صمود وانتصار

السيد حسين الحوثي : العالم والعرب قبل ميلاد الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله

أغلبيةُ البشر كانت تقابلُ رسالةَ الله بالتكذيبِ والرفضِ والتّعَنُّتِ، فما السبب في ذلك؟
كيف كانت وضعية العالم قبل ميلاد الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله.
كيف كانت وضعية العرب قبل ميلاد الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله.
كم هي المدة التي فصلت بين ولادة النبي وبين عذاب أصحاب الفيل؟ وما هي دلالة هذا التزامن؟

الأمم الماضية تعاملت مع أنبياء الله ورسالته بطريقة خاطئة
وقد كانت تجربة كثير من الأمم تجربة فاشلة، أودت بها إلى الهلاك والخسارة الرهيبة، وكان من أهم الأسباب ارتباط تلك الأمم بطواغيتها ومجرميها، وإعراضها عن الأنبياء وعن رسالة الله جل وعلا، مثل قوم نوح، ومثل عاد، ومثل ثمود، والفراعنة، وغيرهم من الأمم.
ففي كل مراحلِ التاريخ تعاملتِ الأممُ تجاهَ رسالةِ الله بطريقةٍ خاطئة كَذَّبَتْ وتَعَنَّتَتْ وسَخِرَتْ واستهزأت وأسَاءَتْ أيَّما إسَاءَةٍ إلى رسل الله وأنبيائه قال الله تعالى {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} وقال تعالى {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} وهكذا كانت أغلبيةُ البشر تقابلُ رسالةَ الله بالتكذيبِ والرفضِ والتّعَنُّتِ، وكان من أكبر الأسباب هو اتِّبَاعُ الأهواءِ والرغباتِ والشهوات، وتأثيرُ المخاوف من قوى الطاغوت، واتباعُ المترفين المستكبرين قال الله تعالى {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } وكان في طليعةِ المكذِّبين والمحاربين لرسالة الله الملأُ وهم المتحكِّمون المُتَسلِّطون من موقعِ الحكمِ والثروة، واقتدارِ السُّلطةِ والمال، والهيمنةِ بالظلم والطغيان قال الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} في قوم نوح {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} في عاد قوم هود {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} في ثمودَ قومِ صالحَ كذلك، وقومِ شعيب وغيرِهم، قوى الهيمنة المتسلطةُ ترى في رسالةِ الله بما فيها من الحقِّ والعدلِ والخيرِ خطرًا على مصالحها، وإنهاء لِهَيْمَنَتِهَا الظالمةِ المتجبرةِ والمستأثرة، فتتحرك ضدَّها، ويتحرك الكثير من الضعفاء معها، بعضُهُم بتأثير الأطماع، وبعضُهم بتأثير المخاوف، وبعضُهم بتأثيرِ الدِّعايةِ والتضليل، وبعضُهم بتأثيرِ العصبيةِ، وكلُّها تحتَ دائرةٍ واحدة هي الأهواء، وما أعظمَ خسارةَ الضعفاءِ الذين يتّبعون المستكبرين، وما أعظم حسرتَهم يومَ القيامة، حيثُ يتجلى خُسرانُهُم الفادح قال الله تعالى {وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }.

?عجلة الحياة تسير ونكبات البشرية استمرت نتيجة البعد عن هدى الله
عجلةُ الحياة تسير دون توقف، ونكبات البشريّةِ وويلاتُها ومعاناتُها استمرّت كذلك نتيجةَ هذا البعد عن الهدى وعن رسالة الله ورسله وتعاليم أنبيائه، جلبتِ البشريةُ في معظمِ مراحلِ التاريخِ على نفسِها الشقاء، هلكت أُممٌ تِلْوَ أُمم وضُرِبَتْ بسخط الله بأشكالٍ وألوانٍ من العذاب، الطوفانُ والصيحةُ والزلازلُ والخسفُ، وَنَزْعُ البركات، والتسليطُ للبعض على البعض، والفتن، وغيرُ ذلك قال الله تعالى {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} قليلون كانوا هم الذين آمنوا واستجابوا واتّبعوا رسالةَ الله والتزموا بتعاليمِ أنبيائه ودانُوا بدين الله الحق ونَهَوْا عن المنكر قال الله تعالى {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ }.

بنو إسرائيل وتجربتهم مع رسالات الله

 

في مراحل التاريخِ الأخيرةِ كانت رسالةُ الله إلى موسى وآمن به بنو إسرائيل وكان فيهمُ النبوة والكتاب وكانت تَجْرِبَتُهُمْ مع رسالةِ الله وتعاليمه على التفصيل الذي تضمنه القران الكريم بشأنهم، غلبت عليهم حالةُ الانحراف والتحريفِ، واضْطَهَدُوا أنبياءَهم والصّالحين منهم، حتى بعث الله عيسى بن مريم

عليه السلام، وكثير منهم كذبوه، وأساءوا إليه وتآمروا عليه، ولم ينفع فيهم ما أَيّدَهُ الله به من المعجزات، تَعَرّضّتْ شريعةُ عيسى عليه السلام للتحريف أيضًا.

?وضعية العالم قبل البعثة
تعاظمت الانحرافاتُ والخرافاتُ في واقع البشريّةِ حتى طُمِسَت معالمُ الحق وامتلأت الدنيا ظلما، وَسَادَها الشِّرْكُ والجهل، وانْتَشَرَتِ الرذائل وارتُكِبَتِ المآثم، وأَطْبَقَتْ على الأرض ظلماتُ الجهلِ والضلالِ والمفاسدِ والتظالم.
كان الوضع على مستوى العالم عموما وعلى مستوى العرب خصوصا وضعا مشين حالة ضلال رهيبة وحالة ضياع حالة فرقة حالة هوان اختلاف تناحر تشتت.
?وضعية العرب في الجزيرة العربية
وصلت حالة الضلال والجهل إلى أنه في الجزيرة العربية انتشرت حالة الشرك، الابتعاد عن الله جل وعلا والشرك بأصنام أخرى سواء أصنام من الحجر وأصنام من البشر وعفلة كبيرة عن الله جل وعلا.
من حالات الجهل والتخلف التي وصل إليها العرب آنذاك أن جعلوا من أحجار ينحتونها هم بأيديهم وأحيانا أخشاب وما شابه ذلك آلهة يتضرعون إليها يقدمون لها النذور يطلبون منها النصر يستشفعون بها يطلبون منه الغوث يطلبون منها دفع الضر وهذا كان غاية في الجهل والتخلف كيف يجعلون مما يصنعونه هم بأيديهم آلهة تعبد وترجى فهذا هو بسبب مدى البعد عن الله جل وعلا الغفلة الكبيرة عن الله جل وعلا.
أما في شؤون حياتهم كان هذا في جانب معين في جانب التضرع والتذلل في جانب طلب كشف الضر دفع الضر وفي جانب الترجي للخير والحصول على الخير في شؤون حياتهم وفي تدبير أمورهم كان يتحكم بهم حفنة من الطواغيت يعني كان هناك عبودية للجهتين أصنام حجرية لها شكل معين من العبادة هو التضرع هو طلب دفع الشر ودفع الضر هو طلب الخير.
نوع آخر من العبودية فيما يتعلق بشؤون الحياة كان هذا منوطا بحفنة من الطواغيت، بشر مضلون مفسدون ظالمون مجرمون، يلتف حولهم المجتمع ليتحكموا به وبشؤونه وبتدبير أموره وبالتنفيذ في كل قضاياه، يشرعون له ما شأوا، يمنعونه مما شأوا يفرضون عليه ما يريدون حسب أهوائهم وأمزجتهم.
وهذا كان له أثر سلبي مدمر في واقع الحياة فتحولت الأمة إلى أمة أو إلى ساحة للفسق ساحة للفجور ساحة للظلم وساحة للفقر الشديد حيث أصبحت ثروات الأمة بيد تلك الحفنة من الطواغيت يستعبدون الناس ويذلونهم ويقهرونهم فكان هذا أيضا نوع من أنواع العبودية نوع من أنواع العبودية للطواغيت لأصنام البشر أصنام البشر التي تتحكم بالناس في حياتهم وفي شؤونهم وفي تدبير أمورهم.
وأما هذه الحالة التي وصل فيها مستوى التخلف إلى أن تنعدم الرحمة وتنعدم الإنسانية ينعدم الضمير وصل الحال إلى أن يقوم الرجل بقتل أبنه طفله الصغير خشية الفقر خشية الإملاق إما خوفا عليه من أن ينشأ فقيرا أو لأنه يعيش في حالة الفقر وصلت الحالة إلى أن توأد البنات خشية العار وصل الحال إلى أن يكون غذائهم في غذائهم يأكلون الميتة كالحيوانات تماما كما الكلاب كما النسور كما غيرها.
عندما يفقد الناس دين الله ويبتعدون عنه يحصل تخلف وانحطاط لدى المجتمعات البشرية فتصير في مصاف الحيوانات كالأنعام بل هم أضل.
لا يجتمعون على كلمة مفرقون قبائل متناحرة متقاتلة يقتتلون على أتفه الأمور أحيانا على سباق بين بعيرين أو بين فرسين تحصل حروب كبيرة جدا وتهدر فيها الدماء والمقدرات لدى الأمة ضياع كانت الأمة تعيش حالة من الضياع في واقع حياتها ليس لها هدف ليس لها ما يجمع كلمتها ويوحد صفها ويلم شعفها ويبنيها أمة عزيزة قوية لها قضية عظيمة.
* * *
?ولهذه المرحلة الختامية أتى من الله نوره الأعظم
ولهذه المرحلة الختامية أتى من الله نورُه الأعظم برسولِه الخاتَمِ ورسالتِه الخَاتِمَة وكتابِه المجيد الخالد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} إنه مولدُ ومبعثُ ومجيءُ محمدِ بنِ عبد الله بنِ عبد المطلب بن هاشم في مكة البيتِ الحرام.

بعد أربعين يومًا من عذاب أصحاب الفيل الذين جاءوا لهدم الكعبة أول بيت لعبادة الله وضع في الأرض وفي يوم من أيام مكة المكرمة في الثاني عشـر من ربيع الأول ولد السراج المنير، البشير النذير، ولد المبعوث رحمة للعالمين، ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم من ولد إسماعيل (عليه السلام)، ولد شاهدًا بتوحيد الله، ولد ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولد استجابةً لدعوة نبي الله إبراهيم الخليل (عليه السلام) {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (البقرة:129).

الكون كله في فرح وسعادة وابتهاج بهذا المولود الجديد الذي تشع من وجهه الرحمة الإلهية والهيبة الربانية إنه حبيب الله اصطفاه على الناس أجمعين من خير أسرة يعيش مع أمه آمنة بنت وهب القرشية، ترضعه وترعاه في بيت سيد قريش جده عبد المطلب، تلاعبه وتناغيه وتحنو عليه، وهو يعتمد على يديه ركبتيه يحبو إليها ليرضع حتى ينام في حجرها ..