السيد حسين الحوثي : يتحدث عن التحالف الاسلامي .؟
? – ما الأثر المباشر للتفرق الذي يظهر بين الناس في حياتهم العادية؟
? – كيف تقدم الوحدة الإسلامية اليوم في الساحة؟ ولماذا كان هذا التقديم مشروعا فاشلا؟
? – كيف ينبغي أن نقدم الوحدة كمشروع ناجح قابل للتطبيق؟
???????
{وَاعْتَصِمُوا} [واو الجماعة] يفيد اعتصام جماعي {بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} أليست هذه ثلاث عبارات؟ هذا التأكيد من قبل الله سبحانه وتعالى يوحي بل يدل بما لا غبار عليه أن هذه القضية لا بد منها لأي أمة في أن يتحقق لها الاعتصام بحبل الله؛ فتكون في مستوى أن يسود فيها دين الله، في مستوى أن تواجه أعداء الله، لابد أن تكون متوحدة. ونحن نلمس آثار التفرق في حياتنا، كيف تضيع كثير من قيم الدين في حياتنا، ليس شيء من أسباب ضياعها إلا تفرقنا، تسود قيم فاسدة، يسود ضلال، يسود ظلم، تحدث ظواهر كثيرة من الفساد والظلم، وليس هناك سبب صريح في سيادتها في أوساط المجتمع إلا تفرقنا، أليس هذا واردا وحاصلا؟
متى ما تفرقت قرية واحدة أمكن أن يظهر فيها فساد، وينتشر حتى يصل كل بيت فيها، توحد الكلمة لا بد منه في ميدان مواجهة أعداء الله، لابد منه في تطبيق دين الله في المجتمع، لابد منه في أن تبرز أنت كفرد ملتزما بدين الله، متى ما حصلت فرقة في الأمة ما الذي سيحصل؟ ستكون النتيجة أنه هذا فاسد، وهذا مقصر، الجميع عند الله ماذا؟ يستوجبون غضبه، الجميع عند الله عاصين. من الذي يتصور أن يكون هناك مجتمعًا متفرقًا يمكن أن يكون متقيًا لله كامل التقوى، لا يحصل هذا. أنت أقل أحوالك إذا لم تكن أنت فاسد في حد ذاتك فأنت عنصر مساعد على الفساد أن ينتشر في مجتمعك لماذا؟ لسكوتي، لتقصيري، لإهمالي، لانزوائي بمفردي.
ولأهمية الموضوع كلنا نقول: [لو أن كلمتنا واحدة ما من حصل كذا وكذا، لو كلمتنا واحدة ما انتشر الفساد في المنطقة الفلانية، لو كلمتنا واحدة لما كان مدرس أو مدير يلعب كيفما يشاء]. ما الناس يقولون هذا؟ يعرفون هذا؟ [لو أن الكلمة واحدة]. كلمة من؟! الناس يقرون بأن تقصيرهم هم، وهم الذين لم ينطلق من جانبهم هذا العمل التخريبي، وهذا العمل الفاسد، يقرون بأن إهمالهم هو مما ساعد على انتشار الفساد، وظهور الفساد، وظهور الظلم، وغياب مبادئ الإسلام.
أي في الأخير لا أحد يستطيع أن يحكم لنفسه في مجتمع متفرق أنه ملتزم بدين الله؛ لأن أقل ما أنت عليه هو أنك مقصر، هو أنك لا تأمر بمعروف، لا تنهى عن منكر، لا تتعاون مع أخ على بر ولا تقوى، أنك منزوي على نفسك إذا فأنت عامل مساعد على ظهور الفساد، وانتشار الفساد. الاعتصام الجماعي بحبل الله لابد منه حتى بالنسبة لكل فرد في أن يصح أن يقال بأنه ملتزم بدين الله، أنه متقي لله، أنه مطيع لله، ولا ينطلق واحد من منطلق آخر.
اذكر بحين واحد من الكبار قلنا له: المفروض أن الناس يحاولون أن يعملوا جميعا، في أن تتوحد الكلمة – وهذا كان في بلد آخر غير بلادنا هذه قبل ربما عشرين سنة – قال: [أما أنا، أنا متوحد، الآخرين يتوحدوا معي، يأتوا الناس يتوحدوا معي]!
هذه النظرة غير طبيعية، غير صحيحة أنت تنطلق تتوحد مع الآخرين، حاول أن تعزز في المجتمع كل ما يؤدي به إلى الوحدة في العلاقات، والروابط، والقيم، أنت اعمل في هذا الميدان، أنت تحرك في هذا الميدان، أن تحقق داخل الأمة الاعتصام بحبل الله جميعًا.
البشر كلهم يعرفون أهمية التوحد، لكن تختلف النظرة إلى كيف تكون هذه الوحدة التي ستحقق هذه النتيجة المهمة. القوميون كانوا يهتفون بوحدة عربية، ومن منطلق أننا أمة عربية لغتها واحدة، أمة عربية على صعيد واحد، المنطقة الجغرافية لها هي واحدة، بقي هذا الصوت فترة طويلة ولكنه غاب ولم يكن مجديًا، وحدة قومية، ووحدة عربية، كقوم كعرب، ليس على أساس من الدين بل على أساس من العروبة أننا عرب؟
تنطلق أيضا هتافات وحدة [أن ننطلق على نهج السلف الصالح] وهم الذين يسمونهم السلف الصالح هم من لعب بالأمة هذه، هم من أسس ظلم الأمة، وفرق الأمة؛ لأن أبرز شخصية تطلع في ذهن من يقول السلف الصالح يعني أبو بكر وعمر عثمان معاوية عائشة عمرو بن العاص المغيرة بن شعبة وهذه النوعية هم السلف الصالح! هذه أيضًا فاشلة.
نتوحد على أساس – وهي أرقى ما يطرح في الساحة – على أساس [أن يرجع الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله لكن من المنظار المحدد لديهم، ووفق القواعد المحددة لديهم، ومن المنافذ التي عن طريقها، وقد رسموها أن تمر من خلالها لتكون متمسك بالكتاب والسنة.
أو أن ندعو إلى الوحدة، ما كل مسلم يدعو إلى الوحدة – حتى ولو باسم وحدة دينية – لكن ونحن في مناهجنا، في ثقافتنا نعزز حالة التفرق في أوساطنا، فيطلع هذا الشخص الذي يقرأ سنة بعد سنة مع شخص أخر وثالث ورابع يطلعون متفرقين دينًا، من منطلق أن لهذا حق هو أن ينطلق وفق ما يقتضيه نظره، وعلى ما أداه إليه اجتهاده، ويتعبد بما غلب في ظنه، ثم في الأخير يرى – دينًا – بأنه لا يجوز له أن يقلد أحدًا، لا من الماضين ولا من الحاضرين، فلا يجوز أن يقلد هذا، ولا يقلد هذا، ولا يتبع هذا، ولا يستمسك بهذا. الثقافة التي نطرحها ثقافة في أوساط المسلمين ونحن نتعلم الدين تجعل كل شخص منا يطلع بمفرده، ثقافة لا تعزز روحية الاعتصام بحبل الله جميعًا.
حبل الله هو هداه، هداه هو دينه، دينه هو خط واحد وحبل واحد. عندما نأتي نفرق دينه بشكل مواقف وأحكام فتطلع حبال متعددة تأتي النتيجة في الأخير أنت تمسك من عندك بحبل وأنا أمسك من عندي بحبل، وهذا يمسك من عنده بحبل، نكون في الواقع غير متمسكين بحبل الله إلا طرف واحد، يكون فقط طرف واحد هو المستمسك بحبل الله، والآخرين يمسكون حبالًا وهمية ليست حبال الله؛ ولهذا يرونها لم تنزعهم من هوة الضلال والكفر والذلة.
[فالوحدة بين المسلمين التي تقدم في الساحة] إما أن نهتف بها ونحن نعمل على صعيد الواقع إلى ما يعارضها ويضادها في أهدافها وفي نتيجتها، أو أن نقدمها بشكل ناقص ونحن نتحدث عنها.
الله هنا في هذه الآيات الكريمة حدد بوضوح بيِّن لا غبار عليه كيف هي الوحدة المجدية، كيف هي الوحدة التي تعطي ثمرتها، التي تنطلق فيها أمة، ينطلق فيها مجتمع على أساس من الاعتصام الجماعي بحبل واحد، أي منهج واحد، موقف واحد، خطة واحدة، عَلَم واحد، قيادة واحدة.
ليس هناك أدق تعبير في فردية الشيء من كلمة {حَبْلِ} حبل واحد. لو قال مثلا: [واعتصموا بشجرة الله] قد نتصور بأنه كل واحد سيمسك بغصن هذا يمسك بغصن، وهذا بغصن، وهذا بعرق منها.. حبل واحد لا يوجد أدق من هذه العبارة في أن تعطينا فهم أن الطريق هي واحدة فقط، وقناة واحدة فقط، ومنهج واحد فقط، منهج واحد يُقدم في ساحة العمل، منهج واحد يستطيع أن تكون ثمرته واحدة يطلِّع أشخاص على قلب رجل واحد.
انظر إلى مدارسنا نحن الزيدية ماذا تقرأ فيها؟ تقرأ فيها ما يجعلك من أول ما يتفتح ذهنك لفهم المسائل تنطلق لحالك، ويصبح هذا هو واجبك، ويصبح هذا هو العلم، فتنطلق لحالك، وزميلك ينطلق لوحده، أصبحت تدين بشيء، وهو يدين بشيء، أصبحت تتعصب لشيء، وهو يتعصب لشيء آخر ضده.
توحي الآية بأنه يجب على المسلمين، أو يجب على المجتمع خاصة من هو محمل مسئولية كبيرة أمام الله أن ينطلق في الاعتصام بحبل الله، وفي نفس الوقت هي حالة تستدعي المحافظة عليها أثناء العمل للوصول إليها، ثم بعد الوصول إليها فينهى عن التفرق، التفرق في الطريق، والتفرق بعد الوصول إلى تحقيق هذه الحالة، حالة الوحدة الاعتصام بحبل الله جميعا {وَلا تَفَرَّقُوا}. و{جَمِيعًا} توحي لكل فرد بأنه مسئول هو، ولا يقل [أولئك فيهم الكفاية]، أليست تحصل هذه؟
انطلاقة فردية وأولئك قد فيهم الكفاية لا عندما يقول: {جَمِيعًا} توحي لكل فرد بأنه مسئول هو أن يتحرك من جانبه ليكون ضمن هذه الجماعة، لا يقل: [فيهم الكفاية، وهم قد أصبحوا كثيرًا]، يجب َأن تلغى مشاعر أن الآخرين يمكن أن يكونوا بديلًا عنك، عندما يقول: {جَمِيعًا}أليس هو يخاطب كل فردٍ منا أن ينظم نحو هذا المجموع؟
عندما تقول: [فيهم الكفاية] سيقول الآخر مثلك والثالث مثلك، يصبح في الأخير أن الجميع هؤلاء لا يوجدون [الوحدة التي يريدها الإسلام]. ما الذي يصنع هذه؟ يصنعها حسن تعامل، ويصنعها ثقافة واحدة، ويصنعها شعور واحد، ويصنعها اهتمام واحد.
غير صحيح أن بالإمكان أن يتوحد المسلمون توحدًا على هذا النحو الذي الآية توحي بأنه لابد منه في ميدان المواجهة مع الآخرين، مع أهل الكتاب لابد منه، وأهل الكتاب – من يتأمل كتاب الله سبحانه وتعالى – يرى بل يصل تقريبا إلى درجة القطع بأن هنا في القرآن ما يوحي بأن الجهة التي ستكون هي من يمثل خطورة على الأمة، وهي الطرف الذي سيصارع الأمة على امتداد تاريخها هم طائفة أهل الكتاب اليهود والنصارى.
في مواجهة هؤلاء لابد لمن ينطلق في ميدان مواجهتهم من عباد الله سواء الأمة بكلها، أو مجتمع من المجتمعات لابد أن يتحقق لديهم وحدة على هذا النوع من الاعتصام بحبل الله جميعا، وحدة يحافظون عليها، ووحدة تقوم على أساس من الألفة فيما بين أنفسهم، والروابط التي تعزز حالة الإخاء والمودة فيما بينهم.
أنت تقول من هناك: [ممكن كل واحد ينطلق وكل واحد على مذهبه] غير صحيح أن بالإمكان أن تقف هذه المذاهب التي هي فيما بينها يكفر بعضها بعضًا، ويفسق بعضها بعضًا، والتي أفرادها فيما بينهم لا يحملون مشاعر الحب والإخاء والألفة مع الآخرين، ولا يصلون إليها بحكم تباينهم في معتقداتهم، في ثقافتهم، تباينهم أعلامهم، في قدواتهم، تباينهم في نظرتهم إلى الدنيا، في نظرتهم إلى الحياة. لا يمكن حتى أن يصل إلى هذه الدرجة فيما بينهم.
إذًا فلا يمكن أن تتحقق الوحدة، فكل شعار أو كل نداء يهتف بوحدة الأمة على ما هي عليه هو نداء وشعار لا جدوى من ورائه، هو يدعو إلى حالة وهمية، إلى حالة لا ثمرة لها، لا تتحقق على صعيد الواقع، وإن تحققت شكليا فلن يكون لها أي جدوى.
لهذا ولأن الآخرين من اليهود والنصارى يعرفون أن تفرقنا كمذاهب هو مما يساعد على ضعفنا حتى ولو بدت أصوات تهتف بوحدتنا كمذاهب، هم يعرفون بأنها ستكون فاشلة، فهم يعززون التفرق المذهبي فيما بيننا، هم وراء دعم الوهابيين، هم وراء دعم طوائف متعددة، هم وراء إحياء التفرق المذهبي. التفرق المذهبي حاصل في الأمة من قبل لكنهم عرفوا بأنه يخدمهم فليغذوه وليبقى هذا التفرق على ما هو عليه.
طيب ما هي المعالجة؟ قد يقول البعض: إذًا مادام أن أعداء الإسلام يخدمهم تفرقنا كمذاهب إذًا فيجب أن نسكت عن بعضنا بعض وأن ننطلق كأمة واحدة، ويرى البعض بأن هذا يمثل حلا لكن الواقع أنه لا يمثل حلا. وإذا كنا نعرف بأن التفرق المذهبي من أساسه هو يخدم أعداء الإسلام إذا فلنلغيها ولنرجع إلى حبل واحد. ما هذا هو الصحيح؟
أو أن نأتي ونقول: نتقارب أنا وأنت، وأنا وأنت مختلفين في عقائدنا بدءًا من الله إلى يوم القيامة، لك أعلام تقتدي بهم، ولي أعلام أقتدي بهم، لك أشياء تهتم بها، ولي أشياء اهتم بها، ليس بيننا ألفة، ليس بيننا تقارب فكيف يمكن أن يقال إن بالإمكان أن يجتمع هؤلاء شكلا ثم هم سيعملون ضد الآخرين. لا. الله تعالى يقول للناس وهم مؤمنون قبل أن يتحولوا إلى مذاهب بأن عليهم وهم أفراد قبل أن يتحولوا إلى مذاهب: أن يعتصموا جميعا جميعا بروح جماعية على هذا النحو الذي تسود داخل نفوسهم حالة المشاعر المتبادلة من الإخاء، والألفة، والحب، والود.
فغير صحيح أن يقول الإنسان: إذًا فلا ينبغي أن نثير القضايا لأن أصحاب المذهب الآخر هم حساسين، وهذا يعزز حالة التفرق. نحن قد تفرقنا من زمان، نحن قد اختلفنا من زمان، وأصبح تفرقنا واختلافنا مما يخدم أعداء الأمة، فما هي المعالجة الصحيحة؟ هي أن نرجع إلى حبل واحد، وإلا فنحن جميعا نكذب بكتاب الله، ونتصور بأن الحبل الواحد هو الاجتماع الشكلي.
الحبل الواحد هو هدى من الله، هو هدى من الله، لا مجرد أشخاص وتجمع شكلي، حبل الله هو هداه، إذا فهداه يرجع الناس جميعا إلى هدى هو هدى الله وهو هدى واحد. ولن يجدي إطلاقا – فيما اعتقد – أي صوت يقول: [أصحاب المذاهب هؤلاء يسكتون من بعضهم البعض وسيتوحدون جميعًا ضد مدري من].
???????
#سلسلة_سورة_آل_عمران (2 – 4)
#دروس_من_هدي_القرآن_الكريم
الدرس الثاني
“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ”
ألقاها السيد/ #حسين_بدر_الدين_الحوثي
بتاريخ 9/1/2002 م
اليمن – صعدة