وداع شهيد الإنسانية حينما يلتقي الحزنُ بالفخر
الصمود||مقالات||د. شعفل علي عمير
على مر التاريخ، شهد العالم العديد من الشخصيات التي تركت بصمة لا تُمحى في مجتمعاتها، وأثرت في مسارات الفعل السياسي والاجتماعي بشكل كبير.
ومن هؤلاء الشخصيات، السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، الذي لعب دورًا محوريًّا في الساحة اللبنانية والإقليمية لعقود طويلة، ومع تداول الأنباء حول استعدادات تشييع السيد حسن نصر الله، تتراوح المشاعر بين الحزن على فقدان شخصية قيادية وبين الفخر بالإرث الذي تركه.
وسط ظلال الحزن والألم، تستعد الأُمَّــة لتوديع قائد قلّ نظيره، الرجل الذي ترك بصمة لا تُنسى على صفحات التاريخ الحديث، تتقاطع مشاعر الحزن والفخر في صدور الملايين الذين يتابعون بإجلال الترتيبات الأخيرة لتشييع هذا الرمز الذي كان صوتًا للحق ومعلمًا للتحدي في وجه الظلم والعدوان، وفي شوارع المدن والقرى، ترى الناس وهي تجتمع بصمت يخيم عليه الوقار، تحمل صور السيد وتردّد الشعارات التي طالما ألهمتهم بالصمود والإصرار، الحزن يخيم على الوجوه، لكن الفخر يضيء في العيون، فقد كان الشهيد السيد حسن نصر الله، رمزًا للكرامة والقوة، رجل استطاع أن يجمع الأُمَّــة حول ثوابت الحق والدفاع عن الأرض والعرض.
لقد كان بمثابة رمز للمقاومة والصمود، وبفقدانه تفقد الأُمَّــة العربية قائدًا حكيمًا وقف في وجه الظلم بشجاعة نادرة وعزم لا يلين، تاريخه المليء بالإنجازات والبطولات، وهذا ما جعل منه هدفًا للعدو الذي لم يتوانَ عن استخدام كُـلّ الوسائل لمحاولة النيل منه ومن مشروع المقاومة الذي يقوده، لكن حتى في غيابه، يستمر في تشكيل كابوس يؤرق العدوّ، ويجعلهم يدركون أن رحيله لن يكون نهاية المطاف.
التشييع يمثل فرصة لإعادة التأكيد على المبادئ التي عاش؛ مِن أجلِها شهيد الأُمَّــة، إنه بمثابة بيان ممزوج بالدم وتصريح مفعم بالتضحية بأن المقاومة مُستمرّة، وأن المشاريع الاستيطانية والعدوانية التي يروج لها الكيان الصهيوني لن تمر دون مواجهة.
الرسالة التي يبعث بها الشعب من خلال التشييع واضحة ولا لبس فيها مفادها المقاومة لن تتوقف، وسنبقى تمثل الحصن المنيع وبوابة الدفاع الأولى عن الأُمَّــة ما دام في أجسادنا نفس وفي عروقنا دماء، وبكل فخر واعتزاز، سيتذكر الجميع ما حقّقه شهيد الإنسانية من إنجازات تمتد آثارها لتصل إلى أبعد من الحدود اللبنانية، لتشمل قضايا إقليمية ودولية؛ فقد كان له دور بارز في مقارعة الاحتلال وفي دعم حركات المقاومة في فلسطين، مؤكّـدًا دومًا على أهميّة الوحدة فهي مصدر القوة في مواجهة التحديات.
ويأتي حدث تشييع شهيد الإنسانية حسن نصر الله، كنداء صارخ يردّده الشعب العربي بأسره ضد الظلم والعدوان الذي يستهدف الأُمَّــة العربية والإسلامية دون استثناء.
إن هذا الحدث الجلل لا يعبر فقط عن الحزن والأسى لفقدان قائد كبير، بل هو رسالة قوية ومدوية يوجهها الأحرار للعدو الصهيوني الجبان ولكل من يسانده مفادها أننا على العهد باقون وأن مسيرتنا الجهادية مُستمرّة، من هنا فَــإنَّه لا يمكن للعدو الصهيوني أن يغفل عن المعاني الرمزية الكبيرة المرتبطة بتشييع زعيم له مكانته الخَاصَّة في قلوب الكثيرين.
فالحشود الجماهيرية المتوقع حضورها في تشييع قائد الشهداء ليس مُجَـرّد تعبير عن الحزن، بل هو تعبير عن وحدة الصف والتضامن بين أبناء الأُمَّــة ضد الظلم والطغيان؛ فبينما يسعى الكيان الصهيوني إلى تفريق الصفوف وبث الفرقة، يأتي مشهد التشييع ليبطل هذه المحاولات البائسة ويبرهن على أن الأعداء لن يستطيعوا كسر إرادَة الأحرار وبث روح الفُرقة في أوساطها.
وفي النهاية، قد يظن العدوّ أنه باغتيال القادة يمكنه كسر إرادَة الشعوب المحبة للسلام والحرية، لكنهم مخطئون؛ فالوجود القوي والحضور الكبير في جنازة حسن نصر الله، سيكون بمثابة جرس إنذار أضيف لصوت المقاومة، ليعلن للعالم أجمع أن قضية الصمود والتحدي لا يمكن أن تندثر، وأن ذكراه ستؤجج روح الأمل في نفوس الأحرار دومًا، ولن ينال العدوّ الصهيوني من عزيمتنا، وسيتحول هذا التشييع إلى صرخة مدوية يصدح بها كُـلّ حر في وجه الصهيونية وداعميها من دول الاستكبار العالمي لتقول سنكون دائمًا هنا ندافع عن كرامتنا وحقوقنا، ومستعدين لتقديم الأرواح فداءً لما نؤمن به.