من غزة إلى جنين.. الانتكاسات تلاحق العدو الإسرائيلي
الصمود||تقرير||
في ظل الفشل الكبير للعدو الإسرائيلي في قطاع غزة، حاول العدو ترميم سمعته المتهالكة بتنفيذ عملية عدوانية في الضفة الغربية المحتلة، والنتائج الأولية من ميدان الضفة تؤكد المؤكد بأن العدو يعالج فشله بفشل أكبر ففصائل المقاومة تنكل بجيش العدو تكبده خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. ويأتي هذا الإخفاق بالتوازي مع ظهور الشواهد تباعا للفشل الإسرائيلي في غزةـ منها تقديم “رئيس أركان جيش ” وقائد ما يسمى “قائد الجبهة الغربية” للعدو لاستقالتهما إثر عجزهما في غزة.
قائد سرايا القدس بالضفة الغربية أكد تمكن المجاهدين خلال الأيام الماضية من إدخال بعض العبوات الناسفة الأرضية والموجهة للخدمة وكان تفجير الجيبات العسكرية في قباطية وفي طمون مجرد رسائل لما ينتظر قادة العدو وجنوده في شوارع وأزقة المخيمات في الضفة الغربية . مضيفا أن المجاهدين تمكنوا من تشكيل غرف عمليات لتنسيق العمل الميداني وتطوير العمل المشترك برفقة مقاتلي كتائب القسام ومقاتلي شباب الثأر والتحرير وكانت عملية الفندق في قلقيلية رسالة للعدو والصديق أن أيدينا تصل إلى كل مكان .
وطمأن أبناء الشعب الفلسطيني أن المجاهدين بخير وأن معنوياتهم عالية وأن العدو الذي فشل في رسم صورة النصر أمام مقاتلي غزة لن يحصل عليها في الضفة الغربية وإن مدن الضفة وأزقة المخيمات لن تحمل له إلا توابيت لقاده جيشه وجنوده .
في السياق، أعلنت كتائب شهداء الأقصى – كتيبة جنين، تمكن مقاتليها من التصدي لفلول جيش العدو، وإيقاع قوات العدو في عدد من الكمائن واستهدافها بوابل من الرصاص وتفجير عدد من العبوات الناسفة شديدة الانفجار، كما استهدف أبطال المقاومة قوات العدو بعبوة ناسفة في محيط مخيم جنين.
وأكدت الكتائب أن هروب العدو من هزيمته إلى جنين لن يعفيه من مواجهة المصير ذاته، وهوما ينبئ عن موجة جديدة من التوتر المتزايد في المنطقة، لاسيما وأن خبراء سياسيين قد عبروا عن قلقهم من أن هذه العمليات تأتي بكونها جزءا من مخطط إسرائيلي مدعوم من الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي والجغرافي في الضفة الغربية.
المواجهة لاتزال مفتوحة
هذه العملية، التي بدأت بعدوان جوي على البنية التحتية الفلسطينية، تسببت في سقوط 10 شهداء فلسطينيين ، حيث اقتحمت الوحدات الخاصة الإسرائيلية المدينة وعزلتها عن بقية الضفة بشكل كامل. فيما أكدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن العدو يضاعف أعداد الحواجز والبوابات بالضفة الغربية إلى أكثر من 898 حاجزا وبوابة.
ماهية الدور الأمريكي والحلم الصهيوني
إن ما يحصل في الضفة الغربية هو جزء من مسعى أوسع لإعادة توسيع الاستيطان الإسرائيلي وتهجير السكان الأصليين، إن لم يثِر التساؤلات حول ماهية الدور الأمريكي في هذه العمليات ودعمه اللامتناهي للفاشية الصهيونية في استلاب المناطق الفلسطينية واحدة تلو الأخرى.
محللون يوضحون أن العمليات العسكرية في “جنين” ليست جديدة، لكنها تأتي في توقيت ربما يدعم وضوحا أكبر لرؤية “إسرائيلية” قديمة بثوب جديد، مدعومة من الإدارة الأمريكية، ترفض فكرة “الدولة الفلسطينية” وتعمل على توسيع الاحتلال. يُعد ملف الضفة الغربية أحد أكبر التحديات القادمة، مع استمرار الخطط الإسرائيلية التي تشمل “توسيع الاستيطان وضم أجزاء من غور الأردن”.
ما يجري ليس تغيرًا جذريًا في ما يسمى بالسياسة الإسرائيلية تجاه الضفة أو القطاع، لأن الأصل يكمن في الغاية، وهي ثابتة في المنهاج الصهيوني ليس على مستوى الأراضي الفلسطينية فحسب، وإنما على طول “الحلم الصهيوني” وعرضه في ما يطلق عليه الصهاينة “حدود إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”. وأن كل ما تغير في المسار هو حال الانتقال من سياسية أمريكية إلى أخرى مع بقاء النفس الأمريكي طويلا في ما يتعلق بالدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل.
والدليل على ذلك، لن يكون بعيدا حتى يمكن وصفه بالمعقد، فقد أكد المتحدث باسم ما تسمى بالخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، أن “العمليات الإسرائيلية مستمرة منذ حرب أكتوبر 2023، وتهدف إلى القضاء على من أسماهم “الجماعات الإرهابية” في المناطق كافة، سواء في الجنوب أو الشمال أو الضفة”. وأضاف كعبية أن “العمليات في جنين وغيرها من المخيمات لن تتوقف حتى يحقق الكيان الأمن الكامل”.
ويأتي تأكيد ذلك على لسان المسمى بوزير الدفاع الإسرائيلي، بالقول: إن عملية “السور الحديدي” التي أطلقها “الجيش” في مخيم جنين، ستغير “مفهوم الأمن”. وبحسب وسائل إعلام عبرية، أضاف كاتس أن ما أسماها “السور الحديدي”، ستغير مفهوم الأمن بالنسبة لـ”الجيش الإسرائيلي” في الضفة الغربية، مؤكدا بقوله: “سنضرب بقوة أذرع الأخطبوط الإيراني حتى اجتثاثها”.
والثلاثاء الماضي، قال “كاتس” إنه وجه أوامر لـ”الجيش الإسرائيلي” لإطلاق عملية “السور الحديدي”، بهدف ما أعده حماية المستوطنات والمستوطنين. وحسب تعبيره، فقد علل “كاتس” عملياته بأن من أسماهم “أعداء إسرائيل” يعُدّون القدس والضفة الغربية الساحة الرئيسية للنشاط الإرهابي” حسب كاتس.
إرباك الحسابات الإسرائيلية
وكانت حسابات العدو الإسرائيلي قد أصيبت صبيحة الأحد بالارتباك التام، وهو الموعد المحدد لبدء سريان وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. في هذه الأثناء، أعلن المجرم إيتمار بنغفير استقالته مع وزراء حزبه “القوة اليهودية” من “حكومة” المجرم نتنياهو، احتجاجًا على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وفي تصريح لصحيفة “معاريف” العبرية، أبلغ بنغفير من أطلق عليه برئيس “الحكومة” بنيامين نتنياهو بأنه سيعود إلى “الحكومة” بشرط استئناف الحرب بكل قوة ودون تقديم أي مساعدات إنسانية. وأكد بنغفير أن “إسرائيل ستدفع الكثير من الدماء والكثير من الألم بسبب صفقة الاستسلام مع حماس”.
في السياق ذاته، أكد “جدعون ساعر”، من يسمى بوزير الخارجية الإسرائيلي، أن الصفقة التي وُقعت مع حماس لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ستكلف الكيان الإسرائيلي “ثمنًا باهظًا”. وأوضح ساعر أن “إسرائيل ملتزمة بتحقيق جميع أهداف حربها ضد حماس، بما في ذلك تفكيك قدراتها العسكرية”. وأضاف أن “وقف إطلاق النار مؤقت”، وأن “أي هدنة دائمة لن يتم التفاوض عليها إلا بدءًا من اليوم السادس عشر من الاتفاق”، مشددًا على ضرورة الإطاحة بحماس كشرط أساسي.
من جهة أخرى، اعتبر “غيورا آيلان”د، الرئيس السابق لما يسمى “مجلس الأمن القومي” الإسرائيلي، أن الحرب قد انتهت، وأن “حماس انتصرت” في مواجهة أهداف الكيان. وأكد آيلاند أن هذه الحرب فشلت لأنها لم تنجح في تحقيق أهدافها، بل على عكس ذلك، تمكنت حماس من تعزيز سلطتها، ما يعني أن الاتفاق لن يمنعها من إعادة بناء قوتها.
غير أن الوضع داخل “جيش” العدو الإسرائيلي بدأ يتدهور، إذ شهدت الأيام الأخيرة سلسلة من الاستقالات، كان أبرزها استقالة من يسمى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “هرتسي هليفي”، الذي أشار فيها إلى فشل “الجيش” في مهمة الدفاع عن “إسرائيل”، محملًا نفسه مسؤولية الأحداث التي جرت في 7 أكتوبر 2023.
وفي تصريح مماثل، أعلن “يارون فنكلمان”، قائد ما يسمى بالمنطقة الجنوبية في “الجيش الإسرائيلي” عن استقالته، معربًا عن شعوره بالفشل في الدفاع عن مستوطني النقب الغربي يوم 7 أكتوبر، وهو فشل سيبقى يطارده طوال حياته.
وتشير هذه التطورات إلى أن الصهاينة يمرون بحالة من الاضطراب، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، حيث تبرز الانقسامات حول كيفية التعامل مع الواقع الفلسطيني في الضفة وغزة. ويبدو أن توقف العمليات العسكرية قد نتج عنه هزيمة مدوية للعدو الصهيوني، ما يزيد من حالة عدم الاستقرار.
في ظل هذا المشهد، فإن رغبة العدو الإسرائيلي في عدم وضع نهاية للحرب لا تعني بالضرورة البحث عن انتصار، وإنما تعكس واقعًا جديدًا ينذر بقرب العد التنازلي للاحتلال. خاصةً وأنه بعد هزيمته في غزة، أصبح الكيان يواجه تحديات أكبر تتعلق بكشف هشاشة بنيوية في استراتيجياته العسكرية والسياسية.
يبدو أن الأمور تتجه نحو مواجهة واقع جديد يتطلب من الأمة العربية والإسلامية التفكير بتمعن في خياراتها المقبلة مع الكيان، وإعادة تقييم استراتيجياتها المتخاذلة تجاه الفلسطينيين. إن هذه اللحظة التاريخية قد تكون فرصة لإعادة الفهم والتواصل مع الشعب الفلسطيني، ولتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات المشتركة أمام العدو.
ما لم يحققه في غزة لن يحققه في جنين
وفي خطابٍ ألقاه يوم الخميس الماضي، أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي على فشل جهود العدو الإسرائيلي في محاولة حسم المعركة ضد غزة. على الرغم من استخدام كافة التكتيكات المتاحة ودعم الولايات المتحدة، إلا أن العدو لم يكن قادرًا على تحقيق أهدافه، ما يجعل الهزيمة في غزة نقطة تحول مهمة في الصراع، تُذكّر الجميع بواقع المقاومة والتضحيات التي يقدمها المجاهدون الفلسطينيون.
وأوضح السيد القائد أن فشل العدو الإسرائيلي يعكس إحباطًا معنويًا كبيرًا لدى قواته، مضيفًا: “اضطر العدو الإسرائيلي والأمريكي -والموقف الإسرائيلي مرتبط بالموقف الأمريكي- إلى الذهاب إلى هذا الاتفاق بعد أشهر من الجرائم الرهيبة التي ارتكبها في غزة. هذا الخيار جاء من باب الاضطرار، إذ كانت أهدافهما في العدوان واضحة”.
يُشير السيد القائد إلى أن العدوان الإسرائيلي، بشراكة كاملة مع الولايات المتحدة، استمر في سعيه لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة، مرتكبًا أكثر من 4050 مجزرة جماعية؛ تتضمن هذه الجرائم التجويع والتدمير المنهجي لمقومات الحياة، بالإضافة إلى أساليب الإبادة الميدانية، كالاختطافات والإعدامات بدم بارد، والزج بالآلاف في السجون وتعذيبهم.
وألمح السيد القائد إلى أن التحركات الإسرائيلية نحو جنين تعكس استمرار الاستراتيجية نفسها، مع وجود غايات مماثلة تتمثل في القضاء على المقاومة الفلسطينية. وهو ما يعكس واقعًا مريرًا يعيشه الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، وتزامناً مع احتدام الصراع، تظل قوة المقاومة رمزًا للأمل والتحدي، وسط بشاعة العدو وأهدافه الاستعمارية.
الإصرار الإسرائيلي على توجيه الجهود نحو جنين يعكس رغبة في الاستمرارية، وإن كانت هذه الاستمرارية مبنية على تحليل خاطئ للموقف رغم حالة الإحباط والفشل التي يعيشها الكيان بعد الهزائم التي لحقت بهم في غزة.
ومع ذلك، لايزال العدو يرى في العمليات العسكرية في جنين فرصة تندرج ضمن محاولاته المتكررة لإعادة الاعتبار لعله من خلالها يتمكن من محو عار هزيمته في غزة، ولكنه ينسى أن مجاهدي غزة أبدوا مقاومة تفوق أي تصور من خلال الإبداع في تكتيكاتهم القتالية، ما يعني أن الغزارة في القصف والهجمات ستكون معرضة لمواجهات فدائية مماثلة.
في النهاية، إن ما أكده السيد القائد يعكس تفهمًا لحقيقة أن انتكاسات الاحتلال لا تتوقف عند انتهاء القتال في منطقة معينة. إن التحركات نحو جنين لن تُحقق النصر المأمول، بل قد تسفر عن المزيد من الصعوبات، وتؤكد على هشاشة الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية التي أظهرت انكسارات متكررة.
الأمر الأهم هنا هو أن العمليات النوعية المستمرة للمجاهدين في الضفة والقطاع تعكس قوة الإرادة والإيمان، ما يجعل أي محاولة للهروب من الفشل في مكان ما محاولة غير مجدية في وقت تقاوم فيه الشعوب وتُحافظ على عزيمتها وصمودها.