صمود وانتصار

كيف ينبغي أن ننظر إلى الناس؟

ملزمة الأسبوع:
?القسم الأول?
? أسئلة قبلية:
? – جاءت التشريعات في القرآن الكريم ممهد لها بأسلوب حكيم، فكف كان ذلك؟ وكيف ينبغي أن ينعكس علينا هذا الأسلوب؟
? – كيف ينبغي أن ننظر إلى الناس؟ أعلى أساس أنهم فئات متعددة، ونوعيات متعددة، أم أنهم نوعية واحدة، وفئة متطابقة؟
? – هل يمكن أن يختلط الحق مع الباطل بحيث لا يستطيع الفرد التمييز بيهما؟ ولماذا؟
? – هل يجب أن يكون هناك في الناس ـ مثلًا نصفهم علماء أو أن يكون 90% منهم علماء حتى يتبين لهم الحق حتى يمكنوا أن يعرفوا الحق؟ وما هي السنة الإلهية في الهداية؟
? – هناك من يقول: إن الحق بالنسبة لكل إنسان هو: أن يتعلم ثم ما ترجح لديه وغلب في ظنه هو الحق بالنسبة له، فما الإشكالية في هذا التوجه؟ وما هو مصدر الحق؟
? – هل يمكن أن نقول بأن المناهج والأساليب التي رسمها الله تعالى لنا يكون لها قابلية بين الناس، وتمثل مطلبا جماعيا لهم؟ وكيف ذلك؟ وإذا كان الحق يوافق الفطرة فلماذا نجد من الناس من يكره الحق؟
? – هل يمكن كتمان الحد بصورة تامة؟

???????
#من_هدي_القرآن_الكريم
البقرة/ من الآية (146) إلى الآية (186)
[#الدرس_الثامن ]
ألقاها السيد/ #حسين_بدر_الدين_الحوثي
بتاريخ 8 رمضان 1424هـ
الموافق 2/11/2003م
اليمن ـ صعدة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في هذه الآيات مواضيع متعددة وكلها في سياق واحد ويبرز فيها: الأسلوب الحكيم في مقدمات التشريع، الأسلوب الذي يمهد، يمهد لقابلية التشريع. قد نكون نحن المسلمين باعتبار الكثير من الأشياء التشريعية قد ألفناها، شهر رمضان نحن قد ألفنا أن نصومه، شرعية القصاص قد أصبحت مألوفة، المواريث قد أصبحت مألوفة. قد ربما بالنسبة للجيل الأول تكون أشياء تبدو صعبة من البداية، فالقرآن الكريم الذي قال الله فيه إنه: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: من الآية42) إنه: كتاب حكيم،{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} (هود: من الآية1)، تتجلى الحكمة في منهجيته في التشريع، كما تتجلى الحكمة في منهجيته في الهداية.
أول الآية التي سمعناها قول الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: 146) تأتي كثيرًا عبارة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} وتراها في مقامات الحديث عنها إيجابي كما قال في الآية السابقة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} (البقرة: من الآية121) ويقول في آية أخرى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَك} (البقرة: من الآية145) وهنا يقول: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}.
من البداية في أول [سورة البقرة] هناك ما يوحي بأنه الناس ـ عادة ـ هم يكونون فئات متعددة ونوعيات متعددة، المتقون فئات متعددة وفئات متفاوتة، الكافرون فئات متفاوتة، من الكافرين نوعية قال عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (البقرة: 6) فهنا جاء بعبارة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وتأتي في آيات كثيرة عبارة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وهناك من الذين كفروا من أصبحوا على هذا النحو، وهناك من أسلموا فيما بعد.
عبارة: {آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} تجد مثلًا هي تشبه تمامًا: {أَنْزَلَ الْكِتَابَ} أو{أنزلنا إليهم الكتاب} يقول أحيانًا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} (النحل: من الآية89) و{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ} (النساء: من الآية174){ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} (العنكبوت: من الآية46) عبارة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} قد تكون في مواضع تعني فئة معينة من أهل الكتاب هم كانوا أشبه ما يكون بورثة للكتاب يكون عندهم نوع من المعرفة عندهم نوع من الخشية، عندهم نوع من التسليم، هؤلاء قد يكونون في الواقع وربما كلهم أسلموا من كانوا من هذه الفئة الذين قد تنطبق عليهم الآية السابقة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} (البقرة: من الآية121) أعني: هذه الآية تصدق {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} آتيناهم إتيان وراثة، وآتيناهم الكتاب بالنسبة للدائرة الأخرى بمعنى الكتاب في متناولهم وأوتوه، وتصل العبارة بمعنى الإيتاء إلى مستوى البشر عمومًا كما قال عن القرآن: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (فاطر: من الآية32) وهناك في آيات أخرى يقول فيها بأنه أنزله إلى الناس.
فالمسألة يجب أن نفهمها على هذا النحو فيما أعتقد نفهمها على هذا النحو
، لا تفهم دائمًا عبارة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} كلها تحكي نفسية واحدة ونموذجًا واحدًا تمامًا، قد تكون في مقام معين تكشف لك فئة معينة، فئة معينة من داخل من أوتوا الكتاب، بالنسبة لنا كمسلمين بالنسبة للبشر عمومًا يقال لهم: بأنهم أوتوا الكتاب، آتاهم الله الكتاب يعني: أنزله إليهم مثلما قال: {أُنْزِلَ عَلَيْنَا}، {أُنْزِلَ إِلَيْنَا}، أليس الكتاب القرآن الكريم أنزل على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو أنزل عليه أنزل عليه كهدى للناس؟ في الأخير تعني أنزل إلى الناس، هنا فريق من أهل الكتاب يعرفونه أي: يعرفون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كما يعرفون أبناءهم.
قلنا هذه هي شاهد في نفس الوقت: أن هناك في تراثهم ما يزال بقايا تتضمن العلامات للنبي الذي سيبعث في آخر الزمان وهو رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) لأنه من أين لهم أن يعرفوه بهذه الدرجة كما يعرفون أبناءهم؟ لأن هذه معناها معرفة قوية معرفة لا شك فيها، أليس الإنسان يعرف ابنه؟ تعرف ابنك معرفة قوية لو ترى كم أطفال تعرف ابنك من بينهم بأن هذا هو ابنك، ثم هم أيضًا من خلال فهمهم لشخصية الرسل عادة كيف يكونون، سلوكياتهم أساليبهم مضامين دعوتهم الكتاب الذي يأتي إليهم عادة كيف يكون أسلوبه مضامينه خطابه للبشر، هي قضية متميزة تمامًا هي قضية متميزة، كتب الله هي متميزة عن أي كتب أخرى، لا يحصل لديك لبس إذا كنت فاهمًا لا يحصل لديك لبس بأن هذا الكتاب ربما يكون من شخص آخر على الإطلاق.
فمن مجموع هذه الأشياء تكون النتيجة لديهم: أنهم {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ} (البقرة: من الآية146) ممن أوتوا الكتاب وممن يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، الذين لم يتوفقوا لأن يهتدوا {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: من الآية146) أليست هذه قضية رهيبة جدًا بالنسبة لمن هم يعرفون الحق ويكتمونه؛ لأن الضحية في الأخير يكون من؟ الأمة البشر الناس المساكين؛ لأن الناس عادة يعلقون آمالًا كبيرة على علمائهم؛ لأنهم هم من جانبهم يعرفون الحق ويسيرون وراءهم على أساس أن ما يدعون إليه هو الحق، فعندما يكون هناك من عرفوا الكتاب وعرفوا الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم يكتمونه معنى هذا أنهم سيجعلون الكثير ممن هم محط ثقة لديهم يسلكون سلوكهم في التنكر لهذا النبي والتنكر لهذا الكتاب فيبقون كافرين ضالين.
وهذا هو الواقع بالنسبة لأهل الكتاب إلى الآن، فعندما يقول الله سبحانه وتعالى بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لا يعني ذلك بأنه كل واحد من أهل الكتاب، علماؤهم مثقفوهم الذين هم يطلعون على الكتب التي تحكي النبوات وكيف سلوك الأنبياء، ويسطر كثيرًا من تاريخ الأنبياء وكيف تكون دعوتهم في العادة، هؤلاء يعرفون لكن يضللون على الباقين والباقون يمشون وراءهم.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (البقرة: 147) فعندما يقول هناك: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: من الآية146) لا يستطيع أحد في الأخير أن يقفل باب الحق تمامًا على البشر، الحق هو من الله، والله سبحانه وتعالى هو لديه سنن: إذا رفض هؤلاء هيأ أولئك، إذا كتم هذا هيأ آخر؛ لأنه رحيم بعباده إنما ليبين سوء عمل من يكتمون الحق كيف أنها جريمة كبيرة. الحق هو بكل ما تعنيه الكلمة وفي كل القضايا في مجال الهداية، التشريع، الحق في كل قضية من قضايا الناس في كل شأن من شئونهم هو من الله وهو من اختصاص الله سبحانه وتعالى.
هذه الآية تعطي الإنسان قاعدة يجب أن يفهمها كل واحد منا وكل واحد من الناس: هو أنه باعتبار أن الحق هو مطلب للناس جميعًا وكل من يتحركون هم يحاولون ـ مهما قدموا من ضلال ـ أن يقولوا إنهم يقدمون حقا، فحتى لا يكون هناك لبس، لبس لدى أي إنسان منا أن يفهم: أن مصدر الحق هو الله، فليكن همه أن يعرف الطريقة التي من خلالها يعرف الحق الذي هو من جهة الله؛ لأن المسألة ليس فيها لبس، حتى قضية الحق ليس فيها لبس حتى وإن وجدنا هنا أنه يذكر: أن هناك من يكتمون الحق وهناك من يضللون وهناك من يخادعون وهناك من يردون وأشياء كثيرة، لكن بين كل هذه الأشياء السيئة لا يضيع الحق؛ لأن الحق هو من الله والحق هو نور هو النور الذي ذكره في كثير من الآيات الأخرى وهو من جهة الله، إنما ليبقى البشر ليبقى كل إنسان مؤمن بهذه القضية: أن مصدر الحق هو من الله، وعندما تعود إلى الله سبحانه وتعالى الذي هو مصدر الحق تجد أنه يقول عن نفسه أنه هو رحيم بعباده رؤوف رحيم يهدي يرشد يهيئ هو الخالق، إذا كان هناك من كتم الحق سيخلق، يخلق غيره ويجعله هاديًا إلى الحق الذي من عنده، وفي الأخير تحصل طمأنينة عند الناس؛ لأن الكثير من الناس يقولون: قد ضاعت القضية لم يعد أحد يدري أين الحق ولم نعد عارفين أين الحق قد الناس طوائف وكل واحد يقول هو على الحق وكل واحد يقول أنه يدعو إلى الحق وكل واحد كذا، “اختبصت”!
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (البقرة: من الآية147) فاعرف ربك لتعرف طريق الحق وستجد في الأخير لا تشكل كل الأشياء الأخرى عوائق أمام معرفة الحق وطريق الحق ومواقف الحق، أبدًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يسمح ـ لأنه رحيم ـ بأن يأتي بالحق ثم يضيعونه ما بين كاتم وما بين متحرك بالتضليل وما بين مخادع وفي الأخير يقول: قد جينا لكم بحق لكن أصحابكم هم الذين ضيعوه ادخلوا جهنم .لا، الله سبحانه وتعالى رحيم يهيء للناس، فقط المشكلة عادة تكون من عند الناس ؛ لذلك تجد القرآن الكريم يركز على موضوع الناس؛ لأنهم الميدان الحقيقي للرسالات ميدان الكتب الإلهية، ميدان الحق هم هؤلاء، عامة الناس وليس فقط قضية العلماء أو التركيز على موضوع العلماء فقط، أو الطبقة المثقفة فقط، بل القضية كلها تنصب إلى موضوع الناس، ولهذا في الأخير لا يشترط أنه يجب أن يكون هناك في الناس ـ مثلًا نصفهم علماء أو أن يكون 90% منهم علماء حتى يتبين لهم الحق حتى يمكنوا أن يعرفوا الحق! شخص واحد يكفي البشرية جميعًا لأن يكون هاديًا للحق ومعلمًا للحق ومبينًا للحق، شخص واحد.
إذًا فهذه هي نفسها هي مما تبين لنا بأن القضية الأساسية هم الناس فشخص واحد يكفي شخص واحد يأتي معلم للحق، عادة يحصل أناس يتعلمون، أليس ممكنًا أن يحصل هكذا، أعني: تلقائيًا تقريبًا في تاريخ البشر تأتي فئة من الناس تتعلم فيصبحون علماء وبمجرد أن يصيروا علماء يتحملون مسئولية كبيرة، يتحملون مسئولية كبيرة هي ماذا؟ هي أن يبينوا للناس الحق، هي مسئولية تصل إلى تقريبًا كل شخص: أن الحق، وذلك الحق ـ الحق الذي هو من الله سبحانه وتعالى ليس الحق الذي استنبطه فلان أو باجتهاداته أو رؤاه وسماه حقًا ثم تقوم تتحرك به الحق ـ من يعرفه تصبح مسئولية عليه أن يبينه؛ لهذا ترى هذا الدور دور تنـزل من عند الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من عند أنبياء الله، ثم من هم ورثة للكتاب، ثم من تعلمون، ثم من عرفوا من الناس إلى درجة ماذا؟ أنه يقول بعبارات عامة: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} (العصر: من الآية3).
المسئوليات بشكل أساسي تكون على العلماء بشكل أساسي تكون على العلماء ولكن وفي نفس الوقت من يعرفون الحق، ومعنى يعرفون الحق، ليس هو فقط: قالوا لك، واحد قال لك إنه حق، تكون القضية مرتبطة بهذه القاعدة: أن تعرف أنه الحق الذي من الله ومتى ما عرف الإنسان سنة الله في الهداية، الطريق، طريق الحق من عند الله إلى عند الناس، وهي طريقة سهلة ليست معقدة ليست طريقة معقدة، حينئذٍ يصبح من واجب الناس جميعًا أن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر على الحق، عندما تكون موصيا بالحق لا تعني العبارة فقط أن تقول: الحق، الحق، يجب أن نتبع الحق فقط!