السيد حسين الحوثي : وجه الشبه بين علاقة قريش بالكعبة في الجاهلية الأولى وعلاقة آل سعود بالحرمين الشريفين في الجاهلية الثانية؟
? – ما وجه الشبه بين علاقة قريش بالكعبة في الجاهلية الأولى وعلاقة آل سعود بالحرمين الشريفين في الجاهلية الثانية؟
? – كانت ممانعة قريش للنبي كبيرة جدا في مرجلة الدعوة الأولى بمكة، فهل استطاع النبي أن يحقق أي إنجاز في تلك المرحلة؟
? – ما هو الأثر السلبي الذي تؤديه المقاييس المدية في نظرة الإنسان للأمور؟ وكيف كان أثرها على قريش؟
? – ما هي ميزات المجتمع المدن التي هيأته لاستقبال الرسالة الشريفة؟
? – ما الذي مثله مبيت علي في مضجع رسول الله حين عزم على الهجرة؟
ما الذي مثله عام الحزن لرسول الله صلوات الله عليه وآله؟
? – كان لقاء النبي صلوات الله عليه وآله بالإوس والخزرج منعطفا مهما في حياة الإسلام، فكيف ذلك؟
???????
?عام الحزن
إلا أن الفرحة لم تستمر طويلًا فإن أبا طالب الذي تخشاه قريش يغادرهم إلى جوار ربه راضيًا مرضيًا وقد آمن به وأسلم ونصر رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ويعم الحزن كل أحياء مكة وبيوتها.
ويقف رسول الله (صلوات الله عليه وآله) بجوار الجسد الطاهر ويقول بصوت حزين: كفلتني يتيمًا وربيتني صغيرًا ونصرتني كبيرًا فجزاك الله عني خيرًا. ثم يغسله ويكفنه وألم الفراق يملأ الأجواء ودفنه بيديه الطاهرتين فأصبحت قريش تتحين الفرصة.
وبينما الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في الأيام الأولى لفراق أبي طالب يرجع إلى زوجته التي تواسيه في كل محنة ولكنها ترقد على فراش المرض وعيناها تواسي رسول الله في مصابه بعمه وهي توشك أن تفارقه فمن يواسيه في مصابه بها فقد فاضت روح خديجة الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية فسألت فاطمة الزهراء أباها بعد الدفن: إلى أين ذهبت أمي؟
رسول الله (صلوات الله عليه وآله): ((إلى مقرها في الجنة مع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم)).
فتطمئن فاطمة (عليها السلام) وترجع مع أبيها إلى المنزل لتكون القلب الحنون الذي يواسي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إنها حقًا أم أبيها فها هي ترفع الشوك الذي وضعته امرأة أبي لهب على الباب، وها هي ترعاه وتحوطه بعناية فائقة واهتمام كبير وها هي كذلك تشاطره كل الآلام والأحزان وتبكي لذلك.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول لها: ((يا ابنتي لا تبكي فإن الله مانعي وناصري)).
إنه عام الحزن فكان (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول: ((ما نالت قريش مني شيئًا أكرهه حتى مات عمي أبو طالب)).
? اللقاء بالأوس والخزرج
وفي مواسم الحج كان رسول الله (صلوات الله عليه وآله) يدعو قبائل العرب قبيلة قبيلة.
ثم ذهب إلى القبائل قبيلة قبيلة فكانوا يرفضونه ويصدونه حتى وصل إلى ستة رجال من قبيلة يمنية هي الأوس والخزرج في يثرب.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عند جمرة العقبة: السلام عليكم يا أهل يثرب.
أسعد بن زرارة الخزرجي مستقبلًا: وعليك السلام.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): ((إني رسول الله لأدعو الناس إلى عبادة الله وألا يشركوا به شيئًا وأنزل عليَّ القرآن لأنذركم به ومن بلغ…. ثم تلا آيات من القرآن الكريم فأنصت القوم حتى سكت رسول الله (صلوات الله عليه وآله).
أهل يثرب: ما أعذب هذا الكلام يا قوم إن هذا رسول الله وما هذا الكلام إلا من عند الله.. نشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله. فبايعوه.
أهل يثرب: يا رسول الله ابعث معنا من يعلمنا ويفقهنا ويدعو قومنا إلى الإسلام.
رسول الله (صوات الله عليه وآله): ((سنبعث معكم مصعب بن عمير بن هاشم)).
فينطلق أهل يثرب بعد الموسم ومعهم مصعب بن عمير.
مصعب بن عمير – بعد ثلاثة أيام-: يا أهل يثرب إن رسول الله بعثني أدعوكم إلى عبادة الله وألا تشركوا به شيئًا.. وتلا عليهم من القرآن الكريم فأنصتوا فلما فرغ من التلاوة اقبلوا عليه يزدادون من التلاوة فيتلوا عليهم وهم منصتون بقلوبهم.
سعد بن معاذ: يا قوم إن هذا الكلام من عند الله وما جاء به إلا رسول من عند الله وإني كبيركم سعد بن معاذ أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فأسلم بعده المئات من أهل يثرب.
ولما جاء الموسم الثاني للحج خرج الكثير من أهل يثرب ليروا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويسمعوا منه القرآن ولما وصلوا إلى الحج لم يظهروا إسلامهم وفي ليلة من ليالي التشـريق اتفقوا مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) سرًا عند جمرة العقبة وهم ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان، وكان مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عمه العباس فتكلم العباس فقال الأنصار قد سمعنا ما قلت فليتكلم رسول الله (صلوات الله عليه وآله) ويأخذ لنفسه.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) تكلم وتلا من القرآن ورغبهم في الإسلام وقال: ((تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ونساءكم)).
البراء بن معرور: والذي بعثك لنا لنمنعنك مما نمنع منه ذرارينا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب.
وأمرهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يخرجوا منهم اثني عشـر كفيلًا.
رسول الله (صلوات الله عليه وآله): ((أنتم كفلاء قومكم ككفالة الحواريين لعيسـى بن مريم عليه السلام)).
وما أعظم وأفضل وأربح المدينة وأهلها وما أحقر واسوأ وأخسـر أهل مكة في تلك اللحظات التي يستنفر فيها أهلها لاغتيال رسول الله (صلوات الله عليه وآله) وفي نفس الوقت تستعد المدينة لاستقبال ونصرة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
?ووجه النبي بشكل كبير من مجتمع قريش
وهكذا ووجه النبي صلوات الله عليه وعلى آله بشكل كبير من بيئته ذاتها من محيطه نفسه من ذلك المجتمع الذي هو مجتمعه الذي ولد فيه ونشأ فيه وتربى فيه وعاش فيه ويعرفه جيدًا مجتمع قريش الذي كان يعيش وضعًا مريحًا ومختلفًا من بعض النواحي عن بعض المجتمعات في المنقطة العربية وغيرها بفضل شرف البيت الحرام وكرامة البيت الحرام الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم “لإيلاف قريش إيلا فهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف” مجتمع قريش كان يحظى باستقرار أمني اكثر من غيره من المجتمعات، المجتمعات الاخرى تحترم هذا المجتمع لوجود بيت الله الحرام هناك في مكة ويحظى باستقرار اقتصادي الله سبحانه وتعالى استجاب لدعوة نبيه ابراهيم وبحكمته ايضًا سبحانه وتعالى أراد لمكة أن يكون فيها الخير ورغد العيش وسعد المعيشة حتى يساعد ذلك على استقرار هناك لصالح الحجاج الذين يأمّون البيت الحرام ولصالح عمارة هذا المسجد الحرام بالطاعة والعبادة والذكر لله سبحانه وتعالى في اجواء آمنه ومستقرة على المستوى الامني وعلى المستوى الاقتصادي والمعيشي.
كان مشركو مكة يعتبرون لأنفسهم الفضل هم وليس لله ولبيته الحرام كما هو الحال اليوم من نظام آل سعود
وكما هي العادة كما نشاهد اليوم كان البعض من اولئك من كفار مكة ومن مشركي مكة كانوا يعتبرون لأنفسهم الفضل هم وليس لله ولبيته الحرام ولوجود بيته الحرام الفضل عليهم اليوم كما نشاهد النظام السعودي الذي يستغل البيت الحرام ويستغل فريضة الحج ويستغل العمرة أيضًا في الحصول على اموال هائلة جدًا باعتبارها اكبر معلم سياحي ديني في العام ولا يماثله معلمًا آخر ربما في التوافد إليه في الحرص على الوصول إليها في زيارته في الحج إليه، يستفيد منه الاموال الكثيرة يستفيد منه على مستويات أخرى يحاول ان يستغل سيطرته وهيمنته عليه حتى على المستوى السياسي وعلى سائر المستويات مع كل ذلك يتمنن وكانه هو من له المنّه في وجود البيت الحرام في مكة وكأنه هو الذي يخدم هذا البيت وليس يستغله ويكسب منه، والذي يعطيه لا يساوي شيئًا ابدًا بقدر ما يأخذهُ ويكسبهُ ويستفيده وهذا معلوم.
على كلٍ ذلك المجتمع وتلك البيئة القليل القليل منها هم الذين اسلموا هم الذين استجابوا لرسالة الله سبحانه وتعالى، هم الذين انفتحوا على دين الله سبحانه وتعالى ومبادئه وقيمه اما الاخرون فقد قال الله عنهم “لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون” لم يؤمن منهم إلا القليل الاكثر لم يؤمنوا حتى فيما بعد لم يدخل الايمان الى قلوبهم النبي صلوات الله عليه وعلى آله بالرغم من طيلة المدة التي قضاها في مكة ثلاثة عشر عامًا كما في بعض الاخبار والروايات لم يؤمن إلا دون الالف مع بعض الاحصائيات مع جهدٍ كبيرٍ بذلهُ هناك.
?النبي لم يفشل فقد حقق نتائج مهمة جدًا في مكة
ولكنه لم يفشل فقد حقق نتائج مهمة جدًا في مكة اول نتيجة هي نتيجة مهمة للغاية انه اوصل صوته اوصل صدى هذا الدين الجديد هذا الاسلام المستجد في تلك البيئة وإلا فالإسلام هو رسالة الله ودينه لأنبيائه جميعًا، اوصل صدى وصوت هذا الدين الى كل انحاء الجزيرة التي كانت تتوافد منها الوفود للحج الى بيت الله الحرام لأن الحج كان باقيًا منذ نبي الله ابراهيم في الوسط العربي كان العرب ما يزالون يحجون حتى في عصر الجاهلية وبالتالي كانت الوفود القادمة الى مكة للحج وللتجارة كانت تسمع بهذا الدين تعرف مبادئه يلتقي بها النبي صلوات الله عليه وعلى آله يعرفها بالإسلام يدعوها إلى الله إلى دينه المجيد وهذا كان له أهمية كبيرة فيما بعد لان وصول هذا الصوت الى الاخرين مهم جدًا يهيئهم فيما بعد للاستجابة عن معرفة الكثير قد تحول بينهم وبين الاستجابة عوائق معينة لكن حينما يكونون قد عرفوا وتزول تلك العوائق يكونون جاهزين للدخول في الاسلام وهذا ما حدث في الاسلام وهذا ما حدث فيما بعد، بعد زوال بعض العوائق والموانع التي تؤثر على البعض بينما لا يتأثر بها البعض الآخر على كل حال قريش بأكثرها الا القليل واجهة الرسول ورسالته بالتكذيب والصد والافتراء والاستهداف على كل المستويات والدعايات المتنوعة وكل اشكال الصد والتكذيب، قالوا عنه انه كذاب قالوا انه ساحر قالوا انه افترى على الله قالوا عنه انه مجنون قالوا الكثير من الدعايات والاتهامات التي استهدفوا بها شخصية النبي صلوات الله عليه وعلى آله وهم يعرفونه هم كانوا يسمونه بالصادق الامين اضافة الى ذلك هم واجهوا كثيرًا من مبادئ الرسالة ومن ضمنها مبدأ المعاد، مبدأ التوحيد جملة من المبادئ المهمة والاساسية في الرسالة واجهوها ايضًا بالتكذيب وبالجدل وبالخصام الى غير ذلك.
?قلق قريش يزداد
ولكن مع كل ذلك كانوا يلحظون هم أن بنيان هذا الدين يزداد صلابةً وقوةً واتساعًا فزاد قلقهم وبذلك انتقلوا في مؤامراتهم الى محطة اخرى سيما بعد رحيل من كان دور اساسي في حماية النبي صلوات الله عليه وعلى آله مثال ابي طالب اتجهوا الى التآمر المباشر على شخصية النبي صلوات الله عليه وعلى آله في مرحلة كان الله سبحانه وتعالى قد هيأ فيها لهذا النبي مرحلة جديدة في تاريخ الاسلام ومرحلة مهمة بعد اشراف المرحلة الاولى على الاكتمال، المرحلة التي تسمى بالمرحلة المكية كان فيها ثلاثة اشياء مهمة جدًا قد تحققت المسألة الاولى هي ان مكة كمركز مهم للتوافد اليه من شتى انحاء الجزيرة قد قدم خدمة كبيرة فذاع فيها صيت الاسلام ووصل فيها صوت الرسول واصبح معروف بالشكل المهم والمطلوب واللازم في الجزيرة العربية بشكل عام.
اضافة الى بناء اللبنة الاولى للجماعة المسلمة التي سيكون لها دور اساس من المهاجرين الذين هاجروا مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الى المدينة.
إضافة الى ذلك تهيئة بيئة جديدة قابلة وحاضنة للإسلام هم الانصار الاوس والخزرج الذين من خلال توافدهم الى مكة للحج عرفوا بالرسالة وسمعوا من النبي صلوات الله عليه وعلى آله وبينهم روابط عشائرية مع النبي صلوات الله عليه وعلى آله وهم اخوال والده وبالتالي كانت البيئة الجديدة التي كان قد عمل النبي صلوات الله عليه وعلى آله قد عمل على تهيئتها وأرسل إليها بعض المهاجرين ليهيئوها أكثر وينشروا الاسلام فيها ويعملوا على تهيئتها بشكل مناسب لاستقبال الرسول واستقبال هذا الدين ونصرته.
?كان المجتمع المكي أمام شرف عظيم جدًا
فأكثرية هذا المجتمع عندما أتى الإسلام وبُعث الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، كان لهذا المجتمع فرصة مهمة جدًا أن يكون هو النواة الأولى التي يتشكل منها المجتمع الإسلامي، وتبنى من خلالها الرسالة الإسلامية بكلها، وأن يكون القدوة لبقية المجتمعات والحامل الأول لهذا المشروع العظيم، فيشرف بهذا الشرف، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى، عن رسالته عن كتابه، عن قرآنية: {وإنه لذكر لك ولقومك}، شرف كبير، مشروع عزة، مشروع كرامة، مشروع ارتقاء. ولكن هذا المجتمع لم يستفد من هذه الفرصة، لم يقبل بهذا الشرف حتى لم يرَ فيه شرفًا، كانت موازينه مختلة، رؤيته عمياء، فهمه للأشياء فهم مغلوط، فكانت عنده حالة الاستكبار، الارتباط بالمستكبرين، المستكبرون أنفسهم كانوا هم في الطليعة صادِّين ومستكبرين ومعارضين ومثبِّطين ومعادين بكل ما تعنيه الكلمة، وكانت لهم دوافعهم الاستكبارية بالطبع، يقولون فيما يقولون: {أأنزل عليه الذكر من بيننا}، كيف ينزل عليه وليس أثرانا مالًا، ولا أقوانا سلطةً، فكيف ينزل عليه الذكر، القرآن الوحي الإلهي من بيننا؛ لأنهم كانوا يرون قيمة الإنسان، وأحقيته بالاتباع بقدر ما لديه من ثروة، من قوة، من إمكانات، حينها يرون فيه هو الذي يجب أن يُتَّبع، {أأنزل عليه الذكر من بيننا}، ليس عندهم اعتبارات للقيمة الإنسانية والقيمة الأخلاقية التي تؤهل لحمل هذا المشروع بما يؤهل الله بها رسله وأنبياءه.
المجتمع من حولهم يقول كذلك، وقالوا: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}، كان هناك في مكة، وهناك في الطائف أثرياء، هناك زعامات ثرية، لها سلطة، لها تأثير، لها أتباع، لها قوة، لماذا لم ينزل عليه القرآن، هذه النظرة الغبية والجاهلة، هذه النظرة التي كان تقدم الاقتراحات والاعتراضات في نزول الوحي على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وعلى حركته بالرسالة، بهذه الاعتبارات وبهذه المقاييس المادية.
{لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا}، نريد منك أشياء مادية حتى نرى وزنك فيها، قيمتك فيها، أحقيتك بالاتباع من خلالها، أحيانًا يقولون: {أو يلقى إليه كنز} {وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرًا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنَّة} يعني: لماذا لا يمتلك مثل هذه الأشياء؟ حينها سنتبعه، عندما يصبح معه كنز وثروات، ننجذب إليه بفعل ما معه من ثروة، ما معه من إمكانات.
في حالة من الحالات قالوا له: {أو يكون له بيت من زخرف} لماذا لا يكون لديك قصر من الذهب، فنرى بريق الذهب فننجذب إليك وننجذب إلى رسالتك ونؤمن بك بقدر ما نرى من بريق ذهب قصرك.
أي نظرة هذه؟! هي النظرة السائدة لدى الكثير من الناس، فلا ينجذبون إلاَّ لهذه العوامل، وبهذه المؤثرات، هذا أثَّر عليهم، أثَّر على ذلك المجتمع فوصل إلى درجة قال الله سبحانه وتعالى عنها: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون}.
الأكثرية في هذا المجتمع وصلوا إلى درجة الخذلان والعمى الرهيب والامتناع الكلي والانصراف الشامل عن تقبُّل هذا الدين، عن تقبل هذا الحق، عن الإقبال إلى هذه الرسالة الإلهية التي فيها كل الشرف وفيها كل الخير، فلم يروا عظيمًا إلا أبا جهل، وإلا أبا سفيان، وإلا تلك الشخصيات والزعامات التي كان لها سلطة وثروة، كانوا يرون فيهم العظماء، ولا يرون القيمة في غير ذلك.
???
?وهنا أتى من الله قرار بالهجرة
في ظرف كهذا، في مجتمع كهذا، في بيئة كهذه هي بيئة ضياع، بيئة غير قابلة أن تحمل رسالة الله، أن تتقبَّل وتنفتح على المبادئ، هذه بيئة حيوانية، بيئة غريزية، الناس فيها لا يلتفتون ولا يتأثرون إلا بدافع الماديات والأطماع فقط، يريدون أموالًا، يريدون ذهبًا، يريدون تجارة، يريدون مصالح مادية ومكاسب مادية على نحوٍ أعمى بانفصال كامل عن المبادئ والقيم والأخلاق.
لم تَعُد أرضية صالحة لأن ينشأ فيها نبت الإسلام الطيِّب، فلذلك أتى قرار بالهجرة أمرًا من الله سبحانه وتعالى في آيات متعددة في القرآن الكريم: {فتولى عنهم فما أنت بملوم}، وآيات كثيرة في القرآن الكريم أتى فيها الإذن بالهجرة، في المقابل سنة الله في الاستبدال قائمة والمشروع الإلهي لا يتعطل، إذا كان هناك مجتمع منغلق، خانع وخاضع للمستكبرين، يعيش التعبية العمياء، والانغلاق التام، لا يسمع ولا يبصر، لا يهتدي، لا يذعن للحق، لا يقبل بالنور، فسنة الله في الاستبدال قائمة، تأتي مجتمعات أخرى، مجتمعات مختلفة تمامًا، مجتمعات تبصر، تسمع للحق، تتقبل الحق، لديها في واقعها النفسي والمعنوي ما يؤهلها للانفتاح على هذا الحق،
بعيدًا عن مجتمع مكة.. كان هناك مجتمع آخر، هو مجتمع المدينة، مدينة يثرب المدينة المنورة، في هذا المجتمع قبيلتان يمنيتان هما: الأوس والخزرج، كان لهما الشرف الكبير والفضل العظيم، والدور التاريخي المُهِمّ. هذا المجتمع المكون من هاتين القبيلتين من الأوس والخزرج؛ اختاره الله سبحانه وتعالى بديلًا عن ذلك المجتمع.
ودخل هذا المجتمع.. دخل التاريخ من أوسع أبوابه، فكان هو المجتمع الذي آوى، وكان هو الأرضية التي نبت فيها نبت الإسلام العظيم والطيب، وكان هو المجتمع الذي شكَّل اللبنة الفاعلة والصلبة والقوية لنشوء الكيان الإسلامي، فهو المجتمع الذي آوى واستقبل المهاجرين، آوى الرسول ونصره واستقبل المهاجرين، وشكَّل مع المهاجرين نواة عظيمة وصلبة وقوية لحمل راية الإسلام، فكان له ميزات مهمة.
?بعض مميزات المجتمع المدني
ونأتي إلى بعض الميزات لهذا المجتمع من خلال نص قرآنيّ ونص نبويّ، النص القرآني يقول الله سبحانه وتعالى – بعدما تحدث عن المهاجرين تحدث عن الأنصار -: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
المجتمع في مكة كان مجتمع طمع، مجتمع مادي، مجتمع يلهث وراء أن يأخذ بأي حال بأي أسلوب بأي طريقة، المجتمع في المدينة – مجتمع الأوس والخزرج – كان مجتمعًا معطاءً، مجتمعًا كريمًا، مجتمعًا سخيًا، فكانت هاتان الحالتان تشكلان عاملًا مهمًا في الفوارق الكبيرة بين مجتمع جدير ومهيئ وقابل لحمل هذه الرسالة، ومجتمع ليس مستعدًا لتقبُّلها.
المجتمع هذا كان على درجة عالية من الاستعداد للتضحية والبذل والعطاء، مجتمعًا كريمًا وسخيًا بكل ما تعنيه الكلمة، كان في استعداده للعطاء، في استعداده للتضحية، في استعداده للبذل، فيما يقدم، فيما يعطي، كان إلى مستوى هذه الدرجة الفريدة العظيمة المهمة {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.
قد يُعطي الغني وهو متمكن، ويعطي قليلًا مما لديه من ثروة، وضمن حساباته التي يرى فيها أنما أعطاه لا يؤثر على ثروته وإمكاناته، لكن الحالة التي يؤثر الإنسان فيها على نفسه.. على نفسه.. هي الحالة التي يقدم فيها لقضيته، يقدم فيها لمبادئه، لأخلاقه، يقدم فيها على حساب مصلحته الشخصية، وهل الإنسان خاسر في هذا؟ لا.
هؤلاء الذين هم أهل عطاء، هؤلاء الذين يحملون روحية العطاء بكل أشكاله هم البناة الحقيقيون للمجتمعات الكبرى، هم الفعَّالون، والمؤهلون لحمل القضايا الكبيرة، والمواقف العظيمة والمهمة، هم الاستثنائيون في التاريخ، هم البُنَاةُ، هم المؤسسون، هم الذين يصلحون لأن يكونوا رافعةً حقيقية للمشاريع الكبرى والمهمة، هم الفعَّالون والعمليون، أما أولئك فمكبَّلون بالشُّحّ، بالطمع، بالجشع، بالحرص، لا يؤهلهم ذلك لأن يكونوا راقين، إنما يهيئهم لأن يكونوا منحطين؛ لأن الطمع والجشع يذلُّ الإنسان، الطمع كما قال الإمام علي عليه السلام: ((رقٌّ مؤبَّد))، رِقّ، عبودية، الطمع هو مهانة، هو خزي، هو خِسَّة، هو انحطاط، هو دناءة، الطَّمع الأعمى والجشع يهين الإنسان، يذل الإنسان، يجعل الإنسان يخضع للباطل أو يتَّجه في صف الظالمين والمستكبرين فيمارس معهم وفي صفِّهم أي جرائم، وأي فظائع مهما كانت؛ لينال شيئًا منهم.
أما أولئك الذين يحملون روحية العطاء والبذل، هو يفكر في كيف يقدم، وهو يقدم حتى في الظروف الصعبة جدًا، هؤلاء هم الصابرون، هم الاستثنائيون، هم الأقدرون على حمل المشاريع المهمة والكبرى، هذه ميزة، ميزة هيأتهم لحمل الرسالة الإلهية.
النص النبوي فيما روي عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وهو يقول لهم.. يثني عليهم: ((إنكم ما علمتم)) يعني كما أنتم تعلمون وتعرفون أنفسكم ((تكثرون عن الفزع، وتقلون عند الطمع))، الله أكبر ما أعظم هذه الصفة! رجال! رجال بما تعنيه الكلمة، تكثرون عند الفزع، عند الأخطار، وعند التحديات، تهبُّون وتتحركون وتظهرون وتأتون وتهبُّون. أما إذا المسألة مسألة أطماع ومصالح شخصية تقلُّون. ليس هناك ازدحام من جانبهم، إذا المسألة مسألة غنيمة أو مكاسب مادية، ليس هناك ذلك الازدحام، وذلك التهافت.
كانوا على هذا المستوى، كما قالوا هم عن أنفسهم – يخاطبون رسول الله -: ((وإنا لَصُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء))، كانت هذه المواصفات المهمة والروحية العالية التي أهَّلتهم لأن يكون المجتمع الذي يحمل رسالة الله، يحمل راية الإسلام، يأوي وينصر ويستقبل ويحتضن ويتحرك بكل جديَّة، يعطي لهذه الرسالة كل شيء، يعطي النفس، يعطي المال، ولكنه في المقابل كسب كل شيء، كسب رضا الله، كسب العزّ الأبديّ، كسب الشرف الذي لا يساويه شرف، كسب المكانة التاريخية، وحقّق الكثير، وحقق الله على يديه الكثير.
?الأنصار نالوا الشرف العظيم
الانصار هؤلاء الاوس والخزرج القبيلتان اليمانيتان نالوا هم الشرف العظيم الذي خسرهُ مجتمع قريش في اكثره مجتمع قرش في اكثر الذي واجه الرسالة والرسول بالخصام الالد بالنكران والتكذيب بالكفر والعناد بالبغضاء والاحقاد بالتصلب كان هناك مجتمع بديل وكما قال الله سبحانه وتعالى “وإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين” وهنا نستذكر هذه المنقبة التي ينبغي ان يتطلع إليها شعبنا اليمني العظيم بصفحة بيضاء صفحة عظيمةٍ في تاريخه، الانصار الذين هم من اصل يمني من اليمانيين هم حضوا بهذا الشرف، شرف ان يكونوا هم البيئة التي تنصر وتأوي وتؤيد وتحمل لواء الحق والعدالة وتحمل قيم الاسلام وتستقبل الرسول الذي اراد قومه في مكة قتله وتآمروا عليه حتى شخصيًا وتنكروا لرسالته العظيمة هيأ الله لهؤلاء الانصار اليمانيين أن يكونوا هم من يؤمنون من ينصرون من يأوون من يتقبل هذه الرسالة بكل رحابة صدر ومحبة وعشق واخلاص وصدقٍ ومودة فحضوا بشرف عظيم ما بعده شرف.
?ولنترك الرواية للمؤرخين:
لما علمت قريش ما كان من الأنصار ومبايعتهم للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) اشتد أذاهم على من بمكة من المسلمين فأمرهم رسول الله بالهجرة إلى المدينة وهذه صفة القائد العظيم الذي يهتم بأمته ويرأف بهم فبادر بعضهم إليها في خفاء وتستر ونزلوا على الأنصار في دورهم فأكرموا نزلهم وآووهم فلما علمت قريش أحسو بالخطر وأرادوا أن يتلافوا الأمر قبل أن يفلت من أيديهم حسب زعمهم فعقدوا اجتماعًا طارئًا في دار الندوة الذي كانوا يجتمعون فيه حضره جميع زعماء قريش ومشائخها.
فقال خطيبهم: يا قوم إن أمر محمد قد ذاع في البلدان وباتت الأمور تخرج عن نِطاق السيطرة فأوجدوا لنا حلًا.
أمية بن خلف: نحبس محمدًا حتى يذوق طعم المنون.
أحد الزعماء: بئس الرأي هذا الرأي إنه سيثير سخط المسلمين علينا وقد يأتي من يخرجه من بيننا.
فقال عتبه وأبو سفيان: نركب محمدًا على ذلول صعب فنوثق رباطه عليه فنخرجه من مكة فيقطعه في الشعاب والأودية أو يتيه في الصحراء فيموت.
أبو جهل: إني قد رأيت لكم رأيًا سديدًا.
القوم: ما هو يا أبا جهل أخبرنا.
أبو جهل: نختار من كل قبيلة رجلًا متقلدًا سيفًا حسامًا حتى إذا غسق الليل هجموا عليه في بيته وضربوه ضربة رجل واحد فيريحونا منه.
القوم: إن بني هاشم ستقوم بثأره.
أبو جهل: كلا يا قوم إن دمه سيتفرق بين القبائل فلا تستطيع بنو هاشم الأخذ بثأره فلا يجدون بدًا من القبول بالدية.
القوم: نعم الرأي رأيك يا أبا جهل.
بدأ العمل بالتخطيط لهذه الجريمة والاعداد لها ظنًا منهم أن هذه الجريمة ستريحهم وسيتخلصون من محمد ودعوته متجاهلين قوة الله القاهر وشدة بطشه وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء سبحانه وتعالى فقد نجى أنبياءه في أحلك الظروف وأشدها فقد نجى نوحًا وإبراهيم وموسى وسائر الأنبياء عليهم السلام.
وفي أجواءٍ من السرية والتكتم كان يخطط زعماء قريش ولا يعلمون أن الله يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. أرسل الله أمين الوحي جبريل (عليه السلام) في رسالة عاجلة تكشف لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ما خفي عنه فأخبره جبريل بالخبر وتلا عليه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30).
أذن الله لرسوله بالهجرة إلى المدينة فأخبر وصيه وخليله وأمين سره الفتى الشجاع الإمام علي عليه السلام بهذه المؤامرة.
الرسول الأكرم (صلوات الله عليه وعلى آله): ((يا علي أوحى إلي ربي أن أهجر دار قومي وأنطلق إلى غار ثور وأن آمرك بالمبيت بمضجعي ليخفى عليهم أمري)).
علي: أوتسلمن بمبيتي يا نبي الله.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): ((نعم)).
علي (عليه السلام): مبتسمًا ثم يهوي إلى الأرض ساجدًا شكرًا لله لمَّا بشـره رسول الله بسلامته.
فلما رفع راسه قال امض فيما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي وأمرني بما شئت.
فقال: ((ارقد على فراشي واشتمل ببردتي الحضرمي وقد امتحنك الله يا بن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن الله خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل فصبرًا صبرًا فإن رحمة الله قريب من المحسنين))، ثم ضمه إلى صدره وبكى فأنزل الله في علي: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشـْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة:207).
???????