قطاع غزة .. الجرح الدامي في مسار مقاومة أزلية
الصمود||
تحول قطاع غزة إلى جسد ينزف ويئن تحت وطأة آلة العدو المتوحشة التي توزع الموت والدمار يمينا وشمالا بلا هوادة. المشهد مروعاً يتجلّى للعالم، لكنه مشهد لا يثير ضمير الإنسانية ولا يوقظ ضمير أمة. لماذا؟ غزة، تلك البقعة الصغيرة، تعيش حالة من الإبادة الجماعية التي تخالف أبسط مبادئ الحروب وقيمها.
قنابل، وصواريخ أمريكية مدمِّرة وحارقة، يستهدف بها العدو المدنيين وحتى النازحين في المخيمات، في المدارس، وفي المباني العامة كالمستشفيات ومراكز الإيواء التي غالبا ما تكون مكتظة بمئات من الأُسر، فتحوّل حياتهم إلى كوابيس من الألم اللا متناهي. يفرط العدو في استخدام القوة كي يجعل من كل ضحية قصة تروى، فلا يوقظ ذلك الإجرامُ الضميرَ العالمي من سباته، كما لو كان من يتعرض لها مجرد أرقام تتوالى في التصاعد على شاشة عرض قاتمة.
المشهد في غزة يكشف عن أدوات تدمير وحشية تُعززها حكومات غربية، خصوصا تلك التي تُقَدِّم الدبابات والمدفعية أرتالا عوناً لا محدود لجيش العدو الإسرائيلي، ليطلق نيران الموت دون رادع على الأحياء السكنية.
وتحت أزيز الرصاص ودويِّ الانفجارات، يُمارس القتل بدمٍ بارد، حيث تتحول الشوارع إلى ساحات معارك لا تميز بين طفل وامرأة أو مسن. هناك، تتسابق عناصر تطلق على نفسها مسمى الجنود والمجندات، مدججين بالسلاح، وفي مشاهد لجرائم حرب تفوق في الوصف مصطلح “اللا إنسانية”، تُفصح عن انحطاط أخلاقي عندما يتسابق أولئك الأفراد على هيئة حلقات للتنافس المحموم أيهم يردي أكبر عدد من أبرياء الشعب الفلسطيني من الأطفال والنساء والمسنين قتلى.
ومع تواصل هذا العدوان، تُظهر التقارير أن سياسة التجويع لا تقل ضراوة عن القنابل. يُمنع الغذاء والدواء من الوصول إلى الجرحى والنساء والأطفال، كوسيلة لتقويض الروح الإنسانية وتضييق الأفق عليها فتجبر على الهجرة. ولا يكفي عصابات الاجرام الصهيوني المسماة (جيشا) أن تحول المشهد حول تلك الكميات القليلة من المساعدات إلى احتدام بالأيدي لا يطاق فحسب، بل تعمد إلى تحريك العصابات الإجرامية لتنفيذ عمليات نهب وسطو يضرب في عمق احتياجات الشعب الفلسطيني فلا يطال منها المستحقون سوى فتات الفتات؛ لا يسد رمقا ولا يسلم جسدا من ويلات ما يلقاه جراء خوض معارك الزحام.
وفي ظل الفوضى العارمة التي يثيرها العدو في عموم القطاع، يُعاني العاملون في المجال الإنساني من حصار واعتداءات مستمرة، حيث بلغت حصيلة الشهداء في صفوفهم نحو سبعمائة شهيد وشهيدة. تُظهر التقارير الصادرة عن المنظمات الإنسانية شواهد مؤلمة لا تُحصى من آلام ومعاناة، حيث تموت الأجنة في بطون الأمهات، بينما يحيط بهم دوي الانفجارات وضبابية القذائف، كل شيء يبدو وكأنه تكرار لجزئيات من يوميات مأساوية لا تتوقف.
لا تستثني هذه الفظائعُ المؤسساتِ الطبية، إذ تتعرض المشافي لهجمات ومداهمات شرسة شبه يومية تهدف إلى تدمير البنية التحتية للقطاع الصحي. تتحوّل المرافق الطبية إلى أهداف، والأكثر فظاعة أن تُمنع خدمات الإسعاف ونقل الجثث ودفنها، لتُترك في الشوارع والأزقة لنيران الإبادة التي تحولها إلى رماد. في أحياء متفرقة، تُركت جثث الشهداء لتُنهش من قِبل الكلاب.
المشهد في غزة -وبالتحديد في جباليا- يُستهدف فيه كل أثر من شأنه أن يُبقي الحياة قائمة؛ من المنازل والمدارس إلى الأسواق. بل إن الأقدام تكاد أن تنزلق في مزيج من الدماء والأنقاض، لتبقى غزة رماداً وخرائب، هكذا يفصح كبار جنرالات العدو عن مخطط لإعادتها إلى الصفر، وبشكل مدروس ومنظم.
تدمير كل مقومات الحياة أصبح أمراً يوميا، حيث تستهدف القنابل والقذائف الأحياء السكنية بلا هوادة. تجد جباليا نفسها في عين العاصفة، حيث تُظهر الصور مرحلة جديدة من قسوة الاحتلال، حيث تُدمَّر كل معالم الحياة، لا يُبقي الاحتلال شيئا، فيسير التدمير بخطىً مُنظمة، ما يستدعي وقفة جدية من ضمير العالم.
مشاهد الإبادة في غزة
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن طائرات حربية ومروحية إسرائيلية أطلقت مساء الأربعاء الماضي عدة صواريخ تجاه خيام النازحين في مواصي خانيونس (المنطقة التي يدّعي العدو الإسرائيلي أنها منطقة إنسانية آمنة) لتحرق النازحين وهم أحياء في خيامهم البالية، وتقتل 22 فلسطينيا، بينهم 8 أطفال و3 نساء، عرف منهم أم وطفلتاها من عائلة شراب، وأصيب 18 آخرون بجروح وحروق مختلفة.
وبيّن الأورومتوسطي أن تفاصيل عملية القصف تؤشر إلى أن العدو الإسرائيلي تعمد إيقاع الأذى بصفوف المدنيين، إذ بدأ ما حدث باتصال من “جيش” العدو الإسرائيلي يطلب إخلاء جزء من المنطقة المستهدفة، وأثناء عملية الإخلاء أطلق الطيران المروحي للعدو صاروخا تجاه النازحين، ثم تكررت الغارات بمساحة 700 متر في المنطقة وأصابت خيام نازحين بشكل مباشر وأدت إلى احتراقهم.
وتابع الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي نشر مشاهد مروعة لانتشال بقايا جثامين الأطفال المتفحمة والمقطعة، والتي تعبر عن مستوى غير مسبوق من الوحشية الإسرائيلية التي تستخدم قنابل ومقذوفات حارقة في منطقة مكتظة بمئات آلاف النازحين.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن ما حدث ليس حدثا معزولاً، بل هو تعبير عن جريمة الإبادة الجماعية الشاملة التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد جميع الفلسطينيين في قطاع غزة، واستهدافهم وتدميرهم أينما كانوا، بما في ذلك في “المنطقة الإنسانية” التي يدعي العدو الإسرائيلي أنها آمنة، واستخدام قوة نارية تدميرية مباشرة هناك تؤدي إلى الحرق وقتل أعداد كبيرة من النازحين الذين هجّروا قسراً من منازلهم في كل أرجاء قطاع غزة، ودفعهم العدو الإسرائيلي إلى هذه المنطقة ليقصفهم باستمرار.
وأكد الأورومتوسطي أن الولايات المتحدة الأميركية شريكة في هذه الجريمة، كونها تزود “جيش” العدو الإسرائيلي بالأسلحة والقنابل المدمرة والحارقة رغم علمها باستخدامها في قتل مئات المدنيين في كل مرة، كما تجب مساءلة الأفراد المسؤولين فيها عن القرارات ذات الصلة لتواطؤهم بارتكاب هذه الجرائم.
9,973 مجزرة
وعلى مدى 450 يوما من العدوان الإسرائيلي على غزة أكد المكتب الإعلامي الحكومي أن العدو ارتكب 9,973 مجزرة. و أباد 1,413 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني، مؤكدا أن عدد ضحايا الإبادة الجماعية ارتفع إلى 56,714 شهيداً ومفقودا، وأنّ 11,200 مفقود لم يصلوا إلى المستشفيات. و أنّ 45,514 شهيداً وصلوا إلى المستشفيات وفقا لأرقام وزارة الصحة، فيما بلغ عدد الشهداء الأطفال 17,818 شهيدا.
ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي فإنّ 238 طفلاً رضيعاً وُلِدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية، فيما استُشهد 853 طفلاً خلال الحرب وعمرهم أقل من عام. فيما استشهد 44 نتيجة سوء التغذية ونقص الغذاء والمجاعة. بالإضافة لاستشهاد 6 نتيجة البرد الشديد في خيام النازحين بينهم 5 أطفال. كما أكد استشهاد 12,287 شهيدة من النساء، و 1.068 شهيداً من الطواقم الطبية و 94 شهيداً من الدفاع المدني، و 201 شهيدا من الصحفيين و 728 من عناصر وشرطة تأمين مساعدات.
وأوضح مكتب الإعلام الحكومي أن هناك 12,650 جريحاً، و 12,500 مريض سرطان يواجهون الموت و3,000 مريض بأمراض مختلفة يحتاجون للعلاج في الخارج، و2,136,026 حالة إصابة بأمراض معدية نتيجة النزوح. و 71,338 حالة أُصيبت بعدوى التهابات الكبد الوبائي بسبب النزوح. كما أن هناك 350,000 مريض -بمرض مزمن- في خطر بسبب منع الاحتلال إدخال الأدوية، و 6,600 معتقل اعتقلهم الاحتلال من قطاع غزة خلال جريمة الإبادة الجماعية.
وبحسب تقرير المكتب الحكومي فإن العدو دمر 161,600 وحدة سكنية دمرها بشكل كلي، و 82,000 وحدة سكنية غير صالحة للسكن، و 194,000 وحدة سكنية مدمرة جزئياً. مؤكدا أن العدو الإسرائيلي ألقى 88,000 طن من المتفجرات على قطاع غزة. مضيفا أن العدو دمر 162 مؤسسة صحية و 136 سيارة إسعاف . مضيفا أن 86 % هي نسبة الدمار في قطاع غزة، وأن تقديرات الخسائر الأولية المباشرة للعدوان على غزة بلغت 37 مليار دولار.
العدو يصنع مأساة إنسانية
كما أكد المكتب الإعلامي الحكومي أن العدو الإسرائيلي يتسبَّب بأزمةٍ إنسانيةٍ مأساويةٍ تُهدد بموت آلاف النازحين بعد اهتراء 110,000 خيمة تزامناً مع موجات الصقيع الشديدة، مطالبا بتوفير الاحتياجات الأساسية فوراً. وأضاف المكتب في بيان له، الثلاثاء: من جديد يتسبب العدو الإسرائيلي بأزمة إنسانية مأساوية جديدة تُهدد بموت آلاف النازحين بعد اهتراء 81% من خيامهم بالتزامن مع دخول فصل الشتاء وموجات الصقيع الشديدة، حيث يعيش النازحون ظروفاً قاسيةً تسببت خلال الأيام الماضية بوفاة خمس حالات بسبب شدة البرد ونتيجة تدمير الاحتلال للقطاع الإسكاني.
وأكد أن مليوني نازح يعيشون منذ أكثر من سنة كاملة في خيام مصنوعة من القماش، والتي أصبحت الآن غير صالحة للاستخدام بفعل عوامل الزّمن والظّروف الجوية. حيث إن 110,000 خيمة من أصل 135,000 خيمة أصبحت خارج الخدمة، أي ما نسبته 81% من الخيام قد تدهورت بشكل كامل.