صمود وانتصار

“وإنَّا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها..”

الصمود||مقالات||علي يحيى عبد المغني*

ظل العرب والمسلمون يتمنون تحرير فلسطين منذ احتلالها من قبل الكيان الصهيوني أربعينيات القرن الماضي، وظلت الجماعات والأحزاب الإسلامية تحدث الأُمَّــة عن فضل فلسطين وقدسيتها وأهميتها للعرب والمسلمين عقودًا طويلة.

ولما حضرت الفرصةُ لتحريرها أضاعوها من بين أيديهم، ورضوا بأن يقعدوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم، فرفضوا أن يدخلوا معركة (طُـوفَان الأقصى) التي كادت تطيح بكيان الاحتلال الصهيوني، وقالوا للفصائل الفلسطينية المجاهدة ما قاله أصحاب موسى: “إن فيها قومًا جبّارين، وإنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون”.

ما حقّقته الفصائل الفلسطينية المجاهدة في قطاع غزة يوم السابع من أُكتوبر كانت معجزة أذهلت العالم، وهدت كيان العدوّ الصهيوني الغاشم، وأظهرت هشاشته وضعفه، وعرّت أجهزته الأمنية والعسكرية، ولم يكن مطلوبًا من الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية للقضاء على هذه الغدة السرطانية من جسد الأُمَّــة سوى بعض المواقف السياسية، ومنع التدخلات الأمريكية والغربية في هذه المعركة، وفتح الحدود العربية لإمدَاد أهل غزة بالغذاء والدواء.

إلا أن هذه الأنظمة والأحزاب والجماعات العربية والإسلامية أصرت على القعود، ورأت أن هذه المعركة لا تعنيها، وأن فلسطين ليست قضيتها، فيما فتحت أمريكا وكافة الدول الغربية مخازنها للكيان الصهيوني ليأخذ ما يشاء من الأسلحة الحديثة والمتطورة، والعرب لم يفتحوا الحدود لغزة لإدخَال الغذاء والدواء، بل وسلَّطوا إعلامَهم لشيطنة المقاومة الفلسطينية، والنيل من رموزها وقادتها.

لم يدخل في هذه المعركة ويقف مع قطاع غزة السُّنية الإخوانية سوى الشيعة أتباع أهل الببت عليهم السلام، الذين تفصلهم عنها آلاف الكيلو مترات، ودفعوا؛ مِن أجلِ ذلك أثمانًا باهظة، أجبرتهم على الخروج من المعركة، ولم تستمر فيها سوى الجبهة اليمنية التي وجَّهت للكيان الصهيوني والنظام الأمريكي ضربات قاسية، وأثبتت بالفعل للأنظمة والشعوب العربية والإسلامية وكافة دول العالم؛ أننا قادرون على هزيمة الصهاينة، وتحرير الأرض المحتلّة.

ويبدو أن هذه الأنظمةَ والجماعاتِ والأحزاب ستضيع هذه الفرصة مرةً أُخرى؛ فهم يرون أن معركتَهم ليست مع الكيان الصهيوني، وأن قضيتهم هي الحفاظُ على السنة وتدريس كتب “ابن تيمية” وليست القضية الفلسطينية، وأن أمريكا والسعوديّة تقودان العالَمَ لخدمة البشرية، ولسان حالهم يقول: “اليوم خمر وغدًا أمر”.

لذلك فهم يعيشون اليوم مرحلة التيه التي عاشاها بنو “إسرائيل”، وأن الله كره انبعاثهم فثبطهم، ولو قاتلوا معنا ما زادونا إلا خبالا، وسينتصر الدين وتحرّر فلسطين بأهل اليمن الذين يقولون اليوم لقائد الثورة حفظه، ما قاله أجدادُهم الأنصارُ لجده رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: “فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحرَ فخضتَه لخضاناه معك، ما تخلَّفَ منا رَجُلٌ واحد، وما نكرهُ أن تلقى بنا عدوُّنا غدًا، إنَّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، ولعل اللهَ يريك منا ما تقرُّ به عينُك، فسِرْ بنا على بركة الله”.

* أمين عام مجلس الشورى