صمود وانتصار

في الغرب لا بكاء على أطفال اليمن … برينو غويغ

 

من أجل ازدهار صناعة السلاح في بلادنا لا بأس من التضحية بحياة بضعة آلاف من اليمنيين. هذا ما ألمح إليه رئيس الحكومة الفرنسية في إجابته على سؤال بشأن الغارات السعودية التي تؤدّي إلى دمار اليمن وإرهاب المدنيين. تساءل مانويل فالس في رده “هل من المعيب أن ندافع عن وظائف عملنا؟”. لا عيب إذن كما يرى رئيس حكومة توزّع السلاح والميداليات على قطّاعي الرؤوس في الخليج، فهو يعني ما يقول.

منذ آذار/ مارس 2015 ينشر التحالف السعودي النيران من الجو على المدنيين غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم، بذريعة مواجهة الانتفاضة الحوثية في التحالف مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضد عبد ربه منصور هادي وهو أداة طيّعة في يد الملكية السعودية. وبحسب الأمم المتحدة قضى هذا التدخّل العسكري القاتل على حياة أكثر من 10 آلاف ضحية وأفضى إلى كارثة إنسانية في بلد يدمّره القصف ويحرمه الحصار الذي يفرضه ملوك النفط من المصادر لإعالة 400000 طفل يعانون من أمراض نقص الغذاء.

من دون أية مساءلة وعقاب، لا توفّر الطائرات السعودية المدارس والمستشفيات والمناسبات الدينية. فهي تنشر الرعب على أرض محروقة لمحاولة إخماد المقاومة القادرة على تلقين التحالف مرارة الهزيمة على أرض المعركة وجهاً لوجه. لكن السعودية لا تخوض معركة عسكرية في مواجهة المقاتلين، بل تخوض معركة زعزعة معنويات المدنيين في الدمار الشامل وتفجير البنية التحتية.

مقرّرو هذه الجريمة الوحشية يجدون تبرير جريمتهم في الحديث عن الشرعية الدولية. والواقع أن حركة أنصار الله اقتحمت العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر عام 2014 وأجبرت عبد ربه منصور هادي على الاستقالة في 2 كانون الثاني/ يناير عام 2015. وقد جرى ذلك في سياق متأخر عن إجهاض ثورة العام 2011. لكن النجاح الباهر لحركة أنصار الله، أخذ السعوديين ورعاتهم في الغرب على حين غرّة فقرّروا التدخّل بموجب القرار رقم 2216 بتاريخ 14 نيسان/أبريل عام 2015 الذي يعترف بشرعية هادي. وقد أهدى هذا القرار السعودية غطاء قانونياً لتدمير اليمن أملاً بهزيمة الانتفاضة. ولا ريب أن التوقيع للسعودية على صك أبيض هو خرق للقانون الدولي في السماح لبلد غنّي بتحطيم البلد العربي الأفقر. وما يجري هو السماح للعدوان بالقتل على نطاق واسع بمباركة الدول الغربية التي تغذّي العدوان بالعون والسلاح من دون حدود، بينما يخضع الحوثيون إلى حصار مطبق.

ما هي جريمة الشعب اليمني التي تبرّر المشاركة الغربية في هذه المجزرة، فهل ارتكب جرائم إرهابية مثلاً؟ لا قطعاً بل هو أول ضحايا إرهاب القاعدة و”داعش” مثل عملية المسجد في صنعاء التي أودت بحياة 140 من المصلّين في 20 آذار/ مارس عام 2015. فالتنظيمات الإرهابية تمتّعت طويلاً بتهدئة مع قوات التحالف ولا سيما في المكلاّ، حيث التحالف الموضوعي على خلفية حقد مشترك ضدّ الشيعة من دون أن يثني الإرهاب عن العمليات الانتحارية في قتل الموالين لهادي العام 2016.

من أين تأتي إذن هذه الشراسة السعودية ضدّ اليمن؟ فهي بحسب التحريض السعودي تجد تبريراً في ما تسميه التواطؤ الحوثي مع إيران. لكن أنصار الله يقعون تحت حصار يقطعهم عن العالم ويُقصفون بكل أنواع الأسلحة شديدة التدمير، وعلى الرغم من ذلك تتهمهم الرياض بأنهم عملاء للخارج وهم في بلدهم وعلى أرض وطنهم. هذه هي الجريمة التي يرتكبها الحوثيون في اليمن لأنهم معجبون بحزب الله ويتعاطفون مع سوريا ولا يزالون يؤمنون بالعروبة. وهي جريمة يراها أتباع المصالح الامبريالية في الرياض شوكة في العين ينبغي إزالتها بالحديد والنار. فالسعودية لا تريد يمناً مستقلاً ولا أرادت ذلك يوماً.

هذا البلد الشهيد لا يبالي أحد بمصير أبنائه في الغرب. ولم نسمع أحداً في المآتم ولا يذكر أحد المجازر والإبادة والبربرية التي تعمر أعمدة الصحافة الغربية. فجوقة الأحزان الغربية تندب في مكان آخر. ولا مكان في اليمن “للخوذ البيضاء” المموّلة بسخاء من جمعيات “أنكلو ــ ساكسونية”، ولا برلمانيين فرنسيين “يوقظون الضمائر” ولا يساريين “للتضامن الأممي”، ولا حقوقيين يوقّعون عرائض الاحتجاج “عمّال على بطّال”. يبدو اليمن خارج السّمع والنظر يجرى التخلّي عنه للمجرمين بجبن غربي غير مسبوق. لكن يبدو أن الكلمة الفصل هي للشعب اليمني.

 

مسؤول حكومي فرنسي سابق ومحاضر في جامعة الرينيون الفرنسية