اليمن و “إسرائيل”
عبدالرحمن مراد
ما تزال اليمن تصر على موقفها في إسناد غزة والانتصار لمظلوميتها، رغم التبدل والتحول الكبير الذي حدث وترك أثراً عميقاً على محور المقاومة بشكل كبير، لكن تظل غزة وفلسطين والأقصى قضية أَسَاسية لها أولويتها في أجندة المقاومة اليمنية، رغم ما تعانيه اليمن من حصار، وما عانته في سنوات العدوان -الذي لم يتوقف بشكل نهائي- من دمار.
اليوم “إسرائيل” تطلق التصريحات تلو التصريحات حول اليمن وتهدّد وتتوعد بتدمير بنيتها الاقتصادية التي هي مدمّـرة في الأَسَاس؛ بسَببِ العدوان الذي استمر لعقد من الزمان وما يزال، فاليمن لم يعد لديها ما تخسره؛ باعتبَار أن العدوان السعوديّ الإماراتي ومن بعدهما دول الاستكبار قد أتى على كُـلّ شيء ولم يبق ولم يذر، ولذلك تعذر على “إسرائيل” تحديد بنك أهداف لها في اليمن؛ لأَنَّه لم يعد هناك من بنك أهداف، وهي اليوم -أي “إسرائيل”- تقف عاجزة عن تحديد أهداف في الرد على اليمن وبحيث يكون رادعاً وفق اجنداتها، ولذلك رأينا تبايناً في التصريحات، وفي التهديدات، بين تكرار سيناريوهات الاغتيالات التي قاموا بها في غزة وفي لبنان، وبين ضرب البنية الاقتصادية الهشة التي لم تثمر في تحقيق أي أهداف طوال عقد من الزمن كان العدوان السعوديّ الإماراتي هو الفاعل فيه.
تصريحات رئيس وزراء الكيان الأخيرة التي بثها عبر منصة إكس بمناسبة ما يسمى عيد “حانوكا” التي قال فيها: إنه يوجه الضربات للأعداء وسينفذ ذات السيناريوهات التي نفذها الكيان في لبنان، وفي سوريا، وفي غزة، وتصريحات أُخرى لمسؤولين في الكيان تذهب إلى القول: بالتعامل الجاد مع التهديدات الحوثية بحزم وبما يعزز أمن “إسرائيل” والملاحة في المياه هي في الأَسَاس تهدف إلى حشد تحالف دولي لصعوبة التعاطي مع اليمن؛ بسَببِ البعد الجغرافي، وعدم قدرة “إسرائيل” لوحدها في التعاطي مع جبهة إسناد غزة من اليمن.
ويبدو لي أن تصريحات رئيس الكيان واضحة فهي تتحدث عن التعامل مع جبهة اليمن ولو استغرق ذلك وقتاً، إدراكاً أن العلميات العسكرية غير مجدية في الوقت الحالي، لذلك تتسرب معلومات عن إنشاء غرفة في الموساد خَاصَّة باليمن لدراسة اللغة اليمنية، وبنيتها الاجتماعية والثقافية، وقد باشر الموساد في الاشتغال على هذه الفكرة كما يتضح من المعلومات التي تنشرها وسائل إعلامية صهيونية، وهذا يعني الاشتغال على الحرب الباردة، وتفكيك البنى الثقافية، وتشديد الحصار الاقتصادي مع الاشتغال المكثّـف في الجانب الاستخباري والتركيز عليه، للقيام بذات السيناريو في لبنان، وسوريا، أي القيام بحركة اغتيالات واسعة في اليمن، وهم يواجهون اليوم صعوبة في بلوغ هذه الغاية؛ بسَببِ عدم توفر معلومات كافية، ولكنهم سوف يركزون على توفير المعلومات، ولعل اليمن قد أعلنت عن تفكيك خلية استخبارية تعمل لصالح الكيان مما ضاعف الشعور لدى الكيان بصعوبة تكرار ذات السيناريو الذي حدث في لبنان.
ولذلك سوف يتم تحريك الجبهات الداخلية ومؤشرات ذلك بدأت تبرز على الواقع من خلال بعض المعلومات التي تذهب إلى القول إن السعوديّة تخلت عن فكرة خارطة الطريق للحل السياسي في اليمن التي كان الفرقاء قد توافقوا عليها قبل عام أَو يزيد، وتوقف التوقيع عليها بضغط من أمريكا.
اليوم نحن أمام واقع جديد تتظافر فيه دول الإقليم مع الكيان الصهيوني وبتحالف كبير مع دول الاستكبار العالمي، التي تشير المعلومات إلى التوافد إلى البحر الأحمر بحجّـة حماية التجارة العالمية من التهديدات الحوثية، ويبدو أن “إسرائيل” سوف تذهب إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة لعدة أسباب منها قطع ذرائع الاستهداف من قبل اليمن، ومنها تخفيف الضغط الشعبي المتزايد بشأن الأسرى الذين تحتجزهم حماس في غزة، وحتى تتفرغ للقيام بعمليات في اليمن، أَو تعيد ترتيب نسقها الهجومي المتوحش على اليمن، وبحيث تضمن أمنها من التهديدات التي تأتي من اليمن.
نحن اليوم في معركة جديدة تتبدل أساليبها وطرقها وأدواتها، وهذه المرحلة تتطلب قدراً كافياً من اليقظة، ومن الحرص، ومن الدقة في التعامل، فالعدوّ لا يدخر جهداً في تجنيد كُـلّ إمْكَاناته، ولن يترك اليمن الرافض لمشروعه دون النيل منه بكل الطرق والوسائل، ولعل تمتين الجبهة الداخلية والاشتغال على توحيدها، وعدم التفريط في الحاضنة الاجتماعية التي تشكل سنداً مهماً في هذه المرحلة، والاقتراب منها، والعمل الجاد على ملء الفراغات التي تركتها الظروف القاهرة في الوطن، والاهتمام بكل الطيف السياسي والفاعلين الثقافيين، وبحيث يشعر الكل أن المعركة لا تخص مكوناً سياسيًّا أَو ثقافيًّا بعينه ولكنها معركة الكل، ولا بدَّ من تظافر الكل لخوضها وبما يحقّق العزة والكرامة والحرية والسيادة لليمن بكل طيفه السياسي، وتعدده الثقافي، ومثل ذلك يتطلب جهوداً وطاقات مضاعفة في هذه المرحلة الفارقة من التاريخ.
لقد بدأت المعركة وسوف يشتد أوراها في قابل الأيّام وإدراك أبعاد المعركة في تموجاتها ومستوياتها المتعددة يتطلب الأمر المواجهة في كُـلّ المستويات، فهي لن تقتصر على البعد العسكري فقط، بل سوف تستخدم على الممكنات والطاقات وترتيب نسق البُعد الاقتصادي والثقافي واستنفار الطاقات الاقتصادية والثقافية من ضرورات المرحلة، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والعاقبة للمؤمنين.