ولاية الأمر .. من المفهوم إلى الممارسة
الصمود | أقلام حرة | 17 / 9 / 2016 م
بقلم /محمد الشميري
في السنة العاشرة بعد عودة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من حجة الوداع مع عشرات الآلاف من جموع المسلمين وقف في وادي [خُم] – منطقة بين مكة والمدينة – بعد أن نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة:67) بعد نزول هذه الآية ، وفي وقت الظهيرة ، وقت حرارة الشمس، وحرارة [الرَّمْضَاء] أمر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من تقدم أن يعود، وانتظر في ذلك المكان حتى تكامل الجمع، وبعد ذلك رُصَّتْ له أقْتاب الإبل ليصْعَدَ عالياً فوقها لتراه الأمة، ويصعد مخاطباً الناس: ((ألست أولى بكم من أنفسكم)) ثم يجيب المسلمون: ((بلى يا رسول الله)) ثم يلقي عليهم الأمر: ((من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)) ثم ينهال المسلمون مهنئون علياً عليه السلام، ومن بينهم عمر فيقول: ((بخٍ بخٍ لك يا أمير المؤمنين أصبحت مولايَ ومولى كل مؤمن ومؤمنة))، وهذه الحادثة بمجرياتها أتت تؤكد ولاية الأمر، وتعين ولي أمر الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونزول الأمر الإلهي للنبي بالبلاغ بما أنزل عليه، وحصر الرسالة على تبليغ هذا الأمر يوضح أهمية ولاية الأمر، إضافةً إلى تفاصيل أحداث هذا التبليغ من إيقاف الحجيج وقت الظهيرة ونصب المنبر بأقتاب الإبل، وانتظار من تأخر، وعودة من تقدم، وصعود النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر وعلي بجانبه، وخطابه الناس مستفهماً: ((ألست أولى بكم من أنفسكم))، واستخدام أسلوب الشرط: ((مَنْ كنت مولاه)) ثم استخدام أسلوب الإشارة (هذا) مع أخذه بيد علي عليه السلام، وذكر اسمه ((هذا علي)) ثم مهمته: ((مولاه))، مما يبين هذا الحدث، وهذا الإيضاح فيه أنه ليس كغيره، وأن هذه الآونة ليست كسابقتها، حتى هذا الأمر نفسه وإن كان قد سبق الحديث عنه في أكثر من موضع: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى)) و ((أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي))، إلا إنها في هذا الموقف يتم توضيحها وإبلاغها بكل أساليب الشرح والإيضاح والتبيين، وبكل ما يتناسب مع أسلوب الآية الكريمة ((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) والتصريح بلفظ الولاية الذي اختلف فيما بعد السياسيون في دلالته.
حينها الأمة كلها فهمت معنى هذا الحدث العظيم، واستوعبت دلالته فتهافت الجميع نحو علي عليه السلام يهنئونه بولاية الأمر، وقيادة الأمة: ((بخٍ بخٍ لك يا أمير المؤمنين أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)) حتى أولئك الذين رأوا يوماً ما أن يخرجوا عنه، وأن يأتمروا عليه .
وكان فهمهم في المستوى الذي لا يدع مجالاً للشك، ولم نجد حينها من اختلف في معنى ولاية الأمر، حتى يوم خيبر عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله…)) قال بعض الصحابة لأبي طالب: ((أطِعْ ابنك فقد أُمِّر عليك)).
لكن حينما برزت الأطماع، وسُيست الولاية، وظهرت شهوة السُلطة، قَصُر الفهم، واختلت حتى دلالة المصطلحات، واختلف في مغزاها ومعناها، وبذلك اتسعت الفجوة، وعمَّ الشقاق، ووجد أعداء الإسلام أن الأرض الخصبة لتمزيق المسلمين هو الإسلام ابتداءً من هذه النقطة من ولاية الأمر، حتى وصل الأمر بالمسلمين إلى أن يستعصي الواقع عليهم على أن يتوحدوا تحت راية واحدة، وأن يحلوا مشاكلهم حتى وفق مبدأ (الشورى) ففي اليمن على سبيل المثال صار صعباً الالتفاف حول قيادة واحدة توحدهم، وتحل مشاكلهم وتواجه التآمر عليهم، بسبب اختلافهم، وأصبح حتى تطبيق مبدأ الشورى لمن ينادون به صعب تطبيقه، والغريب أن يكون ذلك مع القبول بالتآمر والمتآمرين والتنازل للتعايش مع المتنفذ الأجنبي المتولي لنا، والقبول بتواجده وفق مبدأ (تبادل مصالح) مما يدلل على أن ولاية أمر الأمة لمّا تم الخروج عنها والاختلاف عليها لأسبابٍ سياسية وصلت هذه الولاية إلى يد العدو اليهودي أو النصراني؛ ليصبح هو الوالي، والخليفة والحاكم والمتصرف حتى بمن يلي أمرك من أبناء جِلدتك بدون بيعة أو خلافة أو شورى أو إجماع أهل الحل والعقد، بل بالقوة والسطوة والغلبة، والغريب أننا في هذه الحالة لم يحصل الخلاف حول دلالة المصطلح أو فهمه، بل إن ما يتم هو التبرير لهذه الولاية الجديدة والتأويل لقبولها والتعايش معها كالمبادرة الخليجية وهيكلة الجيش والحوار، وتحركات السفير الأمريكي وغيره، مما يدلل فعلاً أن ولاية أمرنا أصبحت خارج نطاق الأمة الإسلامية بكلها، ومما يؤكد أن ولاية الأمر لأي أمة في غاية الأهمية فإما أن تلي أمرها بنفسها، وتتولى الله ورسوله وأهل بيت رسوله فتنتصر، أو أنها ستفرض عليها قسراً ولاية من خارج تتحكم في شؤنها وتسومها سوء العذاب مما يوحي بانطباق دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((وانصر من نصره، واخذل من خذله)).