صمود وانتصار

هل حظر حمل أجهزة الكمبيوتر المحمولة على متن الطائرات القادمة من الشرق الأوسط حلقة جديدة في مسلسل ترامب العنصري ضد الإسلام والمسلمين؟ لماذا هذه “الانتقائية” في التطبيق؟ وهل نجاح شركات طيران عربية هو السبب؟

الصمود -متابعات

بعد مراسيم قانونية بحظر دخول مواطنين من ست دول إسلامية الى الولايات المتحدة الامريكية، ها هي الإدارة الامريكية نفسها، ومعها بريطانيا، تصدر قرارا بحظر أجهزة الكمبيوتر المحمولة واللوحية على متن الطائرات القادمة اليها من عدة دول من منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، من بينها تركيا، مصر، والأردن، والسعودية وقطر والامارات العربية المتحدة، والمغرب.

الأسباب التي فرضت هذا الحظر، حسب المصادر الامريكية والبريطانية، هو التوقع بحدوث “خطر إرهابي جديد”، واكتشاف خطط لتنظيم “القاعدة” لتطوير “إجراءات مبتكرة” للقيام بهجمات الكمبيوتر المحمول، وقالت صحف بريطانية ان أجهزة المخابرات الامريكية عثرت على هذه المعلومات اثناء شن وحدة للقوات الخاصة البحرية (نيفي سيل) في شهر كانون اول (يناير) الماضي على معسكر للتنظيم في اليمن، جرى اطلاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مضمونها.

 نحن نساند جميع الإجراءات الأمنية المتخذة من قبل أي دولة كانت، وتهدف الى حماية أرواح المدنيين وسلامتهم، سواء كانوا على متن طائرات في الجو او في مجمعات تسوق على الارض، ولكن ما يثير قلقنا هو “الانتقائية” في تطبيق هذه الإجراءات على شركات طيران ودول عربية وإسلامية على وجه الخصوص، الامر الذي يمكن تصنيفه على انه جزء من الممارسات العنصرية المتصاعدة هذه الأيام (الاسلاموفوبيا)، وتستهدف العرب والمسلمين، الامر الذي سيوفر ذخيرة اقوى للجماعات الإرهابية، ويقدم لها المبررات والاعذار لمواصلة هجماتها في أوروبا وامريكا بهذه الطريقة، او بطرق أخرى.

في عام 2001 حاول مواطن بريطاني شاب يدعى ريتشارد ريد تفجير طائرة أمريكية كانت في طريقها الى نيويورك من خلال اشعال فتيل قنبلة كانت مزروعة في حذائه، ونبه جيرانه في المقعد المجاور في الدرجة السياحية طاقم الطائرة الذي سارع باعتقاله، وتبين لاحقا ان الشاب المراهق اعتنق الإسلام قبل اشهر معدودة، ومن حينها جرى التركيز في جميع مطارات العالم على فحص احذية المسافرين قبل صعودهم الطائرة، والشيء نفسه تكرر عندما جرى اكتشاف معلومات عن عزم تنظيم “القاعدة” استخدام قنابل بمواد سائلة، مما أدى الى منع الصعود بأي من هذه المواد الى المقصورة أيضا.

واذا كان لنا الكثير من الشكوك حول حقيقة قصة هذا الشاب البريطاني حديث العهد بالإسلام، وما رافقها من ملابسات ذكرناها في منبر اعلامي آخر في حينها، ومن بينها عدم ذهاب هذا الشاب الى مرحاض الطائرة، واشعال فتيل قنبلته بعيدا عن الأنظار، وتفجير نفسه والطائرة معا، فان الشكوك نفسها تساورنا حول هذه الهجمة التي تستهدف الإسلام والمسلمين، وتلصق بهم تهمة الإرهاب، رغم تسليمنا بوجود مثل هذا الخطر، ونوايا تنظيمات إرهابية تتخذ الإسلام كواجهة لتبرير اعمالها التفجيرية الدموية.

نشرح اكثر ونتساءل عن اسباب حصر خطر الهجمات بأجهزة الكمبيوتر بدول وشركات طيران عربية وإسلامية، او قادمة من مدن وعواصم إسلامية على وجه الدقة، ولماذا اعفاء شركات ودول ومدن وعواصم أخرى؟

فالارهابي المفترض يمكن ان يستقل الطائرة البريطانية من لندن، او البلجيكية من بروكسل، او الألمانية من برلين، او من نيودلهي، وكيفية تصنيع هذه القنابل ربما تكون موجودة على مواقع “القاعدة” او “الدولة الإسلامية” على شبكات الانترنت، او وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل “الفيسبوك”، والواتس اب”،  وغيرها، أي انها عابرة للقارات وشركات الطيران أيا كانت هويتها، والدولة التي تحمل اسمها.

نخشى ان تكون مثل هذه الإجراءات المفاجئة تأتي في سياق الحملة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين المتصاعدة هذه الأيام، ومنذ وصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض، لان الخوف هنا محصور في كمبيوتراتهم واجهزتهم الالكترونية الأخرى، دون غيرهم من الجنسيات او العقائد الأخرى، ولا نستبعد أيضا ان تكون شركات عربية وإسلامية مثل طيران الامارات، والاتحاد، والقطرية والتركية، التي حققت نجاحا كبيرا في عالم الطيران، واثار حسد وغيره نظيراتها الامريكية، هي المستهدفة جزئيا او كليا، خاصة ان بعض الشركات الامريكية اشتكت من هذا النجاح بطريقة غير مباشرة، ليس هذا مكان شرحها.

ما يؤلمنا ان الحكومات العربية المعنية لم تعترض مطلقا على هذه الانتقائية العنصرية الطابع للحظر، ولم تطرح أي تساؤلات جدية حول أسبابه الحقيقية، وهذا ليس غريبا على أي حال.