صمود وانتصار

الثبات أمام المحن.. دروس قرآنية للأمة في زمن الابتلاءات

الصمود||تقرير||

هذه الآيات الكريمة من سورة آل عمران تسلط الضوء على مرحلة دقيقة في حياة المؤمنين، حينما أصابتهم المصائب والآلام، وأثرت في نفوسهم آثاراً سلبية. ومع ذلك، يذكّرهم الله بنعمته الكبرى التي تتجاوز كل جراحاتهم وآلامهم، وهي نعمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، القائد الملهم الذي يقودهم بحكمة وحنكة نحو الخير والفلاح، فيُعيد ترتيب الأولويات، ويغرس في القلوب أن قيمة الرسالة الإلهية ومهمة النبي تفوق أي مصاب مهما عظم.
إن هذا التوجيه القرآني يعكس درساً عظيماً للأمة -في كل زمان- بأن الابتلاءات -وإن كانت مؤلمة- يجب أن تكون محطاتٍ للوعي والتقدير لنعمة القيادة الإلهية التي تهدف إلى تزكية النفوس وإقامة العدل مهما كانت التضحيات، والحذر من المشاعر السيئة والظنون تجاه القيادة، والتي يؤثر عليها في مواصلة أداء مهمتها. ولأننا نعيش هذه الأيام ابتلاءات كبيرة وتحديات مؤلمة جدير بنا أن نعود إلى مصادر الهداية الإلهية لنعرف كيف نتصرف وكيف نواجه هذه الابتلاءات والتحديات. يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.}(آل عمران:164 -165)
هذه الآيات الكريمة تتناول مشاعر المؤمنين بعد ما حصل لديهم من آثار سلبية على نفوسهم أثناء مواجهتهم للعدو؛ حصل جروح وحصل قتل وحصل أشياء كثيرة. يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) حول هذه الآيات الكريمة: (( عادة الناس إذا لم يكونوا واعين، إذا لم يكونوا فاهمين بالشكل المطلوب قد تتجه كل مشاعرهم السيئة إلى القائد [أن هذا هو الأساس. هذا الذي كلف لنا لكل هذه الأشياء. لو ما هذا لما وقعنا في ما وقعنا فيه] وهكذا. فهو هنا ينبه المؤمنين بأنه على الرغم مما حصل لكم حصل قتل حصل جراحات حصل آثار نفسية في ما يتعلق ببعد الهزيمة، أشياء كثيرة يجب أن تكونوا متذكرين وذاكرين أن الله قد مَنّ عليكم بنعمة كبيرة جداً هي ذلك القائد الذي يقودكم؛ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأن مهمته بالنسبة لكم هي أن يعلمكم الكتاب والحكمة ويزكيكم. مهمة عظيمة جداً، تهون معها كل المصائب التي نالتكم من قتل وجراحات وآثار نفسية بعد الهزيمة)).

دائماً العدو يحاول أن يوجد هوة بين الأمة وقيادتها

في كل معركة يخوضها المؤمنون ضد الطغاة والمستكبرين، لا يكتفي العدو بمواجهة الأمة عسكرياً، بل يسعى بكل وسائله إلى ضرب وحدتها الداخلية وتشتيت صفوفها عبر إثارة الشكوك والفتن بين القيادة والقاعدة. يتعمد العدو استغلال كل مصيبة أو هزيمة لإلقاء اللوم على القائد، محاولاً تصويره بأنه مصدر البلاء، بهدف زرع التذمر والتمرد في نفوس أتباعه، كما فعل الإعلام الغربي والعربي خلال الثورة الإسلامية في إيران، مستهدفاً الإمام الخميني (رضوان الله عليه) بتحميله مسؤولية الحروب والعزلة والمآسي التي واجهها الشعب الإيراني.

وكما أشار الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، فإن هذه الحرب النفسية تمثل ضربة خطيرة للأمة إذا نجح العدو في زرع الهوة بين القائد والمجتمع، لأنها تضعف الإرادة الجماعية وتؤدي إلى رفض التوجيهات، ما يُمهِّد الطريق أمام الانهيار الداخلي: ((دائماً العدو يحاول أن يوجد هوة فيما بين القائد والجنود، فيما بين الأمة وقيادتها، بأن يحاول أن يوحي لتلك الأمة بأن [لاحظوا كيف دخلنا في مصائب ومشاكل وأشياء من هذه كلها بسبب فلان بسبب فلان] إلى آخره، ظهرت هذه في أيام الإمام الخميني هجمة إعلامية من قبل الإعلام الغربي، والعربي أيضاً، وكان هناك محطات موجهة إلى داخل إيران باللغة الفارسية؛ محطات إذاعية وتلفزيونية وغيرها من وسائل الإعلام موجهة إلى الشعب الإيراني ليقولوا لهم [لاحظوا كيف أصبحتم، أصبحتم في عزلة عن العالم، وأصبحتم في مشاكل مع العالم وأصبحتم في حروب وتدمر كثير من مدنكم كلها بسبب الخميني] وهكذا يوجدون هوة فيما بين القائد وما بين المجتمع، وتذمر من هذا القائد ومحاولة للتمرد عليه، أو محاولة رفض لتوجيهاته. هذه تمثل ضربة رهيبة للأمة تمثل ضربة رهيبة للأمة هذه الحالة إذا استطاع العدو أن ينجح فيها، ولهذا كانت مهمة جداً أن يذكِّر المؤمنين لأنها قد تحصل مشاعر من هذه، بأن أعظم نعمة عليكم هو ذلك الرجل العظيم الذي مَنّ الله به عليكم {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(آل عمران:164) وكانوا فعلاً من قبل في ضلال مبين، أمة تائهة، أمة ضائعة، أمة لا وزن لها.
لهذا جاءت هذه الآية متوسطة يذكر قبلها ما حصل من قتل وجروح وآثار نفسية ويأتي أيضاًَ بعدها {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا}(آل عمران: من الآية165) بالنسبة للعدو يجب أن تنظروا إلى أنكم قد أثرتم في العدو هذه هي تعتبر حالة تساعدك على أن تتحمل العناء الذي أنت فيه أنه أيضاً العدو قد ناله كما نالنا أو أكثر سواء في تلك المعركة أو فيما سبق {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا}(آل عمران: من الآية165) بالنسبة للعدو قد ناله من جانبكم مثل ما حصل عليكم مرتين {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا}(آل عمران: من الآية165) {أَنَّى هَذَا} خطيرة في الأخير يقولون: [من فلان] أليست هكذا؟ ولهذا جاء بالآية الأولى قبلها {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران: من الآية164) بحيث لا يعد هناك شيء أن يقولوا: [فلان] يتذكرون أنه نعمة عظيمة عليهم)).

أثناء الصراع يتبين المؤمنون ويظهر المنافقون

في أثناء الصراع مع قوى الطاغوت تظهر الدروس الإلهية بجلاء لتضع أيدينا على أسباب النصر والهزيمة، وتكشف حقيقة الذين يعملون على تقويض الصف الداخلي وزعزعة الثقة بين القيادة والأمة. وكما أشار الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في تفسيره لقوله تعالى: {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165)، فإن الخطأ في الميدان والخروج عن توجيهات القائد هما العاملان الأساسيان وراء ما يصيب الأمة من مصائب.
فالآية الكريمة تعكس درساً عظيماً من غزوة أُحد، حيث عصيان الأوامر، والتنازع، والتخاذل كانت أسباباً مباشرة لما وقع على المسلمين من نكسة. ومع ذلك، لم يكن هذا إلا اختباراً من الله لتتضح حقيقة الإيمان في النفوس، وليُفضح المنافقون الذين يُظهرون الولاء ظاهرياً بينما قلوبهم تميل للعدو.

وكما أوضح الشهيد القائد، فإن المنافقين يمثلون خطراً داخلياً أشد من خطر الأعداء الظاهرين، حيث يزرعون الشكوك ويثبطون العزائم، ويتظاهرون بالحكمة والرؤية السديدة، بينما هم في الحقيقة أقرب إلى الكفر من الإيمان. (( {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران:166) يتبين المؤمنون {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا}(آل عمران: من الآية167) يظهر المنافقون أولئك {الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا}(آل عمران: من الآية167- 168) هؤلاء المنافقون نوعية سيئة جداً، ما كفاهم أنهم قعدوا بعد أن قيل لهم قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا إذا عندكم حرية على الأقل أن تدافعوا {قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ}(آل عمران: من الآية167) وما سكتوا في الأخير ما يزال يأتي من عندهم {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}(آل عمران: من الآية168) أليسوا في هذا يحاولون يظهرون بأنهم أشخاص حكماء ورؤيتهم حكيمة ويجعلون الآخرين يحزنون ويعتبرون أنفسهم وقعوا في غلطة كبيرة جداً، أنهم ما كانوا كأولئك المنافقين أو ما استمعوا لأولئك المنافقين؟ {لَوْ أطَاعُوْنَا مَا قُتِلُوْا}.
{قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(آل عمران: من الآية168) لأنه عندما يقول: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}(آل عمران:من الآية168) أليس هنا يقدم المسألة وكأنها حتمية؟ من أين له علم ذلك! إذا أنتم ترون بأن آراءكم نتائجها حتمية إلى الدرجة هذه {فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(آل عمران: من الآية168) في هذا المقام فقط الذي حصل كما قلنا أكثر من مرة {أَوِ ادْفَعُوا}(آل عمران: من الآية167) دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن نفوسكم، لمن وجهت هذه؟ للمنافقين فقط أما المؤمنون فدائماً والمسلمون بشكل عام دائماً يقال لهم في سبيل الله.
المنافقون هم فئة متذبذبة عادة، متذبذبة، وفئة لا تهدأ ومن العجيب أنهم يكونون أقرب إلى العدو، الذي ماذا؟ لو دخل بلدهم لاستباحها كلها، لا يعرف أين بيت المنافق وبيت المؤمن ولانتهك أعراضهم ونهب أموالهم، هل سيفرقون فيعرفون أين بيت المنافق؟ مع هذا يكون عنده ميل للعدو، هذا شيء سيء جداً، وغريب جداً من النفوس المنافقة، نفوس غريبة جداً، وضعيتها غريبة جداً {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ}(آل عمران: من الآية167).
إذن، فهمنا من غزوة [أحد] تَبَيّنَ منافقون، ووجه هجوماً على المنافقين؛ لأن المنافقين عندما تظهر لهم حركة، المفروض يكون هناك ما يقابَلون به مما يحطم معنوياتهم، ويظهر الناس أمامهم بأنهم لا يتأثرون بمقولاتهم ولا يتأثرون بتضليلهم ولا يتأثرون بتثبيطهم؛ لهذا قال هنا: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(آل عمران: من الآية168) لأنه عادة في حالات كهذه ينشط المنافقون في حالات صراع، ينشط المنافقون أما عندما تكون الكفة تميل لصالح العدو فينشطون أكثر)).

عظمة الشهادة في سبيل الله

تتجلّى عظمة الشهادة في سبيل الله بوصفها أرقى درجات الإيمان وأسمى مراتب القرب من الله سبحانه وتعالى، فهي ليست مجرد انتقال من حياة الدنيا إلى حياة أخرى، بل هي حياة حقيقية ومقصد عظيم يتجلى فيه وعد الله لعباده الصادقين. يُبرز القرآن الكريم فضل الشهداء ومقامهم الرفيع، حيث يجعلهم أحياءً عند ربهم، يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، في إشارة إلى ما أعدّه لهم من النعيم الأبدي والسكينة المطلقة التي لا يعكر صفوها خوف ولا حزن.

وهذا العطاء الرباني للشهداء هو رد على تقولات المنافقين ومن يسعون لبث الهزيمة النفسية في أوساط المؤمنين خلال الحروب والصراعات، ولقد تناول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – المعاني العميقة للشهادة في سبيل الله مستنيراً بآيات القرآن الكريم: (({وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران: من الآية 169 – 171) كما قال سابقاً: {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران: من الآية166) تحدث عن المؤمنين، مؤمنين استشهدوا، ومؤمنين انطلقوا وهم جرحى ليلحقوا العدو، مؤمنين كان كلامهم كلاماً قوياً في مواجهة دعاية معينة: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(آل عمران:173).
في هذا يتبين عظمة الشهادة، وفضل الشهادة في سبيل الله، الذين قتلوا في سبيل الله؛ لأنهم في الواقع -والمنافقون يقولون: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}(آل عمران: من الآية168) هؤلاء الذين تقولون ما قتلوا هم حظوا بفضل عظيم ومقام رفيع، درجة عالية.
{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ}(آل عمران: من الآية169) هم أحياء ما يقال لهم أموات ولا تظن بأنهم ماتوا، هم أحياء بما تعنيه الكلمة عند ربهم، الله أعلم في أي مكان، في الجنة، أو في كوكب آخر الله أعلم أين، المهم أنهم في مكان، وبالطبع عندما يقول: {عِنْدَ رَبِّهِمْ}(آل عمران: من الآية169) أنه مكان رفيع، ومكان يعني قد تكون الجنة أو شيء كالجنة، إذا قلنا الجنة قد خلقت أو ما خلقت كما يقول البعض، {يُرْزَقُونَ}(آل عمران: من الآية169) على ما يبدو أنها حياة كاملة، حياة حقيقية، يرزقون، {فَرِحِيْنَ}(آل عمران: من الآية170) {وَيَسْتَبْشِرُوْنَ}(آل عمران: من الآية170) أليست هذه عبارات تدل على الحياة الحقيقية؟ أيضاً مستبشرين بالنسبة لمن بعدهم من الناس المؤمنين الذين يجاهدون في نفس الطريق التي هم استشهدوا فيها أنهم ناس {ألاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُوْنَ}(آل عمران: من الآية170) لا يُخاف عليهم ولا حزن عليهم من أي طرف كان، أنها طريقة فيما لو حصل على أحد منهم، فيما لو حدث أن يقتل، أنه ماذا؟ سيلحق بهم وينال هذه الدرجة العظيمة عندما يقتل في سبيل الله.
أن تكون هذه الآية في مقام بعد الحديث عن المنافقين {لَوْ أَطَاعُوْنَا مَا قُتِلُوْا}(آل عمران: من الآية 168) أليس فيها تفنيد لرؤيتهم هم؟ تفنيد لرؤيتهم؛ لأنه عندما تقول: [أنه مَا مِنْ قُتِلُوا] لكن لاحظ القتلى أين هم، إذن، فأنت عندما تعتبر أن رؤيتك صحيحة، وكان أفضل لهم أن لا يُقتلوا معناه عندك أنت أن الأفضل لهم أن لا ينالوا هذه الدرجة الرفيعة، هذه الحياة الأبدية عند الله، يرزقون، فرحين، مستبشرين، إذن معناه أنه لا قيمة لكلامه ويجب أن يواجه بمثل هذا في أي ظرف يكون الناس فيه؛ يواجه المنافقون بكلام شبيه بهذا بما تضمنته هذه الآية وغيرها من الآيات عندما يقول: [أترك وليس لك دخل ما بلّا، و… و… و… إلى آخره] تقول له في الأخير: فيما لو وقع عليَّ شيء من هذا، فيما لو قُتلت في سبيل الله، أليست فضيلة عظيمة ودرجة عالية؟ إذن فأنت تحاول أن تحول بيني وبين ما هو فضل عظيم وبين ما هو حياة ليس فيه موت على الإطلاق إلا مجرد الانتقال، الانتقال فقط قد يكون لحظات.
فهل يمكن أن يكون ناصحاً أو يكون رأيه صحيحاً وصائباً من تكون توجيهاته تحول بين الإنسان وبين مقام رفيع وفضل عظيم؟ أبداً، لا يمكن أن يسمى ناصحاً وإن كان هو ناصح في نفس الوقت لكن منطقه ليس منطق الناصح ولا يعرف كيف ينصح، قد يصدر مثلاً من قريب لك يوجهك تترك وأشياء من هذه، لكن يجب أن تفهم بأن ما يقوله وإن كان من واقع النصيحة لكنه في الواقع لا يعرف النصيحة، لو يعرف هذا الفضل العظيم -إذا كان ناصحاً لك- المفروض بأن يدفعك إلى أن تناله، أما إذا كان منافقاً توبخه توبيخاً.
{يَسْتَبْشِرُوْنَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيْعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ}(آل عمران: الآية 171) إذن بدل الحياة حصل لهم حياة أفضل، وبدل هذه الحياة على الأرض حياة في عالم آخر أرقى وأفضل، ويكفي أن فيها الأمن، يكفي الإنسان الأمن أن يعرف بأن مصيره أصبح مصيراً مضموناً، أنه من أهل الجنة ولا خوف عليه ولا حزن. هذه في حد ذاتها نعمة كبيرة جداً؛ لأن الإنسان في الأرض هنا يكون قلقاً؛ يعني ما يعرف كيف قد تكون نهايته، ما عنده ضمانة مؤكدة تماماً بأنه إلى الجنة وإن كان في طريقها، لا يعرف كيف تكون النهاية بالنسبة له، أما الشهيد فهو حيّ وقد عرف أنه من أهل الجنة وفي نفس الوقت هو في جنة، الجنة الحقيقية، أو جنة أخرى، لم يعد هناك موت بالنسبة له، ولم يعد هناك قلق بالنسبة له على الإطلاق. هذه الحالة لوحدها نعمة كبيرة جداً أنه قد أمِن عذاب الله قد أمِن جهنم، قد أمِن من سوء الحساب قد أصبح يقطع بأنه من أهل الجنة)).

مهما كانت التقلبات يجب أن يظهر المؤمنون بالشكل الذي يحطم معنويات الأعداء والمنافقين

يقول الله سبحانه وتعالى {الَّذِيْنَ اسْتَجَابُوْا للهِ وَالرَّسُوْلِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِيْنَ أَحْسَنُوْا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيْمٌ}(آل عمران: الآية172) يبدو أن هذه فئة من المؤمنين لحقوا بالمشركين بعد الهزيمة هذه وبعد الجراحات.
{الَّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوْا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَانَاً وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ}(آل عمران: الآية 173) ما تزال تابع لقوله: {وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيْعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ الَّذِيْنَ اسْتَجَابُوْا..}(آل عمران: من الآية171- 172) إلى آخر الآية {الَّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوْا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَانَاً وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ}(آل عمران: الآية 173) تجد هذه لها أثر مهم جداً في ما يتعلق بالجانب النفسي وفي جانب الحرب النفسية في ما يتعلق بالعدو بعد الجراحات بعد الهزيمة، يلحقون بالعدو حتى لا يفرح بأنه انتصر.
في نفس الوقت عندما يحصل أي عبارات، عبارات فيها إرجاف فيها تخويف؛ جوابهم جواب الثابتين، هنا سيلمس العدو بأن أمامه أمة ثابتة مؤمنين ثابتين، لا يؤثر فيهم الإرجاف لا يؤثر فيهم التخويف {الَّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوْا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَانَاً}(آل عمران: من الآية 173) ثقة بالله {وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ}(آل عمران: من الآية 173) الله كافينا، سنلتجئ إليه ونعتصم به ونسير على هديه ونتولاه {وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ}(آل عمران: من الآية 173) ليس هناك أحد يمكن أن يكون كمثله نكِل إليه أمورنا، نعم الوكيل الله سبحانه وتعالى نكل إليه أمورنا وسنتحرك وليكن ما كان، هذه عبارة عملية. ما معناها [نحن سنجلس والباري سيقوم باللازم]! بل سنتحرك ونواجه معتمدين على الله، والله ذكر في آيات كثيرة حثاً للناس أن يعتمدوا عليه أن يتوكلوا عليه وكفى بالله وكيلاً وكفى بالله حسيباً. هنا يقول: {وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ}(آل عمران: من الآية 173).
{فَانْقَلَبُوْا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوْءٌ وَاتَّبَعُوْا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُوْ فَضْلٍ عَظِيْمٍ}(آل عمران: الآية 174) فلاحظ كيف تكون النتائج كلها طيبة بالنسبة للمؤمنين، إن قُتلوا في سبيل الله فتلك الحياة عند الله رزق وفرح واستبشار إلى آخره، أو كانوا لا يزالون في حالة المواجهة فهم ثابتون، لاحظ الثبات يتمثل أيضاً في كلام، يعني: أن يكون الناس دقيقين في منطقهم لا يظهر من جانبهم على الإطلاق أي عبارات جزع، بل كلها عبارات قوة كلها عبارات ثبات، كلها عبارات التجاء إلى الله سبحانه وتعالى وتكون النتائج طيبة {فَانْقَلَبُوْا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوْءٌ وَاتَّبَعُوْا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُوْ فَضْلٍ عَظِيْمٍ}(آل عمران: الآية 174) من أخطر ما يكون على الناس هي تلك الأخطاء، أما كون العدو كبيراً، أو كون العدو قد حشد، أو كونهم قليلا، أو أشياء من هذه لم تُقدَّم هنا بأنها بالشكل الذي يقعد الناس، أو أنها خطيرة بالشكل الذي قد يقعدهم، لا، الخطورة كلها تتمثل في تصرفات تأتي من عندهم: عصيان، مخالفة، تنازع في الأمر، عبارات يقولونها تنبئ عن ضعف، تشد نفسية العدو، ترفع من معنوية العدو، هذه هي الخطيرة.

الشيطان وأولياؤه يركزون على إثارة وتعميم الخوف في أوساط المجتمع

منذ الأزل، يسعى الشيطان إلى بث الخوف والاضطراب في نفوس الناس، متسلحاً بأساليبه الماكرة لتقويض الإيمان وزرع الهزيمة في صفوف المؤمنين. غير أن الله سبحانه وتعالى وضع للمؤمنين مقياساً واضحاً للتعامل مع هذه المحاولات، إذ قال جل شأنه: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 175).
في ظل هذه الآية الكريمة، وعلى ضوء ما تناوله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي حول الآيات الكريمة يتجلى موقف المؤمن الحقيقي الذي لا يخضع للتخويف ولا يتأثر بإرجاف أعداء الله وأولياء الشيطان. فهي دعوة إلى التحلي بالشجاعة والإيمان الراسخ، وتأكيد على أن مصدر القوة الحقيقي يكمن في التوكل على الله القوي العزيز (({إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوْهُمْ وَخَافُوْنِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ}(آل عمران: الآية 175) التخويف هو مما يركز الشيطان على محاولة تعميمه وإثارته في أوساط المجتمع، لكن عادة الشيطان لا يستطيع أن يكون مؤثراً فيوجد تخويفاً؛ التخويف الذي قد يحصل معه التفكير بالتراجع أو هبوط في المعنويات وضعف في النفسية. إنما يكون مَن؟ أولياؤه يتأثرون، أولياؤه، أولياؤه في الأخير يشتغلون مع الآخرين {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}(آل عمران: من الآية175) لأنه لا يستجيب للشيطان ولا يتأثر بالشيطان إلا أولياؤه، أما المؤمنون فالله قال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُوْنَ}(النحل: الآية 99).
هذه نوعية من المؤمنين الذين لا يتأثرون: {الَّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوْا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}(آل عمران: من الآية 173) هل حصل عندهم حالة خوف؟ لا، {فَزَادَهُمْ إِيْمَاناً وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ}(آل عمران: من الآية 173) مع أن حالة الخوف تؤدي إلى هبوط في الإيمان. أن يزدادوا إيماناً؛ لأنه ليس لديهم تخوف من أن يدخلوا في مواجهة مهما كان العدو، عندما يحصل خوف يحصل اضطراب يحصل هبوط في موضوع الإيمان كما قال سابقاً: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّوْنَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}(آل عمران: من الآية154) {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوْهُمْ}(آل عمران: من الآية175) فلا تخافوا أولياءه؛ لأن كل من هم في مواجهتكم إنما هم أولياء للشيطان، الله قد قال: {فَقَاتِلُوْا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفَاً}(النساء: من الآية76) وأنتم وليكم الله والله هو قوي عزيز هو القوي العزيز.
{فَلاَ تَخَافُوْهُمْ وَخَافُوْنِ}(آل عمران: من الآية175) عندما تخافوهم يحصل تراجع يحصل قعود يحصل تخلف معناه أن هذه الحالة قد تجعل الناس مستحقين لعقوبة من الله فيجب على الناس أن يخافوا الله، يخافوه هو، لا يخافون من أولياء الشيطان لا يخافون من دعاياتهم، لا يخافون من إرجافهم، لا يخافون من عبارات أنهم قد حشدوا وأنهم وأنهم إلى آخره، يجب أن نخاف من الله وحده {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ}(آل عمران: من الآية175).
مما قيل في تفسيرها أيضاً: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}(آل عمران: من الآية175) أي يُخوفكم أولياءه يخوفكم من أوليائه حتى لو كانت القضية قد تحصل باعتبار المؤمنين قد يكونون أصحاب نفوس متفاوتة وقد يحصل مثلاً عند كثير منهم أن يتأثروا لكن لما كان المقام هنا مقام الحديث عن مؤمنين، أليس مقام حديث عن مؤمنين؟ لا يتناسب أن تأتي العبارة بهذا الشكل {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} على الإطلاق لأن الله يقول في آية أخرى {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُوْنَ}(النحل: الآية99).
فالشيطان هو يخوف أولياءه الذين يتأثرون به حتى لو كانوا من داخل المجتمع المؤمن، وهذا هو الشيء الطبيعي أنه من داخل المجتمع المؤمن، سواء كانوا منافقين أو ناس في قلوبهم مرض أو ناس ضعيفي إيمان ضعيفي نفوس هذا قد يحصل، لكن لكونهم يشملهم اسم مؤمنين، لا يمكن في التعبير أن يكون هناك قال: {لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِيْنَ آمَنُوْا}(النحل: الآية99) ثم يقول هنا، يخوف الذين آمنوا؛ لأن معنى يخوفهم أي يوقعهم في حالة من الخوف يعني هنا أصبح له تأثير عليهم وكأنه ماذا؟ أصبح له سلطان ولهذا جاء بعد: {فَلاَ تَخَافُوْهُمْ وَخَافُوْنِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ}(آل عمران: من الآية175) فلا تخافوهم، أي فلا تخافوا مَنْ؟ أولياء الشيطان؛ لأن الشيطان عندما يخوّف أناساً هم في الواقع عندما يؤثر فيهم هم ناس عندهم ثغرة خطيرة جداً ليسوا بمستوى المؤمنين الذين ماذا؟ ليس له سلطان عليهم.
التخويف الذي يأتي لهؤلاء هو يخوفهم ممن أيضاً؟ من أولياء له آخرين يخوف أولياء له من أولياء آخرين وسيشتغل هؤلاء الأولياء الصغار داخل المجتمع المسلم لتخويف مؤمنين، فيجب أن يكون المؤمنون الآخرون الصادقون على هذا النحو: {فَزَادَهُمْ إِيْمَانَاً وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ}(آل عمران: من الآية 173) وتحذير للكل {فَلاَ تَخَافُوْهُمْ}(آل عمران: من الآية175) لأن الشيطان لا يأتي إلى ناس يخوفهم من ناس مؤمنين يخوف مؤمنين من مؤمنين. سيخوف مؤمنين باعتبار الإنتماء لكن في إيمانهم ضعف أمكن للشيطان أن ينفذ إلى أنفسهم فيخوفهم ممن؟ من أوليائه من الكافرين من أعداء الله، هم أولياء الشيطان.
ينطلقون في الأخير إلى أن يقوموا بعملية تخويف. التخويف يشبه هذه: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوْا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} (آل عمران: من الآية175) [قد هم متجمعين. قد معهم كذا. قد هم يريدون كذا] تخويف في المجتمع، وهذه القضية يجب أن تُحارَب بعبارات تبلغ الطرف الآخر وبعبارات يكون فيها تبكيت لهؤلاء، ولهذا جاء في آية أخرى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا}(الأحزاب: من الآية60- 61) ملعونين؛ لأنهم يقومون بعمل قد يترك أثراً عند بعض من الناس {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيـلاً}(الأحزاب: الآية61).
من واجب المؤمن نفسه عندما يقوم بعملية مقارنة مع أنها غير لائقة بالمؤمن حتى يقارن بين أولياء الله وأولياء الشيطان، ومن الذي يجب أن يكون هو الأقوى، أولياء الله المعتمدين على الله القوي العزيز، المتوكلين عليه الموعودين بنصره وتأييده أم أولياء الشيطان الذين نفس الشيطان ليس ناصحاً لهم {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ إِنِّيْ بَرِيْءٌ مِنْكُمْ} الشيطان نفسه ليس ناصحاً لأوليائه، الشيطان ضعيف وأولياؤه ضعاف {فَقَاتِلُوْا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفَاً}(النساء: من الآية76) أولياء الشيطان مهما كثروا هم في دائرة الضعف ومهما عظم ولاؤهم للشيطان معناه ماذا؟ كلما اشتد ضعفهم كانوا أكثر ولاءً للشيطان، كانوا أكثر ضعفاً)).
في الأخير يختبر الله الأمم بمحن وابتلاءات تهدف إلى تهذيب النفوس وتزكية القلوب، وهي ليست إلا جزءاً من سنن التدافع بين الحق والباطل. وفي خضم هذه الاختبارات، يتجلى دور القيادة الربانية التي تهدي الأمة وتحميها من الفتن الداخلية والخارجية.

إنّ أبرز ما يعترض طريق الأمة خلال الابتلاءات هو محاولات العدو لزرع الشكوك وتشتيت الصفوف، مستغلاً الجراحات والخسائر لتمزيق وحدة القيادة مع القاعدة. ومع ذلك، يظل التمسك بالهداية الإلهية والوعي بحقائق الصراع سلاحاً فعالاً في مواجهة هذه التحديات، ما يؤكد على أهمية التحلي بالصبر والثبات، والإيمان بأن المحن تصقل النفوس وتُعلي قيم الوفاء والطاعة لقيادة تؤدي واجبها في إحياء القيم الإلهية وبناء مستقبل أفضل.

هكذا نتعلم أن الابتلاءات ليست نهاية المطاف، بل هي بداية لوعي أعمق، وإيمان أشد، ونصر أقرب إن صدقت النوايا وتوحدت الجهود خلف قيادة تُعَبِّر عن إرادة الله في الأرض.