صمود وانتصار

العد التنازلي لمهلة اليمن يقترب من الصفر: الحصارُ بالحصار ولا مجالَ للمراوغة

– القائد: الإجراءات العسكرية ستبدأ بمُجَـرّد انتهاء المهلة إذَا لم تدخل المساعدات إلى غزة

– شركة “أمبري” البريطانية تحذّر السفنَ المرتبطة بالعدوّ الصهيوني من عبور البحر الأحمر وخليج عدن

 

على مسافة 24 ساعة من موعد انتهاء المهلة المحدّدة لإدخَال المساعدات إلى غزة قبل استئناف العمليات البحرية اليمنية ضد العدوّ الصهيوني، أكّـد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، مساء الاثنين، الجاهزية لبدء الإجراءات العسكرية فور انقضاء مدة المهلة بدون تسليم المساعدات؛ الأمر الذي يعيد وضع العدوّ أمام جدية وصرامة الموقف اليمني وأمام التداعيات الكبيرة والمؤثرة التي ستترتب على تجاهله، والتي بدأت ملامحها بالبروز مسبقًا من خلال تقييمات شركات الأمن البحري الغربية.

وحرص السيد القائد مساء الاثنين، على التذكير بالمهلة، مؤكّـدًا أن “القوات المسلحة على أهبة الاستعداد” وأن “الإجراءات العسكرية ستدخل حيز التنفيذ من منذ لحظة انتهاء المهلة المحدّدة إن لم تدخل المساعدات إلى قطاع غزة” وهو تأكيد يحمل العديد من الدلالات المهمة، أبرزها جدية الموقف اليمني وهو ما كان مسؤولون في قطاع الأمن البحري الدولي قد أكّـدوه مسبقًا عندما أشاروا في وقت سابق إلى أن اليمنيين “لديهم تأريخ في تنفيذ تهديداتهم” وأن “أي رد انتقامي” من جانب الولايات المتحدة أَو العدوّ الصهيوني أَو بريطانيا سيؤدي في “تجديد الصراع في المنطقة” وهي إشارة واضحة إلى أن جدية الجبهة اليمنية ذات سقف مفتوح واستعداد مسبق لكل الاحتمالات.

ومن الدلالات الهامة التي حملها تأكيد السيد القائد، أن موضوع إدخَال المساعدات، لا علاقة له بالمؤشرات التفاوضية، ولا يمكن الالتفاف عليه بأية مناورات سياسية؛ لأَنَّه حق مشروع، وضرورة إنسانية ملحة، وهو أمر ربما كان العدوّ يعول على تجاوزه عندما أعلن عن موافقته على دعوة الوسطاء، بعد إعلام المهلة اليمنية، لإرسال وفد تفاوضي إلى الدوحة؛ مِن أجلِ مناقشة المضي في الاتّفاق الذي عرقله بشكل متعمد، وبالتالي فَــإنَّ ضغط الموقف اليمني هنا لا يقتصر على المستوى الاقتصادي والأمني، بل يقوض أَسَاسات المنهجية المراوغة للعدو، ويجعلُه يقفُ على أرضية مهزوزة حتى على طاولة المفاوضات.

وتوازيًا مع تأكيد السيد القائد على الاستعداد لبدء الإجراءات العسكرية فور انتهاء المهلة، تلقت السفن المرتبطة بالعدوّ الصهيوني تحذيرًا جديدًا من شركة “أمبري” البريطانية للأمن البحري، والتي نصحت جميع السفن بـ “التحقّق من انتمائها إلى فئات السفن المستهدفة، وإعادة تقييم المخاطر على الرحلات البحرية عبر البحر الأحمر وخليج عدن” في إشارة إلى الارتباط بالعدوّ الصهيوني من حَيثُ الملكية أَو التشغيل، مشيرة إلى أنه على السفن ذات الصلات “المتوسطة والعالية” بالعدوّ “إعادة النظر في العبور” وهو تحذير يؤكّـد جدية الخطر المباشر والملموس المترتب على منع دخول المساعدات إلى غزة بالنسبة لحركة الملاحة المرتبطة بالعدوّ.

ويقوض تحذير شركة “أمبري” للسفن المرتبطة بالعدوّ، المزاعم التي حاول العدوّ بثها إعلاميًّا خلال الأيّام الأخيرة بشأن “استعداده” لمواجهة سيناريو عودة العمليات اليمنية اعتمادًا على “تنسيق وثيق مع القيادة المركزية الأمريكية”، حَيثُ يتضح بشكل جلي من خلال تحذير الشركة البريطانية أن الأُسلُـوب الأمثل لتجنب خطر التعرض للهجمات اليمنية يتمثل في الابتعاد عن منطقة عمليات القوات المسلحة، وهو الأمر الذي التزمت به العديد من الشركات التي فضَّلت الانتظار قبل العودة إلى البحر الأحمر خلال الأسابيع الماضية، والذي يؤكّـد أن مسألة التعويل على نجاح الولايات المتحدة في وقف العمليات اليمنية أَو حماية السفن صارت خارج الحسابات.

ووفقًا للتجربة الناجحة للقوات المسلحة اليمنية في فرض الحصار البحري على العدوّ الصهيوني طيلة أكثر من عام، فَــإنَّ أول التأثيرات المباشرة التي ستضرب حركة الملاحة المرتبطة بالعدوّ في حال إصراره على منع دخول المساعدات إلى غزة ستكون عودة أقساط التأمين على السفن ذات الصلات “الإسرائيلية” إلى الارتفاع، مع إحجام الشركات عن تغطية هذه السفن أصلًا؛ بسَببِ ارتفاع المخاطر المرتبطة بها، بالإضافة إلى قتل آمال إعادة تنشيط ميناء أم الرشراش الذي لم يتعافَ بعدُ من تداعيات إغلاقه بشكل كامل منذ نوفمبر 2023؛ بسَببِ العمليات اليمنية، وَإذَا استمر إصرار العدوّ على جريمة تجويع الفلسطينيين، فستعود مختلف التداعيات على أسعار السلع وحركة الواردات والصادرات التابعة للعدو وعلى قطاعات الاستثمار والصناعة داخل الأراضي المحتلّة، وربما بوتيرة أكبر؛ لأَنَّها ستضاف إلى تأثيرات سابقة لا زالت مُستمرّة.

ومن المرجح أن تكشف العمليات البحرية اليمنية بعد استئنافها عن المزيد من التطور في تقنيات وأساليب وقدرات الرصد والاستهداف للقوات المسلحة اليمنية، الأمر الذي قد يوسع نطاق تأثير الحصار ويضيق على العدوّ حتى الخيارات الاضطرارية المكلفة التي كان قد اعتمد عليها خلال الجولة السابقة مثل الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، وتفريغ حمولات السفن في موانئ أُورُوبية ثم نقلها إلى موانئ فلسطين المحتلّة.

ونظر لأُسلُـوب العدوّ نفسه في التعامل مع موضوع الحصار البحري، والذي يستند على استراتيجية “تدويل المشكلة” فَــإنَّ ضغط العمليات اليمنية سيكون مضاعفًا على كيان الاحتلال، فقطاع الشحن يدرك بوضوح أن عودة العمليات اليمنية جاءت كنتيجة لمنع دخول المساعدات المتفق عليها إلى غزة، وهو ما يعني أن المسؤولية عن “عودة اضطرابات البحر الأحمر” وهو العنوان الذي سيحاول العدوّ تضخيمه، تقع على عاتقه هو وليس على عاتق صنعاء؛ لأَنَّ إدخَال المساعدات إلى غزة هو حَـلّ أسهل وأكثر صوابية بكثير من الحل الذي سيقترحه العدوّ تحت ذلك العنوان، والمتمثل بالتصعيد ضد اليمن، خُصُوصًا وأن مثل هذا التصعيد قد أثبت فشله الذريع في حَـلّ المشكلة وكانت له نتائج عكسية كبيرة.

وحتى في حال مضي العدوّ نحو هذا التصعيد اعتمادًا على الولايات المتحدة فلن يكون ذلك إلا توسيعًا لمأزقه، سواء على المستوى الميداني، حَيثُ ستواجه واشنطن تحديات مستحيلة فيما يتعلق بتحقيق هدف وقف العمليات اليمنية وستصطدم بنتائج عكسية سبق أن أجبرتها على مغادرة البحر الأحمر، وهو ما يعني أن المزيد من التكاليف والخسائر ستضاف إلى التأثيرات الاقتصادية للحصار البحري اليمني.

وبانتظار ما بقي من ساعات مهلة السيد القائد، وبالنظر إلى الاهتمام الكبير الذي حظيت به تأكيداته الأخيرة لدى وسائل إعلام العدوّ ورعاته، وتقييمات قطاع الأمن البحري، يمكن القول: إن الجبهة اليمن قد نجحت مسبقًا في تثبيت تأثير مسار العمليات البحرية اليمنية كوسيلة ضغط مهمة على العدوّ الصهيوني، حَيثُ لا يوجد أمام العدوّ أي أفق للتخلص من هذا التأثير.

المسيرة