؤيد له ورافض لاستمرار الحرب، فاضطر لقبول التحكيم الذي كان لصالح معاوية بخديعة اخرى، وفي هذه المرة انشق ثلاثون ألفاً من جيش الإمام علي عليه السلام وهم من أطلق عليهم (الخوارج ) وتحولوا إلى أعداء له وقاتلوه فيما بعد.
كربلاء: القمة المأساوية للتضليل
وفي كربلاء، وصل التضليل الإعلامي إلى ذروته، حيث قتل الإمام الحسين بن عليّ -سبط رسول الله- في أبشع جريمة عرفها التاريخ، بسبب التضليل الأموي ثم نشر إعلام بني أمية دعايات استهدفت الإمام الحسين؛ منها أنه عاشق للسلطة، وأن من قتله هم من أُخرجوه، وقُتل بسبب تمرده، بينما الحقيقة أن موقف الإمام الحسين عليه السلام كان واضحا، تمثل في رفضه مبايعة يزيد السكير، ورفض الخضوع للباطل.
الإمام زيد بن علي وأهل البيت: هدف دائم للتضليل
الإمام زيد بن عليّ -الذي ثار ضد الظلم والطغيان- واجه نفس السلاح، و نفس الخداع. كان أعداؤه يستخدمون التضليل لتشويه أهدافه، ولإضعاف مؤيديه. ولذلك كان من أعظم ما قاله عليه السلام : “البصيرة، البصيرة”، داعياً أتباعه إلى الوعي، لأن التضليل الإعلامي كان يحاصرهم من كل جانب.
التضليل في عصرنا الحديث: بين الطائفية والسياسة الدولية
الحرب الطائفية والتضليل الإعلامي
اليوم، يُستخدم التضليل الإعلامي لتأجيج الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة، أصبح البعض يرى إيران عدواً رئيساً، بينما تغيب “إسرائيل” -عدو الأمة الحقيقي- عن المشهد، هذه الصورة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج لحملات إعلامية ضخمة تعمل على إعادة توجيه البوصلة.
الحروب في اليمن وسوريا والعراق
في اليمن، استمر العدوان لعشر سنوات تحت ذريعة مواجهة النفوذ الإيراني، بينما كان الهدف الحقيقي هو السيطرة على مقدرات الشعب اليمني.
وفي العراق وأفغانستان، استخدم التضليل الإعلامي لتبرير الغزو الأمريكي؛ كدعاية سلاح الدمار الشامل و الحرب على الإرهاب و الذي اتضح فيما بعد أن هدفه نهب مقدرات العراق.
وفي سوريا، نجد نفس الشيء: تصوير الجماعات التكفيرية الدموية على أنها ثورة ضد ما قالوا إنه ظلم، والهدف ضرب المقاومة في لبنان و فلسطين، ولذلك؛ لا غرابة أن نجد هذه الجماعات تلتقي مع المصالح والأهداف الصهيونية، وتتحرك وفق التوجيهات التي تأتيها من “تل أبيب”، ومع هذا ما زال أغلبية المسلمين يصفون ما تقوم به تلك الجماعات بالثورة.
أما فلسطين، فلطالما كانت ساحة التضليل الإعلامي الكبرى. تُصوَّر “إسرائيل” أنها ضحية، والمقاومة إرهاب. هذا التضليل لم يقتصر على الإعلام الغربي، بل تسرب أيضًا إلى بعض الإعلام العربي، الذي أصبح أداة لخدمة المشروع الصهيوني.
التضليل الإعلامي: طبيعة المعركة وأهدافها الخفية
كما ذكرنا بأن الوسائل الإعلامية في عصرنا الحديث لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو توصيل المعلومة، بل تحول إلى ميدان معركة قائمة بحد ذاتها، تدار فيها الحروب النفسية، وتُرسم عبرها الخرائط السياسية والاجتماعية. إنه الوجه الناعم للصراع؛ لكنه الأشد تأثيرًا، لأنه يتسلل إلى العقول ويعيد تشكيل الإدراك الجمعي، لتصبح الشعوب أدوات بيد من يتقن فن التلاعب بالمعلومات.
نعوم تشومسكي -المفكر اليهودي البارز- قدّم رؤية عميقة حول استراتيجيات السيطرة على الشعوب، وبيّن كيف يمكن للإعلام أن يتحول من ناقل للحقيقة إلى صانع للوهم، وكيف تُستخدم هذه الاستراتيجيات لتحقيق أهداف خفية تتجاوز حدود ما يراه المشاهد أو القارئ.
الطبيعة المركبة للتضليل الإعلامي
التضليل الإعلامي ليس عشوائياً، بل هو نظام دقيق ومخطط بعناية، يعمل وفق استراتيجيات مدروسة تهدف إلى تحقيق غايات محددة، تبدأ من تغييب الحقيقة وتنتهي بإعادة تشكيل الواقع، ومن أبرز استراتيجيات التضليل الإعلامي كما وصفها تشومسكي:
- الإلهاء: تحويل اهتمام الشعوب عن القضايا الكبرى إلى قضايا هامشية، مثلما تُسلط الأضواء على الفضائح الشخصية والبرامج الترفيهية، بينما تُغيّب النقاشات الجادة عن السياسات الحقيقية.
- خلق المشكلات وتقديم الحلول: إثارة الأزمات المصطنعة، ثم طرح حلول جاهزة تخدم أجندات خفية.
- التدرج في التغيير: تقديم تغييرات جذرية على مراحل، حتى تبدو مقبولة للجمهور مع مرور الوقت.
- التسطيح والتبسيط: تقديم المعلومات بطريقة سطحية تجعل الجمهور أقل قدرة على التفكير النقدي.
أهداف التضليل الإعلامي: أكثر من مجرد التحكم بالمعلومة
الأهداف التي يسعى التضليل الإعلامي لتحقيقها تتجاوز التأثير الآني، لتصل إلى إعادة تشكيل موازين القوى وفرض رؤى جديدة على المجتمعات.
- السيطرة على الوعي الجمعي: الإعلام المضلل يهدف إلى تشكيل عقول الجماهير بطريقة تجعلهم يتبنون أفكاراً ومواقف تخدم أجندات قوى الهيمنة دون أن يدركوا أنهم مجرد أدوات في لعبة أكبر.
- إضعاف روح المقاومة والتحرر: في مواجهة أي حركة تحررية أو مقاومة شعبية، يعمل التضليل الإعلامي على شيطنتها، وتشويه صورتها، وتحويلها من رمز للنضال إلى عبء على المجتمعات.
- خلق الفوضى النفسية: التضليل الإعلامي يزرع الشك في النفوس، ويُضعف الروح المعنوية، ليُحيل الشعوب إلى كتل من الخوف والارتباك؛ غير قادرة على اتخاذ موقف أو الدفاع عن حقوقها.
- تعزيز هيمنة القوى الكبرى: عبر تزييف الحقائق، يمكن للقوى العظمى أن تبرر تدخلاتها العسكرية والاقتصادية، كما حدث في حروب العراق وأفغانستان، حيث صُوّرت تلك الحروب أنها جزء من “الحرب على الإرهاب”، بينما كانت -في جوهرها- حروباً من أجل النفط والهيمنة الجيوسياسية. ورأينا -في العدوان الأمريكي السعودي على اليمن ثم العدوان الصهيوني على فلسطين ولبنان و ما يجري اليوم في الساحة السورية- مثالاً عملياً آخر على ما ذكرناه.
الحرب الإعلامية ضد المقاومة الفلسطينية
منذ عقود، تعمل المنظومة الإعلامية العالمية على تصوير المقاومة أنها إرهاب، بينما تُقدّم الاحتلال الإسرائيلي أنه ضحية وأنه “دولة” تدافع عن نفسها.
- تُغيب الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين من المشهد الإعلامي، أو تُبرر بأنها “أخطاء عسكرية”.
- تُركز التغطية على مشاهد الصواريخ التي تُطلقها المقاومة، متجاهلة حجم المعاناة اليومية تحت الاحتلال.
- يُستخدم التضليل الإعلامي لخلق حالة من الانقسام العربي، وتصوير المقاومة أنها عبء على المنطقة بدلاً من كونها خط الدفاع الأول عن الكرامة العربية والإسلامية.
أساليب التضليل الإعلامي
التضليل الإعلامي لا يعتمد على العشوائية، بل يقوم على أساليب مدروسة، منها:
- بث عبارات التثبيط والخذلان: عبر تسليط الضوء على العقبات بدلاً من النجاحات، وإظهار المقاومة في موقف الضعف بدلاً من القوة.
- التلاعب بالمعلومات: من خلال تشويه الحقائق أو اقتطاعها من سياقها لخلق سردية زائفة.
- إثارة الشكوك والانقسامات: عبر زرع الفتنة داخل الصف الواحد، وتشجيع الأطراف على النزاع بدلاً من الوحدة.
- إثارة النعرات الطائفية والقبلية كما يحدث في مجتماعاتنا العربية والإسلامية، وتوسيع الخلافات بين السنة والشيعة، واختراق المجتمع الإسلامي عبر الكيانات والحركات التكفيرية التي باتت بيئة لأجهزة المخابرات الغربية؛ خصوصا الأمريكية والصهيونية، و بهذه الجماعات تنشر الخراب والدمار، واستخدام أبشع وسائل القتل ضد المسلمين وضد الأبرياء، وإشاعة الخوف والدمار. هذه الجماعات تتلقى الدعم المالي و الإعلامي من قوى الهيمنة وادواتهم من الأنظمة العربية خصوصا الخليجية.
أثر التضليل الإعلامي على الأمة
إن أخطر ما في التضليل الإعلامي هو أثره البالغ على الأمة، فهو يشكل أداة لضرب وعي العرب والمسلمين وتصوير أن هناك عداءً عميقاً فيما بينهم؛ خصوصا السنة و الشيعة، ما يؤدي إلى ضعف البصيرة وقلة الوعي و ضرب الهوية الإيمانية، فحين تُغرَس عبارات الخذلان في العقول تتحول إلى قناعات تشل الحركة وتقضي على الروح النضالية، وقد رأينا أثر ذلك في حجم الخذلان الكبير للشعب الفلسطيني، بل لم يتوقف الأمر عند هذا الخذلان، بل رأينا الانقسامات داخل الأمة: فمنهم من يتهم المقاومة بالإرهاب ويشوه نشاطها الدفاعي ضد جرائم الاحتلال، ومنهم من يكتفي بالتفرج، بل سعت الكثير من الأنظمة لطعن هذه المقاومة لصالح الكيان الصهيوني.
تاريخياً، رأينا كيف أدت حملات التضليل إلى هزائم كارثية، ففي معركة أحد، تسبب النزاع الإعلامي الداخلي بين صفوف المسلمين في خسارة المعركة، رغم أنهم كانوا تحت قيادة النبي (صلى الله عليه وآله). وفي زمن الإمام علي (عليه السلام)، استُخدم التضليل لإبقاء معاوية في السلطة، ما حال دون قيام دولة العدل التي كان يمكنها تغيير وجه التاريخ.
الوعي السبيل الوحيد لمواجهة التضليل الإعلامي
يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه: (إذا أنت لم ترب نفسك، إذا أنت لم تُنمّ إيمانك ووعيك، فإن المنافقين هم من ينمون نفاقهم، هم من يطورون أساليبهم حتى يصبحوا مردة، يصبحوا خطيرين قادرين على التأثير، قادرين على ضرب النفوس، {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ}(التوبة: من الآية101). من خبثهم استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن بقية الناس، أنهم منافقون، ثم تنطلق منهم عبارات التثبيط، عبارات الخذلان فيؤثرون على هذا وعلى هذا، وعلى هذا تأثيرا كبيرا. هؤلاء مردة. كيف أصبحوا مردة؟ لأنهم هم من يطورون أساليب نفاقهم، من ينّمون القدرات النفاقية داخل أنفسهم، فأنت يا من أنت جندي تريد أن تكون من أنصار الله، ومن أنصار دينه في عصر بلغ فيه النفاق ذروته, بلغ فيه الضلال والإضلال قمته، يجب أن تطور إيمانك، أن تعمل على الرفع من مستوى وعيك.
فإذا لم يكن الناس إلى مستوى أن يتبخر النفاق أمامهم، أن يتبخر التضليل أمامهم فإنهم هم -قبل أعدائهم- من سيجنون على أنفسهم، وعلى الدين، وعلى الأمة، كما فعل السابقون، كما فعل أولئك الذين كانوا في ظل راية الإمام علي, وفي ظل راية الحسن، وفي ظل راية الحسين, وفي ظل راية زيد (عليهم السلام).
كان الإمام زيد عليه السلام يقول: ((البصيرة، البصيرة)), يقول في ذلك القرن في مطلع القرن الثاني: ((البصيرة، البصيرة)). يدعو أصحابه إلى أن يتحلوا بالوعي، ألم ينهزم الكثير ممن خرجوا معه؟ ألم يتفرقوا عنه؟ لأنهم كانوا ضعفاء البصيرة, كانوا ضعفاء الإيمان، كانوا قليلي الوعي, أدى إلى أن يستشهد قائدهم العظيم، أدى إلى أن تستحكم دولة بني أمية من جديد.)
وفي مواجهة هذا الخطر، لا بد من استحضار كلمات الإمام زيد (عليه السلام): “البصيرة، البصيرة.” الوعي هو السلاح الأقوى لكشف زيف التضليل الإعلامي وإفشال مخططاته. إن الأمة التي تفقد وعيها تصبح صيداً سهلاً لخصومها. ولهذا، فإن العمل على رفع مستوى الإيمان والوعي ضرورة لا تحتمل التأجيل.
إن التصدي للتضليل الإعلامي ليس مسؤولية فردية، بل هو واجب جماعي، المؤسسات الإعلامية المقاومة تحمل على عاتقها مهمة كشف الحقائق، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي للأمة، المثقفون والعلماء يتحملون مسؤولية تفكيك الخطاب المضلل، وتقديم بدائل تسهم في توعية المجتمعات.
إن أي تخاذل في هذه المعركة هو جناية على الحاضر والمستقبل. التضليل الإعلامي لا يضر الحاضر فقط، بل يرسم مساراً قاتماً للأجيال القادمة، ويمنح الأعداء فرصة لتحقيق مآربهم.
في عصر التضليل الإعلامي، كل فرد هو جندي في معركة الوعي، إن مسؤوليتنا الجماعية هي أن نكون على مستوى التحدي، نكشف الحقائق، ونسهم في بناء وعي قادر على مواجهة التزييف، إن انتصار الحق يتطلب منّا جهاداً إعلامياً موازياً لجهاد الميدان، فالكلمة -أحياناً- تكون أقوى من الرصاصة.
لذلك، فلنجعل من البصيرة سلاحنا، ومن الوعي درعنا، ولنواصل المسير على نهج العظماء الذين أدركوا أن الانتصار يبدأ بتحرير العقول قبل تحرير الأرض.