صمود وانتصار

السيد حسين الحوثي :ماذا تعني سنة التدافع بين الناس التي ذكرت في القرآن الكريم؟

? – ماذا تعني سنة التدافع بين الناس التي ذكرت في القرآن الكريم؟
? – مع حصول التدافع والتضارب عادة في الحياة متى يكون الفرج مقترنا بهذا التدافع؟
? – متى تكون قدرات المقاتل القوي غير محدودة؟
? – ما السنة الإلهية المرتبطة بحالة من يتراجعون وهم يسخرون من الآخرين، لأنهم يريدون أن يواجهوا دولة كبيرة مثلا؟
? – كيف كانت شجاعة طالوت وأصحابه؟ ومن أين مصدر هذه الشجاعة؟
? – حين تكثر العقبات أمام المجاهدين ويرون الكثير من الناس يتخلون عنهم في مرحلة صعبة يكون فيها العد صاحب قوة كبيرة جدا، فهل الحكمة والموقف الصحيح يكون في التراجع والتحصن؟

هذه القضية هامة، أن يكون أرقى ما وصل إليه بنو إسرائيل تتحقق على أيدي هؤلاء {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة:251). سنة إلهية، التدافع، عندما يكون على المسلمين أن يقاتلوا أعداء الله، لأن هذا العمل يعتبر في إطار البشر بشكل عام يدخل ضمن سنة التدافع لأن معناه ضرب للمفسدين، أحيانًا داخل المفسدين هم لا يسمح لطرف من الأطراف أن يصل إلى درجة عالية من طغيانه وفساده، يهيئ طرفًا آخر يضربه حتى ولو كان منهم، لأن الله ذو فضل على العالمين، وهو رب العالمين جميعًا. بمعنى: أنه لا يتمادى الفساد بشكل رهيب، وهذا لا يحقق بالنسبة لجانب من يمثلون جنود الله فعندما يقعدون، لو حصل هذا التضارب بين هذا وهذا لا يحصل فرج إلا إذا كانوا هم في سبيل الله، ومتجهين للعمل في سبيل الله، تتحول الأشياء كلها بالشكل الذي يكون فيه سند لهم، وفتح مجالات أمامهم.
هذه القصة هامة جدًا فيما يتعلق بالمقصد كيف يجب أن يكون في وضعيتنا هذه، في مواجهة بني إسرائيل؟ نقول: نحن نعمل مثلكم الآن تمامًا، رجعنا إلى كتابنا ونبينا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) نقاتل في سبيل الله و{ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية246). أليست نفس العملية؟ لا يمكن يقولون: أبدًا. أن توجهونا إلى أشياء أخرى.. نحن فاهمون [اعمل لك عناوين ثانية، شكل لك حزب تنظيم سياسي، اعمل لك عناوين وطنية، اعمل لك جبهة تحرير كذا، أو جبهة الدفاع عن كذا..] لا. يجب أن نفهم، هذا درس من داخل بني إسرائيل أنفسهم الذين الناس الآن في مواجهة معهم.
ثم انظر ماذا يمكن أن يعمل الذين يتشدقون بوطنية؟ أليسوا هم تراجعوا ! الوطنيون أولئك هم هناك؟ الذين قالوا: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} (البقرة: من الآية246). تراجعوا فلم يقاتلوا لا في سبيل ديارهم، ولا في سبيل أبنائهم، عندما لم ينطلقوا في سبيل الله، وقالوا في سبيل الله ولم ينطلقوا بصدق، تراجعوا لكن الخلاصة منهم حققوا نتيجة هامة لم تتحقق لبني إسرائيل في تاريخهم ! ولا لأحد إلى الآن ما قد تحقق في تاريخ البشر مثل دولة سليمان، وملك سليمان فكان مفتاحه هذا العدد القليل الذين انطلقوا بصدق في سبيل الله.
هذا القائد يعتبر قائدًا عظيمًا جدًا أعني: قائدًا شجاعًا بشكل غير طبيعي ـ فعلًاـ طالوت، أنه بعدما ينفصل أول جزء من بني إسرائيل، ثم ثاني أغلبية كبيرة عندما شربوا من النهر، وينطلق ليواجه هذا الملك بجنوده، بعتاده، بكل طاقاته، وبعدد قليل أليست هذه تعتبر شجاعة عالية؟ وناس عندهم شجاعة عالية، وعندهم صبر، وعندهم ثقة بالله، لأن شجاعتك أحيانًا إذا ما هي مرتبطة بالله، الشجاعة تعتبر قوة لكن هي ستكون محدودة إذا لم تكن مرتبطة بالله، ودرس لكل المتراجعين، لكل الناس الذين يبدون حكماء أما هم، فهم أذكياء! أما أولئك فهم يريدون أن يورطوا أنفسهم، هؤلاء الذين شربوا من النهر أليسوا يعتبرون أولئك أنهم مغفلين؟ عندما يريدون أن يذهبوا لمواجهتهم، وهم ليسوا إلا قدر ثلاث مائة فيعتبرونهم مغفلين ليس لديهم حكمة! فتأتي النتيجة بالشكل الذي تخزيهم هم.
هذه تحكي وكأنها سنة إلهية لمن يتراجعون، وهم يسخرون من الآخرين وعندهم أنهم مغفلين، لأنهم يريدون أن يواجهوا دولة كبيرة وأشياء من هذه، تأتي انتصارات بشكل تخزيهم هم، يرون أنفسهم صغارًا، يرون كل آرائهم تلك التي يعتبرونها حكيمة أنها سخيفة. هذا من أول عذاب للقاعدين حينما يرى نفسه صغيرًا جدًا، يرى أراءه التي كان يعتبرها حكيمة، واتزان، ورؤية صحيحة أنها كلها كانت أراء لا تمثل شيئًا، وأنها كانت خطأ.

من شجاعتهم هنا أنهم برزوا لم يقولوا: إذا لم يبق إلا نحن إذًا نتخذ مواقع تحصينية كجبهة، لا. برزوا الميدان ألم يبرزوا؟ {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} (البقرة: من الآية250). يعني: ناس هؤلاء عجيبون فعلًا، ولهذا قدموا مثل أعلى في الموضوع هذا لبيان سنة إلهية، ولبيان قيمة أن ينطلق الناس لله، وفي سبيله، وأن يفهموا أنه عندما ينطلقون للجهاد من أجل الله، وفي سبيله يجب أن يكون هو الذي يختار قيادة، الله هو الذي يصطفي قيادة.
إذًا هذه القصة تبين لنا أهمية {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية190). أعني: لا يستجيب الإنسان لأي عناوين أخرى نهائيًا، أترك الآخرين يتفاعلون كيفما يتفاعلون، وترى عروضًا عسكرية من أجل الوطن، ويقبل بعضهم الوطن، أليس بعضهم يقبل الوطن؟ هذه ما منها شيء. كيف يمكن أن الله يقف معك، ويعينك، وأنت تؤثر التربة عليه! لا يصح هذا. أما هذا القتال في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله، هو في الأخير هو خير لكم، الخير أليس من الخير صيانة الأوطان والأعراض، والأموال، والممتلكات؟ أليست من الخير الذي يريده الناس؟ ألم تحقق هنا لبني إسرائيل.؟ وتحقق لهم ملك عظيم؟
فمن أهمية هذه أن الله في القرآن الكريم يزيح كلما يمكن أن تراه عقبات كبيرة أمامك فلا تكترث عندما تجد عدوًا كبيرًا، وتجد كثيرًا من الناس يتراجعون هذه لا تحسب لها حساب نهائيًا.
أليست هذه الصورة كانت بهذا الشكل هنا؟ تراجع الكثير وعدو كبير أمامهم، وهم قليل لكن كيف كانت النتيجة؟ نتيجة هامة لم تحقق ربما لو برز معهم الآلاف الذين تراجعوا من على النهر أنهم لأدوا إلى هزيمة منكرة. هذه القضية هامة في وعي الناس، وفي وعيهم أن يكونوا أولي بأس شديد. يجب أن تفهم بأن هؤلاء أناس يعرفون بأن الله هو يعمل أكثر مما يمكن أن يعملوه، ألم يقل هنا: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: من الآية249). وفي نفس الوقت لم يكن عندهم اكتراث بمن تراجعوا ولا اكتراث بالعدو، وهو الملك بكله بكامل جيشه.
العادة إذا كان الملك هو الذي يخرج يكون الجيش أكثر، ويكون العتاد أكثر من لو كان مجرد قائد آخر وأن المعركة رئيسية ومعركة فاصلة بمعنى: أنه كان معدًا لنفسه لمجتمع بني إسرائيل وللآلاف منهم، لأنه قد هؤلاء كبارهم ذهبوا هم وليس فقط أفراد منهم وهذه هي من الأشياء التي تجعل الكثير من الناس يتراجعون.
يلاحظ الناس يتخاذلون ويرى العدو كبيرًا وأخيرًا يقول: [ونحن ماذا نعمل ماذا يمكن أن نعمل ماذا نستطيع أن نعمل]؟ أليس هذا مثل يبين لك؟ لا. أن هذه الفكرة خطأ لو أنك تكترث بمن تراجعوا وتكترث بحجم العدو، اعرف بأنك تتحرك مع الله سبحانه وتعالى، وهو مع الصابرين. فاصبر، واعتمد عليه، وانطلق في سبيله، وستكون النتيجة بهذا الشكل، بهذا الشكل العجيب أعني: قضية من أغرب ما حصل في التاريخ، هذه القضية، قضية طالوت وجنوده.
هنا يحكي عن طالوت والقليل عندما قال: {وَالَّذِينَ مَعَهُ}. هي عبارة تفيد التقليل {مَعَهُ} هي عبارة توحي فعلًا بأنهم قليل، أنهم برزوا، أليس البعض يقول: [فكَّة] متى ما جاءوا، هو في الأخير في بيته سيترك بندقه وسوف يستلمهم عندما يصلوا إلى الباب.! هذه ليست صحيحة، أولياء الله يكونون بهذا الشكل: موطن نفسه أن يبرز هو، أما إذا هم سيصلون عند باب بيتك لا تصدق أنك سوف تتوفق، وأنت متخاذل من البداية، أنك سوف تتوفق أن يكون لك موقف قد أنت عارف أنك لو قتلت أحدًا فسوف يقتلونك، وسوف يدوسون البيت قد أحسن لك أن تسلم البندق، وأحسن لك أن تتسلم في الأخير سيحدث هكذا.. لا تتوفق عندما يقول البعض: لا، وأنه سيجلس في البيت!. إفهم بأن المؤمنين هكذا يجب أن يكون عندهم روحية أن يبرزوا هم {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} (البقرة: من الآية250).
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (البقرة:252). لاحظ هذه حقائق حقيقية، حق لا شك فيها. {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}. والمرسلون أليس لديهم مهام من النوعية هذه؟ المرسلون يكون مرسل ليقيم دين الله مثلما قال لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كواحد من المرسلين ألم يقل في آية آخرى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء: من الآية84).
حرض المؤمنين وذكر المؤمنين بمثل هذه. ورسول الله أليس هو رسول للناس جميعًا إلى آخر أيام الدنيا؟ وفي حركته فعلًا في حركة رسول الله (صلوات الله وعلى آله) أمثلة من هذه، ما حصل في يوم بدر شبيه بهذه تمامًا، ما حصل في يوم بدر عندما برز المؤمنون وهم قليل، وما زال فيهم نوع ربما أشد من ذلك أعني: أما هؤلاء نوعية متميزة بشكل عام {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} (آل عمران: من الآية123).

لكن موضوع القيادة تبدو تكون قضية هامة، قضية رئيسية في موضوع القتال في سبيل الله أنها قضية هامة وفي يوم بدر حقق انتصارًا كبيرًا، وكسرت شوكة الكفر، وقريش خرجوا كما قال الله عنهم: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} (الأنفال: من الآية47). يعني: غير مكترثين بتلك القلة، وغير مكترثين برسول الله ومن معه، وعندهم قوة، وعندهم شجاعة حصل مثلما حصل{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية251).
عندما يقول: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} (البقرة: من الآية252). يعني: أن الناس يثقون، أن نثق جميعًا في هذه لأن الله هو ما يزال حيًا قيومًا، أليس الله سبحانه وتعالى ما يزال حيًا قيومًا هو الذي دعاه بنو إسرائيل قبل الله أعلم، قبل كم، آلاف من السنين حدثت القصة هذه؟ هو ما يزال حيًا قيومًا، هل يمكن أننا نقول: أنه قد ضعف ملكه، أو قل جنوده، أو يتخلى عن أوليائه؟ لا يمكن هذا.
الله يوفقنا جميعًا لما فيه رضاه، ويجعلنا من المستنيرين بكتابه، ومن المستبصرين بهداه.
إلى هنا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.

السيد حسين بدر الدين الحوثي