صمود وانتصار

صراع “القوة الهائلة” والخيارات المؤلمة

 

عبد الحميد الغُرباني

يستمرُّ العدوانُ الأمريكي على اليمن مع مروحةٍ واسعةٍ من التهديدات بالقوة الهائلة في حال واجَهَ اليمنُ هذا العدوانَ وتصدَّى لمحاولات ثنيه عن فرض الحظر على ملاحة العدوّ الإسرائيلي وعبورها في منطقة العمليات اليمنية المُعلَنة، وَمع أن القوات المسلحة لم تتأخر في الرد على غارات وقصفِ العدوّ الأمريكي للمدن اليمنية.

بالإضافة إلى إعلان وضعِ السفن التجارية لواشنطن تحت طائلة قرار الحظر، إلا أن لُغةَ التهديد ما تزال تضبط إيقاع تصريحات مجرمي الحرب الأمريكان، بدايةً بترامب زعيم العصابة الجديدة وَليس انتهاءً عند روبيو من يفترض أن يكون وجه الدبلوماسية لعصابة البيت الأسود، ما وراء ذلك وما الذي تعكسه هذه اللغة المُتغطرسة؟ وَما مآلاتُ وَعواقبُ ذلك؟

 

ما وراء ذلك؟

من المعروف أن المجرم ترامب ينزع دائمًا للُغة التهديد والخطاب المتغطرس حتى في قضايا عادية يمكنُ التعبير عن الموقف تجاهها دون الحاجة لعنتريات، هذا من جهة، وَمن أُخرى لا شك أن هذا التهويلَ هو درعُ العدوان الإعلامي والسياسي وَالدعائي، لكنه على كُـلّ حال يُعبِّرُ عن جهل ترامب وَعصابته، باليمن وَشعبه العزيز الذي لا ينام وَالحرية بالنسبة له دينٌ وَإيمان، وَعمق ذلك وحضوره المتجذر يختلفُ تمامًا عن كُـلّ دول المنطقة بل والعالم، وقد قدَّم اليمن شواهدَ ذلك عبر التاريخ، وحفنةُ الأشرار الأمريكيين شهدوا آخرها وإن حاولوا القفز على نتائجها المدوية غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب إقرار جنرالات البحرية الأمريكية.

 

ما الذي تعكسُه هذه اللُّغة المُتغطرسة؟

هذه التهديدات الدائمة المُصاحبة واللاحقة لاستئناف واشنطن العدوان على اليمن هي في المجمل عملية ضغط على فريق التفاوض الفلسطيني؛ لدفعِه للقبول بصيغة أمريكية صهيونية جديدة، وهو ما أشار إليه بوضوح الصهيوني الأمريكي “ستيف ويتكوف” حين قال: إن “ما حدث مع الحوثيين، من شأنه أن يخبرَنا عن موقفنا فيما يتعلق بالإرهاب وَمستوى تسامُحِنا مع الأعمال الإرهابية، وأنا أشجِّعُ حماس على أن تكون أكثر عقلانية”؛ ما يعني أن ضمن أهداف العدوان الأمريكي على اليمن مواجهةَ ما يشكله قرار استئناف الحظر على ملاحة العدوّ من ثقلٍ ضاغط بيد المفاوض الفلسطيني، وهو ما أشَارَت إليه وعبّرت عنه حركات المقاومة الفلسطينية في معرِض تعليقها على إعلان القوات المسلحة اليمنية دخولَ قرار الحظر حيز التنفيذ بعد انتهاء المهلة الممنوحة للوسطاء.

ومع معرفتنا أن اليمن لا يمكن أن يتراجع وأنه مستعدٌّ كليًّا لتقديم التضحيات في سبيل الله وغزة، نخلص إلى أن ثمة سوءَ تقديرٍ واضحًا يتحكَّمُ بالرؤية الأمريكية تجاه الموقف اليمني من استمرار العدوان عليه لإزاحته من مُعادلة المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي وَتصفية تأثيره الفاعل لصالح الشعب الفلسطيني والمُحاصرين في قطاع غزة، تعكسُه هذه العنجهية وَيمكن رؤية ذلك دون عناء مع استعادة سريعة خاطفة لنتائج معركة البحر الأحمر، أَو يمكن أن نعدل عن ذلك إلى القول إن واشنطن سبق وجرَّبت كُـلَّ أدوات القوة ضد اليمن وقدراته وموقفه وَفشلت في إحراز أي تقدم على الصُّعُدِ المختلفة؛ فهل لدى العصابة الأمريكية بقيادة المجرم ترامب، أدواتٌ وأسلحةٌ أُخرى لحماية ملاحة أهم شرطي لها في المنطقة؟، وَأَيْـضًا في سياق محاولة استعادة هيبة داسها اليمنيون وَقوة ردع أسقطها اليمنيون وَهيمنة قوَّضها اليمنيون، حسنًا فلتفعل ذلك وهنا ننتهي للسؤال الأخير.

 

ما عواقب ذلك؟

بمعزل عن هذه الأدوات والأسلحة المشار إليها أمريكيًّا بالقوة الهائلة، يبقى المؤكَّـدُ أن استمرار العدوان يسرِّعُ من انتقال اليمن إلى الخيارات التصعيدية الإضافية وهذه أكثر إيلاماً، وَالتوصيف للسيد القائد، كما أنه من توعّد بها، وَمن المصلحة تجنب اختبار صبر هذا القائد وَشجاعته والاستفادة من كُـلّ التجارب السابقة أفضلُ من التهور وترك الأمور تتدحرجُ نحو ما قد يُخيل للأمريكان الصهاينة أنه مُستبعَدٌ، أَو يُعتقد أن الرياح لا يمكنها أن تجري بما لا تشتهيه مصالحهم في المنطقة وهي دسمة وكثيرة.

وهكذا فـ سُــوءُ التقدير الأمريكي للموقف اليمني المُساند لقطاع غزة ومدى الثبات عليه، إن استمر سيوقعُ أمريكا في فَخٍّ يمني مُميت.