ترددت كثيرا قبل أن أكتب عن الإمام علي -عليه السلام- لأن الكتابة والحديث عنه -عليه السلام- ليس بالأمر الهين والبسيط , لأن من يكتب عن شخصية عظيمة كشخصية الإمام علي لن يستطيع إعطاءها حقها ومستحيل أن يحيط بكل جوانب العظمة فيها ..
إن من يكتب عن إمام المتقين وسيد الوصيين عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والتسليم لابد وأن يطأطئ رأسه تعظيما وإجلالا لهذه الشخصية التي مدحها الأعداء قبل الأصدقاء .. شخصية دخلت التاريخ من أنصع صفحاته وضربت أروع الأمثلة في البطولة والشجاعة والأخلاق والصبر والإيمان بالله وفي الارتباط بالله وفهم معاني القرآن والدين حرفا حرفا , وإني هنا وفي هذا المقال سأكتب عن جانب من حياة الإمام علي -عليه السلام-، وهذا الجانب هو ارتباط اليمنيين عبر التاريخ بالإمام علي وعلاقتهم الوثيقة به ومنزلته في قلوبهم , ولا أبالغ إن قلت إن هذا الارتباط بالإمام علي كان من أهم أسباب العدوان على اليمن لأنه من هذه العلاقة الوطيدة بين اليمنيين والإمام علي ظهر لليمنيين قائد عظيم يمضي على نهج الإمام علي الذي دك حصون خيبر، ولمعرفتهم بمواصفات السيد عبد الملك كما يعرفون أبناءهم لهذا أدركوا أن الشعب اليمني سيتحرر من تبعيتهم ويحرر كل الشعوب الإسلامية.
لقد ظهرت بعض علامات هذا التغير والتحرر منذ انطلاق الصرخة والبراءة من أعداء الله لأن الصرخة هي ثمرة من ثمار الولاية وأهم ثمرة من ثمار ولاية من أمرنا الله بتوليهم ومن أمرنا الله بالسير على نهجهم, ولن تكفي مجلدات للحديث عن هذا الموضوع, لذا سأختصر وأتحدث عن فضل الإمام علي على أهل اليمن في دخولهم الإسلام وتعليمهم تعاليم الدين إذ كان أول مبعوث لابن عمه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى اليمن, وقد حاول البعض من الكارهين والمبغضين له عبر كتبهم طمس وإخفاء حقيقة أن الإمام علي كان أول مبعوث للرسول إلى اليمن وإخفاء أن له الفضل في دخول أهل اليمن إلى الاسلام طوعا دون إراقة قطرة دم واحدة وفي قدومهم لرسول الله -صلى الله عليه وآله- أفواجا في جمعة رجب الغراء , على أن محاولاتهم تلك لم تكن الأولى إذ أنهم بعدها استمروا في طمس وتغييب دور الإمام علي -عليه السلام- في حياة الرسول ودور سيفه في إقامة الإسلام الذي قال عنه رسول الله إنه ما قام إلا بمال خديجة -عليها السلام- وسيف علي .. ولعل كل تلك المحاولات قد باءت بالفشل إذ أن تلك الحقائق تظل جلية وواضحة ولو بعد سنوات طويلة.
لا زلت أتذكر من خلال دراستي أنا وكل أفراد جيلي أن الصحابي معاذ بن جبل كان مبعوث الرسول لليمن وقد طبع ذلك في أذهاننا , وهو ما أسهم في تغييب دور الإمام علي كما غيب في عدة أماكن بخلاف الحقائق التاريخية وكل ذلك بسبب مناهج أولئك المبغضين التجهيلية التي عمدوا فيها على نشر فكرهم الوهابي في العقود الأخيرة مع أن الحقيقة التي لا ينكرها إلا جاحد هي أن الإمام علي -عليه السلام- مبعوث رسول الله إلى اليمنيين، وأنه قد أحب اليمنيين وقال فيهم مقولات كثيرة كالبيت الشعري الشهير لقبيلة همدان التي تعتبر أول قبيلة استجابت ولبت نداء الإمام ودخلت الإسلام:
ولو كنتُ بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
كما قال في أهل اليمن الكثير من الأشعار ممتدحا أخلاقهم وكرمهم، أكل وشرب معهم وسار في جبال اليمن ووديانها وسهولها، وله فيها مآثر وبصمات باقية إلى يومنا هذا , وفي المقابل بادل أهل اليمن حب الإمام علي لهم بالحب والوفاء بالوفاء والعطاء بالعطاء فتأثروا بأخلاق الإمام علي –عليه السلام- وجوده وتواضعه لأن صفاتهم الكريمة عائدة لمعلمهم ومربيهم الأول الإمام علي؛ وهو ما نلاحظه في أغلب أهل اليمن زيدية أو شافعية أنهم شيعة بالفطرة إذ أن كلمة تشيع ليست كلمة تنفر أو تخيف وإنما هي كلمة تعني مولاة الإمام علي وتفضيله على غيره وزيادة إجلاله وتقديره ومعرفة حقه، ونجد الجميع مرتبطين بالإمام علي ولا تكاد ألسنتهم تذكر محمدا إلا وتذكر بعده عليا، ولا يكاد يخلو بيت في اليمن من اسم محمد أو علي حتى الأمهات وكبيرات السن إذا وقع لهن طفل على الارض أو حصل له مكروه نسمعهن يرددن تلقائيا يا محمداه، يا علياه، ولا يرددن في أدعيتهن سوى يا الله بحق محمد والخمسة، ولا ننسى أن اليمنيين كانوا هم أغلب شيعة الإمام علي في حربه ضد معاوية وأكثر من ناصره في كل معاركه وحروبه.
لقد عشق اليمنيون عدل الإمام علي وبلاغته وفصاحته وشموخه الذي يشبه شموخ جبال اليمن وتواضعه الذي يشبه تواضع سهول اليمن وقيعانها، والتاريخ يشهد أن أهل اليمن هم أهل الشجاعة والوفاء والجود، وهم من دعا لهم رسول الله -صلى الله عليه وآله- قائلا اللهم احفظ الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار , وعليه فمن الظلم أن يشبّه أهل اليمن بأي شعب في العالم خاصة إذا ما علمنا بما روته بعض كتب التاريخ من أن شتم الإمام علي -عليه السلام- بأمر من معاوية في منابر الصلاة بعد كل خطبة قرابة سبعين عاما كان يتم في كل أقطار الدولة الإسلامية مثلما تقول الروايات وأن أهل اليمن هم الشعب الوحيد الذي رفض أن يشتم أبا تراب في المنابر, ومن الطريف أن خطباءهم في الجمع كانوا عندما تأتيهم الأوامر بضرورة شتم الإمام علي -عليه السلام- كانوا يشتمون ويلعنون ويعيدون ضمير الغائب للوالي نفسه الذي أعطاهم الأوامر أو لمعاوية نفسه ودون أن يشعر ولاتهم.
لقد تميز اليمنيون بصدقهم وفطرتهم السليمة ونصرتهم للمظلوم ولكل ما أسلفت من أسباب نلاحظ أن حب الإمام علي في قلوب اليمنيين هو ما جعلهم يحيون عيد ولايته عبر التاريخ، ومن يكذبني فليسأل آباءه وأجداده، وسيجد أن عيد الغدير كان معروفا في العقود السابقة، وكان اليمنيون يحتفلون به سنويا وبعدة مظاهر كالذبح وإقامة المواليد والولائم وغيرها من المظاهر إلى أن بدأ يتسرب إلينا الفكر الوهابي فبدأ مرتادوه يطمسون علينا موروثاتنا وأعيادنا وتاريخنا، ويشوهون علينا مناسباتنا الدينية التي توارثناها من أجدادنا الأنصار تحت شعار بدعة أو حرام، ومع انتشار فكرهم انحسر الفكر الزيدي والشافعي الأصيلين تدريجيا في العقود الثلاثة الأخيرة التي بدأوا خلالها يضخون سمومهم وأفكارهم تحت غطاء القرآن ومراكز التحفيظ والجامعات إلى أن جاءت ثورة الشهيد القائد السيد حسين -رضوان الله عليه- من مران وأعادت لنا أعيادنا وموروثاتنا الدينية الأصلية كعيد الغدير وجمعة رجب ومناسبة المولد النبوي الشريف؛ فسلام الله على الإمام علي -عليه السلام- وعلى كل أتباع الإمام علي والسائرين على نهجه.