صمود وانتصار

نصر الله القائد الذي لم يغيّره الزمن ولم تكسره التحديات

الصمود||مقالات||شاهر أحمد عمير

حين يسجل التاريخ مواقف الرجال، لن يكون منصفًا إن لم يكتب بحروف من نور عن السيد حسن نصر الله، الرجل الذي حفر اسمه في وجدان الأُمَّــة بأحرف من صمود وثبات. هو القائد الذي جعل من المقاومة نهجًا لا يقبل التراجع، ورفع راية العزة في زمن الانكسار. لم يكن مُجَـرّد زعيم سياسي أَو قائد حزبي، بل كان حالة استثنائية في واقع عربي يعج بالمواقف المتخاذلة. استطاع أن يكون الرقم الصعب في معادلة الصراع، وأن يجعل من كلماته ومواقفه سلاحًا يرعب الأعداء ويمنح الأمل لكل المستضعفين.

في زمنٍ سقطت فيه معظم الأنظمة العربية في وحل التطبيع والانبطاح، واصطفَّت مع العدوّ الإسرائيلي سرًا وعلانية، ظل السيد حسن نصر الله الصوت العربي الصادق الذي لم تغيره التحولات السياسية ولا حسابات المصالح. بقي ثابتًا على مواقفه، منحازًا لفلسطين، مدافعًا عن المقاومة، مؤمنًا بأن طريق التحرير يمر عبر التضحية والصمود. لم يكن مُجَـرّد خطيب يشعل الحماس في نفوس مستمعيه، بل كان رجل أفعال، أدار المواجهات بذكاء، وواجه التحديات بحكمة. أثبت أن المقاومة ليست مُجَـرّد شعار يُرفع، بل مشروع متكامل يرتكز على الإعداد والاستعداد والمواجهة المدروسة، متسلحًا بالإيمان العميق بالقضية والحنكة السياسية والبصيرة الاستراتيجية.

اليمن لم يكن بعيدًا عن وجدان السيد حسن نصر الله. في وقتٍ تكالب فيه العالم على هذا البلد المحاصر، كان هو الصوت العربي الوحيد الذي أعلن وقوفه مع اليمنيين. في اللحظات الصعبة، قال عبارته الشهيرة: “إن لم يكن الشعبُ اليمنيُّ من العرب، فمنِ العرب؟”. لم يكن هذا التصريح مُجَـرّد كلمات عابرة، بل كان تعبيرًا عن رؤيته للأُمَّـة، يجسد ارتباطه العميق بالقضايا العادلة بعيدًا عن الحسابات السياسية والطائفية. في وقتٍ انشغل فيه البعض بتقسيم الأُمَّــة وإثارة الفتن، كان نصر الله يرسّخ قيم الوحدة والكرامة، ويؤكّـد أن العدوّ الحقيقي هو الاحتلال وأدواته، وليس الشعوب التي تسعى لاستعادة حريتها وكرامتها.

رحيل السيد حسن نصر الله لم يكن مُجَـرّد حدث عابر. كان زلزالًا هزّ وجدان الأُمَّــة. فالقادة الصادقون لا يموتون، بل تتحول دماؤهم إلى لعنة تلاحق الطغاة، وتصبح سيرتهم منهجًا للأجيال القادمة. في قلوب الأحرار، سيظل السيد حسن نصر الله حيًّا في كُـلّ ساحة مقاومة، في كُـلّ صوت يرفض الذل، في كُـلّ يد تقبض على الزناد دفاعًا عن الأرض والعرض. إن مواقفه لم تكن مُجَـرّد كلمات عابرة، بل دروسًا في العزة والكرامة والثبات.

في الوقت الذي كان فيه كثيرون يخذلون غزة وهي تسحق وتذبح، كان حزب الله يقدم الأمين العام تلو الأمين العام، متمسكًا بمواقفه الثابتة، لا يتراجع. وهذا هو ما يجعل التاريخ يكتب عنهم بحروف من ذهب.

ما غبتَ.. تلقانا لآخرِ مَوجِنا

مليونَ نصر اللٰهِ في الساحاتِ

لو لم يكن هناك حصار على اليمن، ولو كانت الحدود مفتوحة، لكانت قوافل اليمنيين قد زحفت إلى لبنان لتشييع هذا القائد العظيم. لكن الحصار وإن منع الجسد من الوصول، فلن يمنع القلوب من النحيب، ولن يمنع الأحرار من الوفاء. حسن نصر الله لم يكن قائدًا للبنان وحده، بل كان قائدًا لكل من رفض الخضوع والانكسار. كان صوته نبراسًا يهتدي به كُـلّ من قاوم العبودية للمستعمر. سلام الله عليه حيًّا وميتًا، سلام على رجل لم يبدل ولم يغير، سلام على من عاش عزيزًا ومضى شامخًا، وسلام على نهجه الذي سيبقى خالدًا ما بقي في الأُمَّــة أحرار يقاومون الاحتلال ويؤمنون بأن النصر وعدٌ إلهيٌ لا ريب فيه.