صمود وانتصار

عن .. مظلة الفساد

 

السلطة ليست مغنما بأي حال ، وتولي المسؤولية ليست نزهة باي حال، والنجاح في موقع المسؤولية مجرد اداء واجب وسيظل مشوبا بالتقصير ، بينما الفشل في أداء الواجب يعتبر جريمة وعارا ، أما النزاهة والأمانة فإنها مبادئ جوهرية على المسؤول الالتزام بها وليست فضلا منه يشكر عليه، بينما الفساد والسرقة والتفريط يعد جريمة جسيمة يحاسب عليها حسابا عسيرا.

ومن هذا المنطلق، فان الهرولة وراء المناصب صغيرة كانت أو كبيرة، امر مخيف ومقلق، فلا يهرول الى المنصب ويصارع لأجل الحصول عليه الا طامعا في مكسب او شخصا يشعر بالنقص ويريد أن يكسب حظوة وجاه ، عدا من يمتلك مشروعا بداخله ويثق بإمكاناته و قدراته ويرى أن من واجبه أن يطرح نفسه لينفذ هذا المشروع في ذلك المجال أو تلك المؤسسة، وهو شخص قوي بما لديه في العادة ولا يمكن أن يقدم نفسه برخص وحين يطرح نفسه سيطرحها بقوة وثقة وسيطرح شروطه ومتطلبات نجاحه وسيفرض مشروعه وأفكاره بقوة .

إنما يأتي الفساد من غياب المشروع التصحيحي، وحين يصبح المال العام والهيكل الإداري والتنظيمي في متناول من هم ليسوا مؤهلين لا أخلاقيا ولا قيميا ولا معرفيا ولا من حيث الوعي أيضا.

الفساد نوعان ، فساد مالي وفساد إداري ، والثاني أخطر من الأول ، فالفساد المالي يمكن اكتشافه بمراجعة محاسبية سريعة وجادة ، أما الفساد الإداري فهو فساد مقنن أو اختيارات عشوائية للكوادر والقيادات ، أو إجراءت وتعاملات مثبتة بالعرف والعادة الشائعة ، وبالتالي يصعب تتبع هذا النوع و يصعب معالجته في حال تم اكتشافه.

حديث السيد القائد في خطاب المولد النبوي الشريف عن الفساد والمفسدين وبراءته منهم، فيها رسائل ودلالات عدة على أن المرحلة المقبلة لن تحتمل أن يستظل المفسدون تحت أي عناوين أو شعارات أو أطراف أو مكونات أو جهات ، مهما كانت قوتها ومهما كانت قداستها، وهي مرحلة استعادة المؤسسات عافيتها لتضطلع بدورها الجوهري في ضبط ايقاع الحياة العامة اقتصاديا في المقام الاول واداريا و سياسيا وامنيا .. الخ ، وهي غاية سامية ومقدسة يجب ان تبذل لأجلها جهود جبارة وتقدم تضحيات جسيمة .

لم نكن نحبذ ان يضطر السيد القائد حفظه الله إلى القول ” لن نكون مظلة للفاسدين ” ، بل كان حريا بالمعنيين ان يوفروا عليه مثل هذا القول من خلال التحرك الجاد والعملي منذ شهور ، أو من خلال برامج يجري تنفيذها وأن على مراحل ، لكن كما يبدو ان رأياً ما يستدعي أن يدخل هو بنفسه ليتبرأ من الفساد والمفسدين والمجرمين أيضا، بل ويقول ” من أي جهة كانت “.

الحكومة الآن معنية بأن تنزع المظلمة لتنكشف رؤوس الفساد ، وأن تنوب عن المكونات التي مثلت فيها ، وعليها أن تتحرك ولو بشكل تدريجي ومتأن في سبيل تنفيذ ما تعهدت به ولو كان متواضعا في سبيل الأولويات التي شكلت من أجلها وعلى رأسها رفع معاناة الناس جراء العدوان والحصار ، وبشتى الطرق والإمكانات وهي كثيرة ، ولعل أهم تلك الطرق تفعيل اجهزة الرقابة التابعة للدولة لتقوم بمهمتها في استئصال الفساد وتوفير ما يضيع من اموال بسبب الفساد سواء كان فسادا ماليا مباشرا أو إداريا خفيا .

ولعل من أهم صور الفساد التفريط ، التفريط بالإيرادات التهاون في خلق موارد التقصير في تحصيل الموارد، التعامل السيء والخاطئ مع الموارد والتضييق عليها والتسبب في تخريبها وتدميرها، اتخاذ خطوات واجراءات غير محسوبة تضر بالاقتصاد ، إغلاق قطاعات اقتصادية حيوية أو تجفيفها لأغراض انفعالية أو التعاطي بدون مسؤولية ولا وعي ولا دراسة مع مشاريع إيرادية جوهرية مما يؤدي الى خسارتها وفقدانها .

كل ذلك واكثر يستدعي بصيرة وحكمة ودراية من قبل الكوادر التي يتم اختيارها لإدارة المؤسسات ، ومن غير المنطقي ان يأتي من يقول ان كان هناك من يفعل كذا وكذا ، وكان السابقون يعينون كوادر غبية وتعلمت ، وكان السابقون يعبثون والدولة ماشية ، هذا ليس تبريرا ، بل انه مؤشر على ان هناك توجه لوراثة السابقين وليس للتغيير والتصحيح .

ونسأل الله اللطف والسلامة والتوفيق للجميع ..

بقلم / علي أحمد جاحز