الفتح والنصر المبين في تحرير فلسطين
الصمود||مقالات||حسين بن محمد المهدي
الأمر جد خطير، والعمر في هذه الحياة وإن طال قصير، فاعتبر أخي الإنسان بمَن مضى قبلك، ولا تكن عبرة لمن يكون بعدك؛ فالاغترار بقوة تزول كبير فضول، فمن ظلم أحاطت به المظالم، وزالت عنه النعم، وصار عبرة للأمم.
وهذه عادٌ حينما تمادت في ظلمها، واغترت بقوة قومها، حكى الله عنهم في القرآن الكريم (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فما هي إلا أَيَّـام حتى أدركهم العذاب، وهم في غرور وارتياب ينظرون إلى قدرهم المحتوم، فيقولون ما حكى الله عنهم (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ، تُدمّـر كُـلّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأصبحوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) فإذا بديارهم وقد خلت، وأرضهم قد دمّـرت.
وهذا نتنياهو يقود الصهيونية اليهودية وقد بالغ في ظلمه وإسرافه، يعمل أبشع مما عمل فرعون بأسلافه، (قالَ سَنُقَتِّلُ أبناءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) فهو يقتل النساء والشيوخ والأطفال في غزة ليل نهار، ولن يثوب إلى رشده إلا عند أن يسيء العذاب وجهه، ويدخل المؤمنون من أنصار الله وحزبه المسجد الأقصى ويتبروا ما علت به الصهيونية تتبيراً.
فأهل الغرور لا يستجيبون لمنطق أهل العقول إلا حينما يدركهم العذاب.
فهذا فرعون يؤمن حينما أدركه العذاب، وفاته موعد المتاب، فلا نجاة للظالمين، وسينالون عقاب بغيهم وظلمهم، وإن آمنوا في لحظة أخذهم لم ينفعهم كما لم ينفع فرعون (حَتَّى إذَا أدركهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فهذا هو ديدن درج عليه الطغاة المفسدين الحاسدين.
وهذا ترامب بحسده وجشعه وغروره وقد قنص من أرض العرب والمسلمين مليارات الدولارات يريد أن يهب لليهود ما لا يملك في أرض فلسطين والأقصى الشريف، ويصرح في جريرته بلسانه بإقراره لظلم اليهود باحتلالهم للمسجد الأقصى الشريف؛ لما جبلت عليه طبيعة المستكبرين الذي تعلق الحسد والكبر في قلوبهم، مفتخراً بشطحاته وغروره وظلمه وفجوره، طمعاً منه وحسداً وبغياً، قاصداً كسر شوكة المسلمين، وإزالة نعمتهم، كما هو دأب الظالمين في حسدهم وبغيهم.
ولن ينفع من حاولوا اتباعه فتح مراكز للترفيه في أرضهم، فلم يحصد آدم -عليه السلام- من تصديقه لخدعة إبليس إلا عصيانه لربه، وإخراجه لآدم وزوجه من الجنة حينما لم يأخذ بتعاليم ربه (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أنت وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَدًا، حَيثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ).
فهل يعي العرب والمسلمين أنهم لن يفيدوا أنفسهم وأرضهم ومجتمعهم مما خدعوا به، وأن القواعد الأمريكية والصهيونية وجودها في بلدانهم خطر حال عليهم، وأن أمنهم وعزهم ومجدهم في مد أيديهم إلى أنصار الله وحزبه ورجال الله المجاهدين في محور المقاومة والانضمام إلى سلك أنصار الله في يمن الإيمان والحكمة، ورفع الحصار عنهم، وجبر أضرار ما عملوه فذلك خير لهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
إن رفع راية الجهاد وتحرير أرض فلسطين فريضة إسلامية، لا يجوز أن يتباطأ المسلمون عنها، فوحدتهم قوتهم، وتحرير فلسطين شرفهم وعزتهم.
ورجب من الأشهر الحرم الذي كان العرب يعظمونه ويحرمون القتال فيه، ولكن الله جل وعلا أخبر عن حرمة الأشهر الحرم، وجعل إخراج المسلمين من ديارهم أمر هو أكبر؛ فمن قاتل المسلمين وأخرجهم من ديارهم كما هو حال الصهيونية اليهودية وجب قتاله (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ).
فقد كتب الله على المؤمنين القتال وهو كره لهم؛ فمن المحسوس الملموس أن النفوس تحب ما فيه الشهوة واللذة وتنفر من التكاليف الموجبة لسعادتها ونجاتها، ألا ترى أن في الجهاد حفظاً للمال والأهل والوطن وإعلاء لكلمة الله ودينه، ومع ذلك قد تنفر من الجهاد حرصاً على حياة قليلة زائلة، وترغب عن الجهاد، وفيه العز والشرف، وفيه الاستشهاد، والفوز بالحياة الدائمة في دار الكرامة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
ولله در القائل
تجري الأمور على حكم القضاء وفي
طي الحوادث محبوب ومكروه
فربما سرني ما بت أحذره
وربما ساءني ما كنت أرجوه
ومع ذلك فَــإنَّه يتعين على عباد الله المؤمنين أن يرفعوا أكفهم بالتضرع والدعاء بنصر المؤمنين، وجمع كلمتهم، فعسى الله أن يجمع بذلك شملهم، ويعز بهم الإسلام والمسلمين ويذل ويخزي اليهود الغاصبين، ويصلح بالمؤمنين العباد، وينشر بالمجاهدين الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وما ذلك على الله بعزيز، خَاصَّة ونحن في شهر فضيل تتضاعف فيه الحسنات وتستجاب فيه الدعوات، شهر رجب الذي دخل فيه الإسلام يمن الإيمان والحكمة الإسلام؛ فكانوا قوة ونصرة للإسلام والمسلمين، ولهم في الدعاء أسوة بأسلافهم من المؤمنين في عصر النبي الأمين، فقد حكى الله عنهم في القرآن الكريم، ففي سورة الأنفال: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ،)، وفي سورة آل عمران (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).
وهذا قائد المسيرة القرآنية الملحوظ بالعناية الربانية ومعه أنصار الله في يمن الإيمان والحكمة يجدّون في السير جهاداً في سبيل الله وإعلاء كلمته، واتباعاً لشريعة سيد المرسلين؛ فلتوحد الأُمَّــة الإسلامية جميعًا صفوفها، ولتضاعف جهودها في تحرير فلسطين ونشر الإسلام في أصقاع الأرض (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.