صمود وانتصار

في حضرة الفقد.. عهدٌ يتجدّد

 

زينب إبراهيم الديلمي

منذُ السّابع والعشرين من أيلول الفراق، لم تشرق شمسنا الوضّاءة التي تهدي حيارى الطّريق، وتستخلصهم من غشوات العمى عن الولوج إلى صراط الحق، لم تعد تلك الأنفس الباسمة تهدأ من لظى الرحيل، وتتمنّى أنّ يُباغتها مَنيّة الفناء على أنّ تحيا حياة الاستكلاب الصّهيو أمريكي دون الاحتماء برداء النّجاة، وعمامة الطمأنينة.

منذُ طعنات النّبأ العظيم، لم يُخيّل إلينا قطّ أنّ الهمّ الذي كان يحمل أعباءه يُوزَّع علينا فردًا فردًا بهذه السّهولة، إنّها همومنا نحن، نحن الذين استظللنا بظلّه الوارف طيلة سنوات، وكان سؤددًا وذخرًا لنا بدد عنّا قيظ العواصف العاتيّة، وأزاح عنّا قسوة الزّمهرير العنيف.

خمسةُ أوجاع، ويتمٌ، مضت كلمح البرق؛ ليأتي الثّالث والعشرون من تجدد اليتم، واستيعاب الامتحان الأصعب في حياتنا، والحزن المؤبّد الذي لم نوظِّب حقيبته بعد، ولم نمتطِ جواد الاستعداد لحزم أمتعة المواراة الأخيرة التي تبقّى منها سويعات فاصلة، لم تتهيأ مداركنا بعد أنّ هذه الإطلالة الغرّاء تختلف تمامًا عن سواها، حَيثُ سيُحمل على أكتاف الآلام جبلًا شَمّاءً خُلِقَت من مقلتيه الأنفة والشّموخ المتواضعَين، ومن بنانه رصاصة تخرق حجب المؤمركات، وتصطاد روح المشروع الموهوم إسرائيليًّا بالتمكين والسّطوة على أكبر قدرٍ ممكن من جغرافيّة الأُمَّــة.

يا جرحًا غار في أوردة العاشقين، وتأريخًا كُتِبَ في جبين البطولات، وقلبًا نبض بشغف الجهاد، وتطلَّع لسرمديّة الاستشهاد، يا يوسُفَنا الذي لم يعد لنا بجسده، بل بروحه، ونهجه، وأثره الذي لا يبلى، يا سيّدًا رفع عن كاهلنا عار الخنوع، وأرشدنا لصوابيّة البوصلة الشّاخصة أهدابها نحو المواجهة الحقيقيّة لأعداء الله والدين.. لم تتكفكف سُهاد دموعنا منذ العروج، فكيف بيوم مواراة الجسد الطّاهر إلى الثّرى التي ستحتضنك وتحتضن دماءك الزاكيّة وشذاها الفوّاح؟

يا حبيب قلوبنا.. أرواحنا المجبولة على حبك لا تقوى على تحمُّل فكرة فاجعة التشييع الأعظم، وكيف للشمس أن تأفل في حمأٍ مسنون بالدّم، وتبقى جليسة التراب وهي تتمنّى أنّ تتقمّصه؛ لينتهي عناء الفراق ومشقته، وهي إرادة الخالق تعالى أنّ تستريح من كدّ الدنيا ووِثاقها الخانق، وبالوقت ذاته تتضرّع أيادينا نحو السّماء، وتلهج بالدّعاء أنّ يشملنا الله بشهادةٍ تُعيد لنا نشور العيش معك مجددًا.

سيّدي نصر الله، يا قبلة الأحرار، يا نبع الإباء، يا صادق الوعد، يا فهرس الوفاء، ودستور الحب.. سيبقى ضريحك الأقدس محرابًا يُقبل إليه كُـلّ مُتيِّم أحبَّ نهجك الأقوم، وكل مظلومٍ يبعث لك برقيّات الامتنان يوم كنتَ صوتهم وناصرهم وأنيسهم في وحشتهم وغربتهم، سنبقى على عهدك ووعدك ناهجين، ماضين، مُكرِّين ما أحيانا الله.