ترامب يبدأ بمشروع “إسرائيل الكبرى” من بوابة التهجير وإعادة الإعمار..
الصمود||تقرير||
نقترب من المرحلة الأخيرة في الاتفاق بين الشعب الفلسطيني متمثلا بفصائل المقاومة، والكيان المحتل للأراضي الفلسطينية، وهي المتعلقة بإعادة إعمار غزة التي عاث فيه العدو دمارا وتخريبا. وفي هذه المرحلة يبدو أننا سنكون أمام الكثير من الأحداث المتشنجة، خصوصا وأن ترامب قد بدأ -كما يبدو- رؤيته لـ”إسرائيل الكبرى” المزعومة.
حجم الخراب هائل، والتقارير تفيد أن إعادة الإعمار ستتطلب عقوداً من الزمن، فهناك أكثر من 50 مليون طن من الركام قد تستغرق إزالته 21 عاما، وكلفة مادية تُقدر بـ(40) مليار دولار، حسب الأمم المتحدة.
تقرير للأمم المتحدة نشر العام الماضي، أفاد بأن إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة قد يستمر حتى عام 2040 على الأقل، وقد يطول الأمر لعدة عقود من الزمن، وهذا الزمن المفتوح سيكون فقط لثلثي المباني في غزة، أي أكثر من 170 ألف مبنى، تهدمت أو سويت بالأرض. بما يعادل حوالي 69% من إجمالي المباني في قطاع غزة. هذا إلى جانب تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجدًا، و60% من شبكة الطرقات.
التذاكي الصهيوني يفتتحه ترامب
مع إقرار الجميع والتقارير المهنية بحجم الفاجعة التي خلفها السلوك الوحشي للكيان الصهيوني خلال عدوانه على غزة، يظهر ترامب بمغلف إنساني مطالبا مصر والأردن باستضافة الفلسطينيين حتى يكون بالإمكان إعادة إعمار هذا الوضع. يزعم ترامب وإدارته أنه لن يكون متاحا تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار مع وجود الفلسطينيين، لذا عليهم -بحسب ترامب- الذهاب إلى مصر والأردن حتى يتم الانتهاء من العمل.
التذاكي في جوهره استخفاف وقح بمدى قدرة العالم على إدراك خفايا هذا المقترح العدواني الذي يُقصد منه تهجير فلسطينيي غزة طواعية. وهو تهجير متعمد، يمكن أن يصل بالكيان إلى تحقيق توسعة كيان، أما مسألة العودة فالجميع -بما فيهم مصر والأردن- يدركون أنه لا حساب لذلك، فالزمن مفتوح لعقود، وربما لا تكون هناك عودة.
رفضت مصر والأردن -عن وعي بالأهداف الخبيثة وراءه- هذا الطلب، إلا أن ترامب زاد من استخفافه، ولعب دور الحاكم المتنفذ على الجميع، وطالب الدولتين بتقديم البدائل. وبالتزامن كانت الآلة الإعلامية الصهيونية تحاول إظهار أن إعادة الإعمار هي أيضا حاجة ملحة للكيان الصهيوني، فعمدت إلى تحديث بيانات وإعادة نشر تقارير تم تنفيذها قبل أشهر، تصب في ذات الهدف المحفز للتحرك ولو بالقوة لحماية الكيان. وذكرت صحيفة “تايم أوف إسرائيل” في تقرير لها، أنه “حتى لو لم يكن الموت الجماعي بسبب الجوع تهديدًا فوريًا على سكان غزة، لكن دون مياه جارية وكهرباء وصرف صحي سليم، فإن القطاع سيتحول إلى بؤرة للأمراض الخارجة عن السيطرة”.
فيما أوضح “المعهد الإسرائيلي” للسياسات الخارجية الإقليمية “ميتفيم” بأن هناك خوفا حقيقيا من تفشي الأمراض في غزة، بشكل قد يؤثر على “إسرائيل” أيضًا، وأن الإصلاح وتجديد البنية التحتية والأنظمة الصحية أمر ضروري، لمنع تأثير امتداد العدوى والأمراض إلى “إسرائيل”. كما جاء في وثيقة المعهد أن “التلوثات طويلة المدى نتيجة لعدم نشاط البنية التحتية الأساسية قد تلحق الضرر بمصادر المياه الطبيعية ومرافق تحلية المياه ومواقع ضخ المياه بإسرائيل”. ومثل هذا الطرح يعني إعطاء تبرير أيضا لترامب للإصرار على خطة الإعمار وفق رؤيته التي تقضي بتهجير الفلسطينيين.
محك صعب لمصر والأردن
يحشر ترامب حليفتيه مصر والأردن في الزاوية الحرجة، دون أدني اعتبار لتداعيات هذا الأمر على الأمن القومي للدولتين، وما كان يدفع إلى بلوغه بقوة الزعيم الصهيوني “سموترتش” بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، يبدأ ترامب بالتحرك فيه عمليا، ليضع الدولتين في محك صعب، فإما أن تقبلا وإما أن تتحملا نتائج غضب ترامب، و”المتغطي بأمريكا عريان” كما قال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، فأمريكا لا يعنيها دائما إلا مصلحة الكيان ولو على حساب الدول الحليفة، فالدولتان في الأول الأخير -حسب ما هو مترسخ في ذهنه- تلقيان دعما من أمريكا أو كما قال هو نفسه “إننا نعطيهما الكثير إذاً عليهما أن تستضيفا الفلسطينيين”.
الثابت أن مقترح الرئيس الأمريكي ترامب حول نقل سكان قطاع غزة، قوبل برفض كل من مصر والأردن. وفيما قالت القاهرة إنها ترفض “تهجير الفلسطينيين” بشكل قاطع سواء كان “مؤقتًا” أو “طويل الأجل”، أكدت عمان أنّ رفضها للتهجير “ثابت لا يتغير”. إلا ان هذه الردود الصريحة -كما يبدو- كانت مزعجة لإدارة ترامب التي أكدت على لسان رئيسها أيضا بـ”أنهما ستفعلان”.
يقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي “إن قُدِّر لهذا المشروع أن يرى النور لأي سبب، فمعنى ذلك أنه سيكون بروفة لتهجير أكبر وأخطر وأشمل سيطال سكان الضفة الغربية، وسيكون المستهدف به الأردن أكثر من غيره، لأنه في نهاية المطاف، المجال الحيوي الوحيد للضفة الغربية هو عبر الأردن وإلى الأردن”.
فيما دعا النائب صالح العرموطي عضو حزب جبهة العمل الإسلامي، أبرز أحزاب المعارضة الأردنية، دعا حكومة بلاده إلى أن “تنشط سياسيا وتقوم بتعرية هذه التصريحات وترفضها رفضا قاطعا، وأن تتقدم بطلب إلى جامعة الدول العربية لعقد اجتماع طارئ لبحث هذا التهديد، وأن تتقدم بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن باعتبار هذا اعتداء على السيادة الأردنية”.
في المقابل فإن الطرح المصري بمثابة ما طالب به ترامب ، إذ أكد الجانب المصري على العودة إلى “حل الدولتين” والعمل بالقرارات الأممية التي أكدت “حق الفلسطينيين بإنشاء دولتهم على حدود الـ67”.
الشعب الفلسطيني فقط من بيده الحل
يدور كل هذا الجدل فيما شعب غزة الذي لقي خذلانا كبيرا من الدول العربية والإسلامية هو من يعنيه الأمر في المقام الأول، وهو فقط من بيده الحل، فإصراره على عدم مغادرة أراضيه لن يمكن ترامب وكيان الاحتلال من السير لتحقيق مخطط التهجير. ولا يبدو أن الشعب الذي أذهل العالم بتقاطره للعودة رغم فوضى الدمار والافتقار للخدمات وأماكن المأوى يمكن أن يغادر أرضه. التاريخ يحكي أن الفلسطينيين هُم وحدهم من يشعرون بما قدموه من تضحيات، وهُم من يفهم أكثر ألاعيب الكيان الصهيوني وحيله، وإن جاءت بلسان أمريكي، كما أنهم هُم أكثر من يعون بأن الخروج الطوعي يعني تهجيرا طوعيا وإحياء لواحدة من ما تضمنته “صفقة القرن”، خصوصا أن ترامب لم يخفِ أن هذا الخروج قد يكون “طويل الأمد”.
أمريكا أمام خيارين
تتحدث الأمم المتحدة عن ما يقارب مليونين من أبناء غزة لا يجدون المأوى. ويؤكد الفلسطينيون أنهم باقون على أنقاض منازلهم وفي أراضيهم، ولن يغادروا، وسيكون الأمر بحاجة إلى الضغط على الإدارة الأمريكية للتعامل مع هذا الأمر وفق ما يحتمله العقل دون استخفاف بالآخرين بعقلية الممثل لدور الأحمق بقصد تمرير رؤيته كيف ما كانت وإلا أغرق الوضع في فوضى.
مع ذلك فإن الأمر لن يكون بحاجة لأكثر من ثبات موقف وضغط عربي إسلامي، ولن يكون أمام ترامب إلا طريقين، إما طريق العقل أو طريق الانتحار، فعن طريق العقل سيقتضي السير فيه وفق متطلبات الواقع بلا قفز عشوائي لتحقيق أهداف احتلالية مفضوحة ولن يكون لها أن تمر، وأما طريق الانتحار فهو محاولة فرض الأمر بالقوة، ما يعني خلق بؤر توتر، وربما صدامات جديدة، وهذه ستكون كارثية عليه، إذ ستظهر فيها أمريكا مشعلة للحروب بتعمد ومن أجل أهداف عدوانية، فضلا عن كون ذلك لا يستقيم مع متطلبات تحقيق الثراء لشعبه الذي وعدهم به خلال خطاب تسلم السلطة في العشرين من الشهر الماضي.