صمود وانتصار

اليمنيون يحتفلون بعيد جمعة رجب – ذكرى دخولهم الإسلام أفواجاً

يستقبل اليمنيون في شهر رجب من كل عام، أحداثاً بارزة وذكرى خالدة كانت وما تزال وستظل محطة إيمانية بدخولهم الإسلام عبر مبعوث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

لما وصل الإمام علي عليه السلام، إلى مدينة صنعاء وتحديداً في سوق الحلقة، تحلق أهل اليمن حوله وأنصتوا إليه حينما تلا عليهم رسالة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام بدعوتهم للدخول في الإسلام، واستجابتهم لهذه الدعوة وإسلامهم جميعا.

مناسبات شهر رجب

تتزامن في شهر رجب الحرام، مناسبات متتالية، تتمثل في عيد جمعة رجب، ذكرى دخول اليمنيين الإسلام وترسيخ الهوية الإيمانية، وذكرى ميلاد الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وذكرى الإسراء والمعراج على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام.

يُحيي اليمنيون سنوياً الجمعة الأولى من شهر رجب، لمكانتها وأهميتها في وجدانهم، ذكرى دخولهم الإسلام أفواجاً، إذ هم من ناصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحملوا راية العقيدة والفتوحات الإسلامية وساهموا في نشر الدين في أصقاع المعمورة.

يتخذ اليمنيون من جمعة رجب، عيداً دينياً يعبّرون فيه عن حمدهم لله وشكرهم على نعمة الإسلام ويبتهجون فيها باحتفالات وابتهالات وموشحات دينية وإنشادية وذكر الله، باعتبارها جزء من مورثهم الثقافي وهويتهم الإيمانية التي تؤكد عمق ارتباطهم بالرسالة المحمدية التي جاء بها الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه إلى اليمن.

اعتاد أهل اليمن على الاحتفاء بهذه الذكرى العطرة منذ دخولهم الإسلام، لتجديد صلتهم بالدين وتعزيز هويتهم الإيمانية والقيم والمبادئ الدينية واستحضار ما صار عليه اليمنيون الأوائل، خاصة ما يتصل بزيارة الأهل والأقارب وصلة الأرحام والتوسيع على الأهل وغيرها.

ويتوارث اليمنيون، منذ القدم إحياء “عيد جمعة رجب”، انطلاقاً من العادات والتقاليد المعززة للهوية الإيمانية، والاحتفال بها في المساجد والجوامع بإلقاء المحاضرات وإقامة الحلقات الدينية، خاصة في ظل محاولات الأعداء طمس الهوية الإيمانية اليمنية الأصيلة.

تنوع مظاهر عيد جمعة رجب

يتعاظم الاحتفال بعيد جمعة رجب وتتعدد مظاهر إحياء هذه المناسبة العطرة بالعاصمة صنعاء والمحافظات، لما تحتله من مكانة ارتبطت بدخول أهل اليمن الإسلام ووصول مبعوثي الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، الإمام علي كرّم الله وجهه إلى مدينة صنعاء والصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، إلى منطقة الجند بمحافظة تعز لحمل رسالة الإسلام لليمنيين الذين دخلوا جميعاً في دين الله.

زيارات رسمية وشعبية

شهدت مدينة صنعاء، منذ مطلع شهر رجب الحالي زيارات رسمية وشعبية غير مسبوقة، من قبل قيادات الدولة ومسؤولي المؤسسات والهيئات للاطلاع على المعالم التاريخية والأثرية التي تزخر بها المدينة القديمة في إطار فعاليات عيد شهر رجب والجمعة الأولى منه للعام 1446هـ.

وانطلاقاً من خصوصية شهر رجب، تعرف الزائرون على رمزية سوق الحلقة الذي سُمي بهذا الاسم لتحلق اليمنيين حول الإمام علي عليه السلام بهذا المكان، واطلعوا على المعالم الدينية في الجامع الكبير بصنعاء وما يحتله من دلالات تاريخية ومكانة في قلوب اليمنيين، وتعرفوا على جامع الإمام علي بن أبي طالب.

وفي صباح يوم الجمعة الأولى من شهر رجب، تُحيي الهيئة العامة للأوقاف ومكتبها بأمانة العاصمة سنويًا هذه الذكرى، بفعالية احتفالية في رحاب الجامع الكبير بصنعاء لرمزيته وخصوصيته الإسلامية، الذي بُني بأمر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عبر مبعوثه إلى اليمن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

ويصاحب الفعاليات الاحتفالية، فقرات إنشادية من التراث الشعبي وقصائد شعرية في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأهل اليمن، وأخلاقهم وما يتحلون به من قيم ومبادئ إنسانية وسماحتهم وتسامحهم عبر التاريخ وكذا تلبيتهم لدعوة النبي الكريم للدخول في دين الله أفواجا.

أهمية زيارة الجامع الكبير

تكمن أهمية زيارة الجامع الكبير بصنعاء كأحد أهم المعالم الإسلامية باليمن، لارتباطه بالدين والنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والمقدسات الإسلامية والهوية الإيمانية وأعلام الهدى من آل البيت عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

تؤكد كتب التاريخ ومعظم الروايات، أن الجامع الكبير بصنعاء يُعتبر أول مسجد بُني في اليمن، وأول جامع بُني في الإسلام خارج مكة والمدينة، وثالث مسجد في الإسلام بعد مسجد قبا والمسجد النبوي، وما يزيده قدراً ومكانة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو من أمر ببنائه، وحدّد مكان تأسيسه واتجاه قبلته وسماه اليمنيون بـ”الجامع المقدس”.

ووفقًا لكتب التاريخ، يُعد الجامع الكبير بصنعاء، جامعة إسلامية ومدرسة علمية تخرج منها كبار العلماء والأئمة وآلاف من حفظة القرآن الكريم، وما يزال حتى اليوم يتخرج منه الكثير من العلماء وطلاب العلم والمجتهدين.

تُبرز أهمية ومكانة الجامع الكبير في أنه يمثل رمزاً للهوية الإيمانية لليمنيين التي عبر عنها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله “الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان”، وقد شرع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ببناء هذا الصرح العلمي والديني والإسلامي بعد دخول اليمنيين الإسلام على يديه في المكان الذي حدده له النبي الخاتم.

ذكرت كتب السير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الإمام علي لما أرسله إلى صنعاء لدعوة اليمنيين للإسلام ببناء الجامع الكبير، فقام الإمام علي بتأسيسه وبنائه في بستان باذان بين الحجر الململم وغمدان، وبستان باذان هو البستان الذي كان ملكًا لحاكم اليمن آنذاك.

يُروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن تكون قبلة الجامع الكبير بصنعاء، باتجاه “جبل ضين”، وهو جبل يقع شمال مدينة صنعاء في مديرية عيال سريح بمحافظة عمران، يبعد عنه مسافة 32 كيلو مترًا ويعتبر الكثيرون تحديد الرسول الكريم لقبلة الجامع الكبير بهذه الدقة من الدلائل على نبوته وواحدة من معجزاته.

معالم الجامع الكبير

ظهر ما يسمى بالمسمورة والمنقورة في دعامتين بالجامع الكبير بصنعاء، وسُميت بهذا الاسم، كما روت كتب السير والتاريخ، لضرب المسمار والنقر في هاتين الدعامتين، ليبقى الجامع الأول الذي أسسه الإمام علي عليه السلام معروفًا عند اليمنيين جيلًا بعد جيل، فلا تطمس معالمه وتضيع آثاره، وليظل المكان شاهدًا على اهتمام النبي الكريم بأهل اليمن.

رُوي في مكان ما بين المسمورة والمنقورة أن الدعاء فيهما مستجاب، فما أقبل على الله من مكروب أو مهموم بإخلاص إلا فرج الله عنه، كما أن أهل صنعاء خاصة واليمن عامة عندما تقع بينهم خصومات أو نزاعات ويكون فصلها باليمين، فإن الغالب طلبها في هذا الموضع.

ما تعارف عليه واعتقده الناس والمشهور التجربة أن من حلف بالله ما بين “المسمورة، والمنقورة”، يمينًا فاجرًا لم يمكث ثلاثة أيام حتى يُصاب بالجذام أو سقوط أطرافه أو علّة عظيمة في أعضائه.

من معالم الجامع الكبير بصنعاء، قبر النبي حنظلة بن صفوان، الذي يقع في المقصورة الغربية بجانب الصومعة الغربية، وقد ورد في عدد من المراجع التاريخية والتفاسير، وقيل إنه وجد في قبره لوح مكتوب فيه: أنا حنظلة بن صفوان رسول الله بعثني الله إلى حمير وهمدان.

مكتبة الجامع الكبير:

يحتوي الجامع الكبير على مكتبة تُعد من أعظم المكاتب الإسلامية لما تكتنزه من نفائس الكتب العلمية وأشهر المخطوطات القيمة والمؤلفات في مختلف العلوم والفنون، يُقدر عدد المخطوطات فيها بأكثر من ثلاثة آلاف مخطوطة تتميز باحتوائها على أندر المخطوطات العالمية كـ”مصحف الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام”، ومخطوطات كتبت بخط مؤلفيها ومؤلفات لا توجد في أي مكتبات العالم.

مصحف الإمام علي:

يوجد بالجامع الكبير بصنعاء “مصحف الإمام علي عليه السلام”، الذي كتبه بخط يده، وأهداه لأهل صنعاء وأرسله مع واليه على صنعاء آنذاك عبيد الله بن العباس، وهو موجود باليمن منذ زمنه إلى اليوم، وبقي هذا المصحف محفوظًا في مسجد الشهيدين منذ تلك الفترة إلى أن تم نقله إلى مكتبة الجامع الكبير.

قبة العوسجة:

إحدى المعالم الأثرية والتاريخية بالجامع الكبير، “قبة العوسجة”، التي تقع في الركن الغربي الجنوبي للجامع، كان هذا المكان مقبرة منفصلة عن الجامع وأدخلت فيه وسميت بقبة العوسجة، والعوسجة شجرة أو نبات يتراوح طوله من 2.5 مترًا – 3 أمتار.

تضم قبة العوسجة مجموعة من أضرحة الأئمة والعلماء وهم الإمام المهدي محمد بن الإمام المطهر بن يحيى “المظلل بالغمام” بن المرتضى الهادوي الحسني، والإمام الواثق بالله المطهر بن الإمام المهدي بن محمد بن الإمام المطهر بن يحيى، والإمام يحيى بن الحسين بن يحيى صاحب “الياقوته”، والإمام محمد بن إدريس الحمزي صاحب “غلة الصادي”.

جامع الجند التاريخي:

يتوافد الآلاف من محافظة تعز ومختلف محافظات الجمهورية إلى جامع الجند التاريخي الذي يشهد سنويًا حشودًا جماهيرية واسعة لإحياء فعاليات عيد جمعة رجب، ذكرى دخول اليمنيين الإسلام، وما يصاحبها من حلقات ذكر ودراسات وبحوث ومحاضرات علمية ودينية وشرعية، للتعبير عن عظمة جمعة رجب وفضائلها وتجديد الارتباط بالمنهج الرباني والهدي النبوي والتمسك بالهوية الإيمانية الأصيلة بمشاركة أكاديميين وعلماء ومشايخ دين.

يحتل جامع الجند التاريخي مكانة وخصوصية دينية لما يمثله من منارة علمية في نشر الإسلام باليمن ومنبر من منابر نشر العلم، والتذكير بمبعوثي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي بن أبي طالب والصحابي الجليل معاذ بن جبل إلى اليمن.

وفي إطار الاحتفال بهذه المناسبة الدينية، تقام في جامع الجند التاريخي، محاضرات دينية وأناشيد ومدائح نبوية تعزز من مكانة عيد جمعة رجب وتأصيل الهوية الإيمانية ومعانيها ومفاهيمها وأبعادها الثقافية والفكرية وتكريس قيم ومبادئ الإسلام في المجتمع.

وبهذا الصدد أوضح عضو رابطة علماء اليمن العلامة فؤاد ناجي أن احتفال اليمنيين بجمعة رجب، هو شكر لله على نعمة الإسلام وتجديد بالسير على العهد والهوية الإيمانية التي عنونها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما بلغه بإسلام أهل اليمن، فسلم عليهم ثلاثاً.

واعتبر دخول أهل اليمن في دين الله، نصراً مؤزراً لأمة الإسلام وتحولاً في تاريخ الرسالة وإضافة نوعية للأمة الإسلامية على يد النبي عليه الصلاة والسلام.

وأشار إلى أن اليمنيين ظلوا يذودون عن الإسلام والإيمان حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلاقتهم وطيدة مع الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

بدوره أفاد عضو رابطة علماء اليمن الشيخ صالح الخولاني، بأن إحياء عيد جمعة رجب، يجسد ارتباط اليمنيين بدينهم وهويتهم الإيمانية.

وعدّ جمعة رجب مناسبة تتجلّى فيها قيم الحق والبذل والعطاء ووساماً خصّ به رسول الله أهل اليمن ووصفهم بأنهم أرق قلوباً وألين أفئدة الإيمان يمان والحكمة اليمانية، مبينًا أن أهل اليمن هم الحاضنة الأولى للإسلام والمسلمين منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية.

ولفت الخولاني، إلى أن احتفاء أهل اليمن بعيد جمعة رجب، يعبر عن اعتزازهم بالهوية والروح الإيمانية الأصيلة، سيما في ظل ما يتعرض له الشعب اليمني من عدوان صهيوني، أمريكي، بريطاني، يستهدف الأعيان والمنشآت المدنية والكوادر الوظيفية والأطفال والنساء.

وتحدث عن دلالات الهوية الإيمانية المتجسدة في القيم والأخلاق والمبادئ والثبات والصمود والتحدي والانتصار للمستضعفين وإغاثة المظلومين، لافتاً إلى أن اليمنيين اليوم ينتصرون للهوية الإيمانية بوقوفهم مع غزة وكل فلسطين وانتصارهم للقضية المركزية والأولى للأمة.

تظل جمعة وشهر رجب، عيدًا يمنيًا يربط اليمنيين بدينهم ونبيهم وبهويتهم الإيمانية مهما حاول أعداء الأمة طمس الهوية الإيمانية وتبديلها بهوية دخيلة وثقافة باطلة.