صمود وانتصار

“طوفان العودة” لخص للعدو الإسرائيلي طبيعة وجوده

الصمود||تقرير||

رغم محاولات إرهاب الناس بعديد الخروقات، فشل الكيان الصهيوني في منع الناس من العودة. نجح طوفان العودة، وفرض على العدو تجرّع مرارة الهزيمة، وأبداً لن يتمكن من تحقيق أهدافه التوسعية أو قتلِ القضية في الضمير الإنساني وليس فقط العربي والإسلامي. قد ينجح بشن جولة جديدة من العدوان، إنما عليه أن يبني حسابات وفق معطيات معركة طوفان الأقصى والمعارك المساندة، فأبناء الأرض وإن خرجوا سيعودون، وهبّة الإسناد ستعود.

ووفق المعطيات أيضا؛ على العدو أن يقرأ المسارات التصاعدية التي شهدتها كل محاور المقاومة، سواء في غزة أو لبنان أو اليمن أو العراق، وعلى ضوءٍ يمكن له إن كان في مستوى التحليل المؤهل لمعرفية كيف يمكن أن تدور المعركة حينها.

منذ (75) عاما وهو يحاول ويتفنن في القتل والإبادة والتهجير في حياكة المؤامرات بإشراف أمريكي مباشر، لكن الحصاد برز بصفعة طوفان الأقصى التي صفعت كل القوى الاستعمارية الداعمة للكيان الصهيوني.

حتى ورقة التطبيع اُحترقت ورمادها ذرته الرياح، ولم يعد منه شيء لجهة التأثير، ولنا في من طبّعت من الدول العربية المثل القريب، حيث ظل دعمها للكيان محدود التأثير، فلم تُوقف عملياتِ ضرب أعماق كيانه المؤقت، ولم تمنع حصاراً  فُرض عليه.. لم تُحرر له الرهائن، ولم تمكنه من تهجير الفلسطينيين من أرضهم.

أما البؤس والمعاناة التي عاشها الفلسطينيون فقد جُبِل المواطن العربي على المعاناة، فهو ابن السهل والجبل والصحراء، وهو من طوّع وحشية الطبيعة وجعلها في خدمته، ودائما كانت المعاناة تزيد من صلابته وبأسه، وأبداً لا يتراجع عن قيمه ومبادئه.

طوفان العودة، لخّص للعدو الإسرائيلي طبيعة وجوده، فهو كائن محتل، ويدرك أنه محتل للأراضي العربية بفعل المؤامرة والخديعة، ثم الوحشية التي انتهجها في قتل الأبرياء لنهب أراضيهم ومنازلهم، والتاريخ لا ينسى، والوثائق المصورة لمسار نشوئه تشهد بأنه كائنا غير طبيعي، مزروعا بقصد أهداف القوى الإمبريالية، ولذلك لاحظ العالم خلال معركة طوفان الأقصى والعمليات المساندة من محور المقاومة، كيف أنه كان من السهل على المستوطنين أن يتخذوا قرار الفرار والرحيل والعودة إلى الشتات خارج المنطقة العربية، فالأرض ليست أرضهم، والتاريخ والثقافة منفصلة عنهم، بما فيهم واجهتهم الدينية التي ما عاد بين يديها إلا تفرعات لمذاهب “توراتية” تاه في ثناياها التوراة. العالم أيضا شهد قبل ذلك كيف أن الفلسطينيين رغم التهديدات والعدوان الوحشي البربري على غزة، رفضوا مغادرة أرضهم وظلت الأسر على أنقاض منازلها المهدمة رغم القصف، ورغم البرد والتجويع رغم كل أشكال المعاناة الفظيعة التي يصعب تحمل سردها فكيف بأن يحياها المرء.

مشاهد أتلفت أعصاب قادة الكيان

مشاهد عودة الفلسطينيين إلى قراهم وأراضيهم، مثلها مثل عملية تبادل الأسرى بين الكيان وحركات المقاومة أرهقت أعصاب قادة العدو، فهذه العودة الهادرة مثّلت صفعة سمع وقعها كل العالم.

والصدمة كانت كبيرة داخل كيان العدو لانهيار مخطط غرق بسببه واقع المستوطنين في فوضى لـ(15) شهرا، ليأتي الختام بهذه الصورة من التأكيد الفلسطيني لمعادلة الثبات على الحق، واستحالة تحريف هذا المسار، وبدلا من “خطة الجنرالات” التي مثّلت خلاصة الفكر الصهيوني لفرض واقع جديد على أبناء الأرض، جاءت مشاهد العودة لتنتزع منهم بالقوة الاعتراف بانتصار شعب الجبارين، كما أن مشاهد طوفان العودة إلى شمال غزة، مثّل -حسب ما وصفه رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام- رسالة شعبية مدوية تؤكد مدى صلابة الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه، ورفضه القاطع لمشروع التهجير.

الرسالة هي لكل العالم وللشعوب المستضعفة بـ “أن مواجهة الصلف الإسرائيلي والأمريكي هي الطريق الأسلم والأمثل، وأن السلام الحقيقي يتحقق بعودة الشعب الفلسطيني إلى كامل أرضه وتحرير مقدسات الأمة من دنس المحتل الصهيوني”.

عاد الفلسطينيون، والأسرى الصهاينة لم يتم الإفراج عنهم إلا وفق شروط المقاومة، وانزوى الـ”نتنياهو” يحسب خسائره المادية والمعنوية، وهناك اليوم أكثر من 15 ألف جندي منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، بحاجة إلى إعادة تأهيل، وحاليا يخضعون للعلاج حسب ما أفاد “جيش” العدو، فيما وصل أعداد القتلى من أفراده وضباطه إلى 841 منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر، بينهم 405 في المعارك البرية بغزة.

مشهد الكيان لن يعود كما كان

على الجانب الآخر في جنوب لبنان أكثر حرقا للأعصاب فهناك خصم لا يزالون يخشون جانبه، وهم يتابعون مشاهد عودة اللبنانيين إلى الجنوب.. يقول رئيس مجلس المطلة دافيد أزولاي، وهو يتابع الجموع الجارفة من اللبنانيين في طريق العودة إلى جنوبهم: “السكان في كفركلا والعديسة والخيام والقرى الجنوبية الأخرى سيعودون، وهم أنفسهم الذين سيرمّمون منازلهم وسيتعاظمون من جديد وسينفّذون 7 أكتوبر في الشمال”.

وفي هذا الوقت ينقل الناطق باسم مغتصبة “مسكاف عام” عوفر موسكوفيتش عن مستوطني شمال الكيان، مشاعرهم غير المستقرة وفقدانهم للشعور وقال: “العديد منهم يعانون من أزمة ثقة بالمؤسسة الأمنية”.

ويقول “موسكوفيتش” الطريق لضمان الهدوء في الشمال يمر عبر عملية نشطة وحاسمة من الجيش “الإسرائيلي” في لبنان، وأردف: “يجب إقامة منطقة عازلة، منطقة تدمير؛ أي شخص يقترب منها، يجب على الجيش “الإسرائيلي” أن يطلق النار عليه. لا مكان للمراوغة. يجب على “السكان” هنا أن يعرفوا أن الحدود آمنة، وأن حزب الله لن يعود. بدون ذلك، سيكون من الصعب إقناع الناس بالعودة إلى الشمال والعيش هنا بأمان”.

وفي كلام “موسكوفيتش” ما يكشف عن حالة الفوضى في استبيان حقيقة ما خرجوا به من المعركة مع حزب الله.. فهناك خوف وعدم ثقة، وهناك إقرار بان الوضع لا يزال خطيرا على مستوطنات شمال الكيان ومستوطنيها، فيما جعلتهم هذه المحصلة يعيدون احتساب عدد قتلاهم من الجنود الذين بلغوا المئات، فيما أصيب المئات، وتشرد عشرات الآلاف من المستوطنين، وكل ذلك كان ثمنا تم دفعه بلا مقابل. لهذا أكد “موسكوفيتش” على “ضرورة العودة إلى تحرك عسكري واسع”، وهو ما يُعد معطى رسميا يؤكد على نجاح حزب الله في إرباك مشهد الكيان الذي كان طبيعيا حتى فجر السابع من اكتوبر 2023 ودخول حزب الله ومن ثم اليمن في تفاصيل المعركة. وبات واضحا أن تطبيع واقع المستوطنات والمستوطنين صار صعبا للغاية، وسيكون بحاجة إلى وقت طويل.

العدو يعترف: حزب الله “انتصر”

ما تشير إليه عودة اللبنانيين إلى جنوبهم ليس فقط بكون ذلك أمرا طبيعيا لا يمكن مخالفته ولو جلب العدو كل قوى العالم معه، وإنما أيضا لثقتهم بالمقاومة الإسلامية، وهي ثقة نابعة من إيمان بأن حزب الله الذي فقد أعظم رموزه في هذه المعركة كما تضحياته السابقة، والذي نجح وانتصر في جولات مواجهة مع العدو، قادر على أن يكون المظلة الضامنة لحماية اللبنانيين من حماقات العدو وطيشه.

العدو الصهيوني يعترف بهذا أيضا، إذ أكدت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية صراحة أنّ “حزب الله لم يُهزم بل إنّه يستعيد نشاطه”. مراسل قناة “i24news” في الشمال، أوريه كيشت، أكد أيضا أن لا أمان استطاع النتنياهو جلبه لمستوطنيه، وأنّ “المشاهد التي تصل من لبنان تقلق مستوطني الشمال”. كذلك زميله مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” في الشمال، يائير كراوس، قال إنّ هذه المشاهد “هي بالضبط الصور التي يخشونها في الشمال”.

في العموم تؤكد أوساط الكيان أن حزب الله “استطاع أن يوحد قاعدته مع الكثير من اللبنانيين حول العودة إلى القرى القريبة من الحدود، رغم أنف إسرائيل، ما عزز شرعيته بشكل كبير”. وعبّر رئيس بلدية مستوطنة مرغليوت إيتان دفيدي عن شديد الإحباط بقوله “لقد عدنا إلى الوضع نفسه الذي كنا فيه في السادس من أكتوبر، عندما قلنا إن حماس ضعيفة وهشة، وأنها لا تمتلك القدرة على فعل شيء. ونحن نقول الآن إن اللبنانيين وحزب الله ضعفاء ومهزومون… سادتي، لا تخطئوا، لا يمكن أن نعتبرهم ضعفاء، فهم ليسوا كذلك، وعليكم أن تنظروا إليهم كأعداء. نحن في مشكلة، وليس هم”. فيما قال المحلل الصهيوني للشؤون العربية، أوهاد حيمو “انتبهوا إلى هذه الصور، فهم بالآلاف والمئات. هذا هو شعور الانتصار لدى حزب الله الذي أكده هذا الواقع”.