الصمود حتى النصر

من وجهة نظر صينية: كيف زعزع اليمنيون مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً؟

الصمود||تقرير||يحيى الشامي

يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل موضوعي لنظرة الصين للعمليات اليمنية وتأثيرها على الأمريكيين وكيان العدو الإسرائيلي، استناداً إلى التقارير الصينية الصادرة حديثاً والتي تناولت هذا الموضوع. سنستعرض كيف ينظر المحللون الصينيون إلى قوة العمليات اليمنية ونافذيتها في التأثير على الأمريكي وكيان العدو الإسرائيلي؟، وكيف يرون محاولات واشنطن للتهرب من حقيقة هزيمتها أمام اليمن من خلال اتهامات موجهة للصين وغيرها من الأطراف؟.

في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها العالم، برزت اليمن كلاعب محوري في معادلة الصراع الإقليمي والدولي، متجاوزة بذلك حدود دورها التقليدي كدولة صغيرة محدودة الإمكانيات.

هذا الاشتباك التاريخي -المُستمر حتى اليوم- حظي بمتابعةٍ وتحليلٍ من العديد من المهتمين حول العالم خاصة في الصين، الذين راقبوا بعناية تطورات العمليات اليمنية على ضوء محطات المواجهة ومراحلها المتصاعدة، وقدموا تحليلات عميقة لأبعاده ودلالاته.

إن فهم وجهة النظر الصينية يكتسب أهمية خاصة في هذا السياق، ليس فقط لكونها تمثل رؤية قوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، بل أيضاً لأنها تقدم تحليلاً موضوعياً نسبياً يختلف عن الرواية الغربية المهيمنة والتي يتنّاها حتى الاعلام العربي، ما يساعد على فهمٍ أعمقَ للصورة الكاملة للمواجهة وأبعادها المختلفة.

سياق التحليل الصيني للعمليات اليمنية

بعيداً عن سياق التحليل العسكري من وجهة نظر الصحافة الصينية، فقد أثارت الاتهامات الأمريكية لبكين، بتزويد اليمن بمعلومات استخباراتية من الأقمار الاصطناعية، حفيظة الصينيين الذين اعتبروها خطوة تعكس حجم الإحراج الأمريكي، ومحاولة لتفسير قدرة “قوة عسكرية محدودة” على تحدي أكبر قوة عسكرية في العالم، وبناءً على الخلفية التاريخية للعمليات اليمنية المساندة لغزة منذ نهاية 2023 يتشكّل الإطار الذي يمكن من خلاله فهم التحليلات الصينية للعمليات وتأثيرها على المشهد الإقليمي والدولي.

تقدم التقارير الصينية رؤية تحليلية عميقة للعمليات اليمنية وتأثيرها على المشهد الإقليمي والدولي، تختلف بشكل جوهري عن الرواية الغربية المهيمنة، وتتميز هذه النظرة بالموضوعية النسبية والعمق التحليلي، ما يجعلها مصدراً مهماً لفهم أبعاد قوة العمليات اليمنية وفعاليتها؛ فرغم محدودية الإمكانيات اليمنية ترى التحليلات الصينية أن العمليات العسكرية اليمنية تمثل نموذجاً فريداً لقدرة دولة صغيرة محدودة الإمكانيات على مواجهة قوة عظمى.

فعلى الرغم من أن اليمنيين “لا يُعتبرون قوة عسكرية كبيرة على مستوى العالم”، و”تسليحهم محدود” كما تشير التقارير الصينية، إلا أنهم تمكنوا من تنفيذ هجمات متواصلة ضد البحرية الأمريكية القوية في البحر الأحمر، “متسببين في الكثير من الإزعاج والإحراج”. وتلاحظ التقارير الصينية أنه على الرغم من الهجمات الأمريكية المكثفة، التي وصلت إلى “أكثر من 900 غارة جوية”، و”إنفاق 1.5 مليار دولار”، واستخدام “طائرات B-2 و F-35 الشبحية”، فإن القوات اليمنية لم تنكسر، بل على العكس “أصبحوا أكثر قوة”، واستمروا في إطلاق الصواريخ فوق البحر الأحمر واستهداف الحاملات العسكرية الأمريكية بالطائرات بدون طيار”.

وتصف التقارير الصينية هذا الوضع بأنه مثال حي لـ “الضرب على صفيح بارد – الذي يتألم منه هو الشخص الذي يضرب”، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة هي التي تتكبد الخسائر الأكبر من هذه المواجهة، رغم تفوقها العسكري الهائل.

تفوق الاستراتيجية اليمنية على التكنولوجيا الأمريكية

تبرز التحليلات الصينية نقطة مهمة تتعلق بتفوق الاستراتيجية العسكرية البسيطة لليمنيين على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية المتطورة. فقد نجح “أسلوب اليمنيين القائم على حرب الفرق الصاروخية والنارية” في إرباك القوات الأمريكية وإلحاق خسائر بها، في حين لم تتمكن الولايات المتحدة من إيجاد “طريقة فعالة للتعامل معهم”.

وتشير التقارير الصينية إلى أن نجاح اليمنيين لا يعتمد على التكنولوجيا المتطورة، بل على “الحكمة التي اكتسبتها شعوب الشرق الأوسط من عقود من الحروب”. (المقصود هنا الجانب المعنوي الإيماني) هذه الحكمة، مقترنة بالإرادة القوية والاستراتيجية المناسبة، مكّنت القوات اليمنية من تحقيق نجاحات غير متوقعة في مواجهة أكبر قوة عسكرية في العالم، ويلاحظُ المحللون الصينيون أن اليمنيين أصبحوا “الطرف الوحيد في المنطقة القادر على تحدي حاملات الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر”، وهو إنجاز استثنائي بالنظر إلى الفارق الهائل في القدرات العسكرية والتكنولوجية بين الطرفين.

تراجع الهيبة العسكرية الأمريكية:

تولي التحليلات الصينية اهتماماً خاصاً لتأثير العمليات اليمنية على الهيبة العسكرية الأمريكية، وترى أن هذه العمليات المستمرة بتصاعد قد أدّت إلى تحطيم “أسطورة حاملة الطائرات”  المُهابة عالمياً، ومعها اهتزّت بشكل مباشر “ثقة دول المنطقة في حماية الجيش الأمريكي”. وتشير وجهة نظر الكتّاب الصينيين في غير تقرير وتحليل إلى أن “الولايات المتحدة، التي كانت تهيمن على البحار خلال الحرب الباردة، تقف الآن عاجزة أمام جماعة مسلحة في منطقة قريبة”، وهو وضع غير مسبوق يعكس تراجعاً كبيراً في هيبة القوة البحرية الأمريكية”. وتصف التقارير الصينية الوضع الأمريكي بأنه “محرج”، وأنه “نتيجة حتمية للمنطق الاستعلائي الإمبراطوري” الذي تتبعه الولايات المتحدة، والذي يقوم على “الإيمان بالقوة العسكرية وتجاهل إرادة الدول الصغيرة”، ما يؤدي في النهاية إلى تحقيق لعنة “مقبرة الإمبراطوريات”.

أهمية الحرب النفسية والإعلامية

تبرز التحليلات الصينية أهمية البعد النفسي والإعلامي في الصراع، وترى أن اليمنيين قد نجحوا في استخدام الإعلام كسلاح موازٍ للعمليات العسكرية. وقد كان لافتاً إلماح بعض الخبراء الصينيين إلى ضرورة تحويل حطام الطائرة العسكرية الأمريكية MQ-9 إلى معرض شعبي، بهدف اجتذاب “عشرات الآلاف من الأشخاص للزيارة”، باعتباره عملاً يُسهم في تثمير الإنجاز و تقويض معنويات الجيش الأمريكي وخلق صورة “بطل معادٍ لأميركا” في أذهان الرأي العام، كما ورد في التقرير، وترى التحليلات الصينية أن نجاح اليمنيين في الحرب النفسية والإعلامية يعكس فهماً عميقاً لأهمية هذا البعد في الصراعات الحديثة، وقدرة على توظيفه بشكل فعال لتحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز التأثير العسكري المباشر.

تأثير العمليات اليمنية على الأمريكيين والإسرائيليين

تقدم التقارير الصينية تحليلاً عميقاً لتأثير العمليات اليمنية على كل من الولايات المتحدة وكيان العدو الإسرائيلي، وترصد تداعياتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والنفسية، ابتداءً من إبراز حجم التأثير غير المتوقع الذي أحدثته هذه العمليات على القوتين العظميين.

ففي التأثير العسكري تشير التقارير صراحةً إلى فشل الاستراتيجية الأمريكية فشلاً ذريعاً في مواجهة العمليات اليمنية، على سبيل المثال: فعلى الرغم من تنفيذ “أكثر من 900 هجوم على اليمن خلال شهر واحد” وإنفاق “1.5 مليار دولار على العمليات العسكرية” واستخدام “طائرات متطورة مثل B-2 و F-35 الشبحية وقنابل خارقة للتحصينات”، فإن الولايات المتحدة لم تتمكن من تحقيق أهدافها المعلنة في وقف العمليات اليمنية أو الحد من تأثيرها. وتصف التقارير الصينية هذا الفشل بأنه نتيجة لـ “فشل خطة البيت الأبيض التي كانت تهدف لتنفيذ ضربة ساحقة تؤدي الى إخضاع الخصم، وبالتالي إنهاء الحرب بسرعة لترهيب الآخرين”، لكنّها على العكس من ذلك “اصطدمت بصخرة فولاذية” تمثلت في صمود القوات اليمنية وقدرتها على التكيف مع الهجمات الأمريكية، وتلاحظ التقارير أن “وضع حاملات الطائرات الأمريكية في الشرق الأوسط يزداد صعوبة”، حيث تعرضت حاملات الطائرات “ترومان” و”كارل فنسن” لهجمات متكررة من قبل اليمنيين باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة، ما أدى إلى “فوضى وحتى وقوع حوادث إطلاق نيران بالخطأ بين القوات الأمريكية نفسها” في إشارة الى حادثة سقوط الطائرة إف-18.

وعلى صعيد خسائر العدو الإسرائيلي تبرز التحليلات الصينية التأثير الاقتصادي الكبير للعمليات اليمنية على كيان العدو الاسرائيلي، والتي نجحت في إغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات)” منفذ الكيان الوحيد باتجاه شرق العالم، فضلاً عن نجاح اليمنيين في استهداف السفن المتجهة إلى موانئ كيان العدو الاسرائيلي، والذي أدى إلى تعطيل حركة التجارة البحرية للكيان وتكبيد اقتصاده خسائر فادحة.

إحراج الإدارة الأمريكية

ترصد التحليلات الصينية التأثير السياسي للعمليات اليمنية على الإدارة الأمريكية، وتصف الوضع الأمريكي بأنه “محرج” و”في حالة يأس شديد”. وتشير التقارير إلى أن “الأمر الأكثر إزعاجاً هو أن دوامة الفوضى في الشرق الأوسط تتسع، في ظل خروج الأمور عن سيطرة القوة الأمريكية، وهو ما دفع الطبقة السياسية في واشنطن الى اللعب بأسلوبهم التقليدي: البحث عن كبش فداء!”. وتلاحظ التقارير أنه “حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرّح بأن مواجهة اليمنيين مهمة طويلة الأمد”، ما يشير إلى اعتراف ضمني من قبل القيادة السياسية الأمريكية بصعوبة المواجهة مع اليمنيين وعدم القدرة على حسمها في المدى القريب. كما تشير التقارير إلى أن فشل الولايات المتحدة في إسقاط شعارها كقوة حامية للملاحة الدولية، ما أدى إلى “تراجع ثقة دول المنطقة في قدرة الجيش الأمريكي على توفير الحماية”، ما يمثل تحدياً كبيراً للنفوذ السياسي الأمريكي في المنطقة.

محاولات أمريكا للتغطية على إخفاقاتها

تكشف التقارير الصينية عن استراتيجية أمريكية واضحة للتغطية على إخفاقاتها في مواجهة العمليات اليمنية، من خلال توجيه اتهامات للصين وأطراف أخرى، في محاولة لتحويل الأنظار عن الفشل الحقيقي وإيجاد تفسيرات مقبولة لعجزها أمام قوة عسكرية محدودة الإمكانيات، وتوضح التحليلات الصينية كيف “لجأت واشنطن الى تغطية أوتبرير فشلها في مواجهة الإخفاق العسكري أمام اليمنيين من خلال اتهام  شركة الأقمار الاصطناعية الصينية يتزويد اليمنيين بصور ومعلومات استخباراتية”. وتوضح التقارير أن “وزارة الخارجية الأمريكية ادعت مؤخرًا أن شركة الأقمار الاصطناعية الصينية تدعم اليمنيين سراً”، وأن “اليمنيين تمكنوا من مهاجمة حاملات الطائرات الأمريكية بطائرات مسيّرة وصواريخ بفضل معلومات استخباراتية قدمتها الأقمار الاصطناعية الصينية”. وتصف التقارير هذه الاتهامات بأنها “محض هراء”، و”لا يوجد دليل أو منطق” وراءها، وأنها “كأنها مسرحية هزلية”. وتؤكد أن “شركة ‘تشانغ غوانغ’ الصينية” قد سارعت للرد على هذه الاتهامات، مؤكدة أنه “لا توجد أي علاقة أو تواصل بينها وبين القوات المسلحة اليمنية” موضحة أن هذه الاتهامات “تعكس جهلاً صارخاً”. وتشرح التقارير أنه “من غير المنطقي الاعتقاد أن صورة أقمار اصطناعية واحدة تكفي لتحديد موقع حاملة طائرات وتوجيه ضربة دقيقة إليها”، وأن “عملية التوجيه تتطلب سلسلة متواصلة من الإجراءات الدقيقة، وليست مجرد صورة تُهاجم على أساسها أهداف عسكرية”. وتشير التقارير إلى أن “الإخفاق الاستراتيجي والضعف العسكري الأمريكي يجعلانها تتهم التكنولوجيا الصينية بالتقدم الكبير”، في حين أن “الدرونز البسيطة لليمنيين” التي “تسبب مشاكل كبيرة للجيش الأمريكي” تعتمد في الواقع على “الحكمة التي اكتسبتها شعوب الشرق الأوسط من عقود من الحروب، وليس على عدة أقمار اصطناعية فقط”.

 

وترى وجهة النظر الصينية أن تصرفات واشنطن تعكس “ارتباكها وإحراجها في مواجهة اليمنيين”، وتجعل “من الصعب تبرير موقفها أمام العالم”. وتصف التقارير هذه الاتهامات بأنها “محاولة غير نزيهة، وواهية لإلقاء اللوم” بادعاء وجود علاقة بين الصين واليمنيين”. وتؤكد التقارير أن “الصين لن تتحمل فاتورة فشل الولايات المتحدة، ولن تقبل هذا الاتهام الباطل”، وأنه “بينما واشنطن مشغولة بإيجاد “كبش فداء”، العالم بأسره قد أدرك بالفعل: الانهيار الحقيقي ليس في ساحة المعركة، بل في قلوب الناس”، وترى أن هذه الاتهامات تعكس نمطاً متكرراً من السلوك الأمريكي في تحميل الآخرين مسؤولية إخفاقاته، ما قد يزيد من حدة التوتر في العلاقات الدولية.

أظهرت التحليلات الصينية أن العمليات العسكرية اليمنية، التي بدأت كعمليات إسناد للقضية الفلسطينية بعد معركة طوفان الأقصى، قد تجاوزت بتأثيرها الحدود المتوقعة، وأحدثت تحولاً جذرياً في موازين القوى في المنطقة، بشكل يفرض على القوى العالمية الكبرى مراقبته وتفحّصه بعناية فائقة، وذلك بوضعه تحت مجهر العبرة السياسية والفائدة العسكرية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com