ماذا ستفعل السعودية بترسانتها العسكرية الضخمة؟ ( مترجم )
الصمود : ترجمة / شيماء محمد
تصنف السعودية تقليديا كواحدة من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم. وفي حين أن الكمية والغرض من تلك الكميات الهائلة من الأسلحة التي يشتريها السعوديون من جميع أنحاء العالم لا تزال تعد شيئا غامضا، يبدو أن الأمر لم يكن لغزا بالنسبة للولايات المتحدة.
في العام الماضي، وافق الرئيس باراك أوباما على بيع رقما قياسيا بقيمة 60 مليار دولار في صفقة أسلحة إلى السعودية والتي يستخدمها السعوديون اليوم في المقام الأول لقصف اليمن، على الرغم من الاعتراضات من الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي.
على الرغم من أن قرار أوباما بيع الأسلحة للسعودية لم يكن مخالفا لمعايير السياسة الأمريكية، خاصة عندما يكون الاقتصاد الأمريكي في حاجة ماسة للإيرادات. ولكي نفهم لماذا تبيع الولايات المتحدة الأسلحة بضخامة للسعوديين، قد يكون مفيدا معرفة بعض السياق التاريخي.
لماذا تبيع الولايات المتحدة كميات هائلة من الأسلحة للسعوديين؟
منذ الحرب الباردة، خدمت السعودية كحليف حيوي في تقييد القوة الروسية عن طريق إنتاج النفط، حيث يستند اقتصاد التصدير في كل من السعودية وروسيا تقريبا كليا على النفط. لكن على عكس حقول النفط في روسيا، حيث تبلغ تكلفة الإنتاج 20 دولارا للبرميل، تنتج السعودية النفط بأقل من 10 دولارات للبرميل.
ببساطة، إذا ضخ السعوديون النفط بسرعة كافية، ينكسر الروس. لذا، فإن استمرار وجود علاقة قوية بين الولايات المتحدة والسعودية يوفر قيدا قويا على القوة الروسية.
من خلال إبرام صفقات بيع أسلحة متعددة السنوات، كان أوباما يدعم تحالف طويل مبني على أساس سياسة الاحتواء الروسي الموجودة منذ الحرب الباردة.
ومع ذلك، فإن توسع السعودية الهائل لآلتها الحربية يشير إلى أن الصقور (المتشددين) داخل المملكة قد يختارون الاندفاع نحو العمل العسكري كوسيلة للتحوط ضد عدم الاستقرار الداخلي الناجم عن التراجع الاقتصادي، لاسيما إذا فشلت الإصلاحات الاقتصادية في السعودية من أجل تنفيذ رؤية 2030، التي تشمل الطرح العام الأولي لشركتها النفطية (أرامكو) وتخفيض إنتاج منظمة الأوبك.
كيف يزيد النظام السياسي السعودي احتمالية الحرب في الشرق الأوسط؟
لرفع مستوى معيشة مواطنيها، تواجه جميع البلدان خيارا بشأن عما إذا تنمو داخليا من خلال إنتاج سلع وخدمات جديدة، أو خارجيا، من خلال غزو بلدان وأراضي أخرى.
الشكل التكفيري المتزمت (الوهابية) الذي تتبناه المؤسسة الدينية والسياسية في السعودية هو توسعي بطبيعته، يمجد المواجهة العنيفة ويصور جميع المختلفين عنه على أنهم أدنى منزلة.
السلطة في المملكة السعودية هي مركزية والقرار فردي، لا يتم تشجيع التفكير أو الاجتهاد على المستوى الديني ولا يسمح بأي أحزاب أو اختلاف سياسيا.
السعودية، مثل الكثير من العالم العربي، غير قادرة على الاحتفاظ بالعلماء أو تعليم الأفراد العاملين، وكلاهما مكونات حاسمة للنمو الاقتصادي، لذلك على الرغم من إنفاقها مليارات من الدولارات على التعليم، فإن إمكانات المملكة للنمو الداخلي على المدى الطويل يعوقها بشدة هجرة الأدمغة المستمرة.
والنتيجة هي أنه على الرغم من جهود الإصلاح التي بذلتها على مر السنين، فإن ما يقرب من 90 % من اقتصاد الصادرات السعودي لا يزال قائما على النفط. وهكذا نظرا لاستهلاك السعودية المتزايد للطاقة، فضلا عن الانخفاض المطرد في الأهمية النسبية للنفط في الاقتصاد العالمي، من غير المرجح أن الاقتصاد السعودي سيشهد نموا مطردا على المدى القريب.
ونتيجة لذلك، قد يكون الصقور داخل المؤسسة السياسية السعودية قد قرروا تنمية اقتصادهم ليس داخليا ولكن خارجيا؛ وبناء على ذلك، أصبحت السعودية أكبر مشتر للأسلحة في العالم.
الولايات المتحدة والحالة الاقتصادية
على الرغم من أن وجود تهديد سعودي بهجوم مباشر على أحد جيرانها قد يبدو للوهلة الأولى أنه غير محتمل. وإنه إذا حدث ذلك، فإن الولايات المتحدة لن تسمح بذلك.
لكن إذا تدهور الوضع الاقتصادي في المملكة بما فيه الكفاية ولم ترق إصلاحات رؤية 2030 إلى مستوى التوقعات، الصقور داخل المؤسسة السعودية قد يكونون قادرين على إقناع نظرائهم الأكثر اعتدالا بشن هجوم على أحد جيرانهم لتفادي السخط المحلي، خاصة إذا استطاعوا تعزيز فكرة أن الولايات المتحدة من غير المحتمل أن تدخر في حرب ضد المملكة.
بالتالي – بجانب مدى تطور الوضع الاقتصادي – فإن احتمالية مهاجمة السعودية أحد جيرانها يعتمد إلى حد كبير على أربعة معتقدات حول الولايات المتحدة داخل المؤسسة السعودية هى:
1 – أن الشعب الأمريكي قد أنهك جدا من 15 عاما من تورط لا نهاية له في العراق وأفغانستان ولن يرغب في دخول حرب أخرى مع بلد مثل السعودية مليئة بأتباع نفس النمط الوهابي الذي ألهم تنظيم القاعدة وداعش.
2 – أن الجيش الأمريكي مشتت جدا حول العالم و منشغل باحتواء روسيا ولن يتورط في دخول حرب أخرى في الشرق الأوسط قد تؤثر على الأماكن المقدسة الإسلامية في مكة والمدينة المنورة، وبالتالي تعرض الولايات المتحدة لخطر استجابة عنيفة من قبل العالم الإسلامي بأسره.
3 – أن النخبة السياسية في الولايات المتحدة تفتقر إلى الداعم الأساسي الآن. على مدى السنوات العديدة الماضية، أوصل السعوديون العديد من الأسلحة إلى داعش وقصفوا الشعب اليمني شبه الأعزل مع الإفلات من العقاب. لذلك، قد يعتقد السعوديون أنهم يستطيعون فعل ما يريدون دون رد من الولايات المتحدة، خاصة بالنظر إلى فشل باراك أوباما في سوريا وخطب دونالد ترامب التي تشير إلى نظرة انعزالية من شأنها أن تبقي الولايات المتحدة بعيدا عن الشرق الأوسط.
4 – أن الولايات المتحدة أصبحت مصدرا للطاقة وأي حدث يرفع أسعار النفط والغاز هو جزئيا في مصلحة أمريكا. إذا بدأت السعودية حربا في الشرق الأوسط عن طريق غزو أحد جيرانها (اليمن أو قطر أو العراق.. إلخ)، فإن الخاسر الأكبر خارج المنطقة ستكون أوروبا، التي سينقطع عنها كمية كبيرة من إمدادات الطاقة.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي حليف تاريخي للولايات المتحدة، إلا أنه ليس من مصلحة أمريكا تماما حماية إمدادات الطاقة الأوروبية القادمة من الشرق الأوسط. خاصة وأن ترامب قد أشار إلى عدم الرضا من أوروبا لأنها لا تسدد حصتها من فاتورة الدفاع عنها.
ومن غير الواضح إلى أي مدى تتمسك المؤسسة العسكرية والسياسية السعودية بتلك المعتقدات الأربعة. إذا لم يعتقد السعوديون أن الولايات المتحدة سوف تهاجم المملكة لغزوها إحدى جيرانها ، ربما لن يكون هناك شيئا قويا يردع المملكة من القيام بذلك.
البلدان التي تواجه مخاطر التوسع العسكري السعودي
تعتبر اليمن المثال الأوضح على هذا سيناريو التوسع السعودي. بدأت السعودية قصف اليمن منذ عامين، في حين تركز آلة الدعاية السعودية على مقاتلين حركة أنصار الله منذ بداية الحرب اليمنية.
ومع ذلك، لن يقدم غزو اليمن للسعودية الدفعة الاقتصادية الكبيرة التي تنشدها، ما لم تستطع تعطيل مضيق باب المندب، الذي تعتبره إدارة معلومات الطاقة الأمريكية واحد من نقاط العبور الرئيسية السبعة في العالم.
إذا نجحت المملكة في خلق الفوضى والارتباك في المضيق من خلال الهجمات الصاروخية أو حتى عن طريق استثارة حركة أنصار الله لمهاجمة السفن في المضيق، سترتفع أسعار النفط والغاز وسيحقق الاقتصاد السعودي أرباحا ضخمة، خاصة بعد أن بدأ السعوديون العام الماضي في التوسع في خط أنابيبهم الواصل بين الشرق والغرب.
بالتالي، في حالة تعطل المضيق، فإن الطريقة العملية الوحيدة لجميع دول الخليج تقريبا لتصدير الطاقة إلى الغرب – خاصة أوروبا – ستكون عبر السعودية ومن خلال خط أنابيبها الموسع حديثا.
كثيرا ما تدعي السعودية أن مقاتلي أنصار الله يهددون المضيق، لكن الحقائق تشير إلى عكس ذلك. سيطر الحوثيون على عدة مواقع على المضيق على مدى العامين الماضيين كان من شأنها أن تسمح لهم بتعطيل سير الشحن بشكل كبير، ولكن المضيق ظل مفتوحا إلى حد كبير.
وفي المقابل، تعرضت السفن الإيرانية والباكستانية للهجوم من قبل السعودية أو حلفائها في اليمن في مناسبتين على الأقل. وفي الوقت نفسه، لا يوجد دليل يذكر على أن غالبية الهجمات على سفن خلال العامين الماضيين نفذها مقاتلي أنصار الله.
وبعيدا عن اليمن، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تستهدف المناطق الجنوبية والشرقية من العراق (أي أجزاء من الأنبار والمثنى)، التي استطاعت أن يكون لها تأثير قبلي كبير داخلها.
وفيما يتعلق بعدد من المناطق في العراق، من غير المرجح أن تغزو السعودية العراق وصولا للمناطق على طول الحدود الإيرانية العراقية لأن فعل ذلك من شأنه أن يستدعي حرب مباشرة مع إيران، وتدفق عدد أكبر من الشيعة داخل السعودية، وهو ما لا يريده السعوديون.
وبدلا من ذلك، من حيث حسابات التكاليف والمنافع، فإن السعودية قد تلجأ بدلا من ذلك إلى تعطيل خط الأنابيب الاستراتيجي للعراق من خلال بعض القنابل الموجهة جيدا أو العمليات الإرهابية التي من شأنها رفع قيمة النفط السعودي.
وعلاوة على ذلك، فإن الصقور في المملكة أمضوا السنوات الخمس الماضية في تمويل جبهة النصرة المسلحة، التي رغم ادعائها بأنها تركز على الإطاحة بالنظام السوري، استغرقت وقتا أطول في السيطرة على أجزاء من الأنبار في العراق.
وفي الوقت نفسه، أدت الأسلحة التي تم إمداد تنظيم داعش بها من قبل المملكة العربية السعودية إلى انقطاع إمدادات النفط بشكل كبير في شمال العراق، والذي أفاد بشكل كبير النظام السعودي، وفقا لما ذكرته مجلة فوربس.
ومع ذلك، في حال هجوم سعودي على العراق، في الغالب ستركز المملكة على فرض سيطرتها على أجزاء من المثنى والأنبار، اللذان بهما غالبية غير شيعية وكثافة سكانية قليلة.
وفي حال نجحت المملكة العربية السعودية في تعطيل كلا من خط الأنابيب الاستراتيجي للعراق ومضيق باب المندب، فإنها ستحتكر تقريبا نقل النفط والغاز العربي إلى أوروبا. وسيضطر معظم منتجي الطاقة العرب إلى تصدير الطاقة إما عبر المملكة العربية السعودية أو عبر طرق أفريقية وإيرانية محدودة ومكلفة.
وبعيدا عن العراق واليمن، إذا ما أصبح الوضع الاقتصادي السعودي سيئا بما فيه الكفاية، يمكن للبلد أيضا أن تهاجم قطر. تمتلك قطر ثلاثة أضعاف مخزون السعودية من الغاز الطبيعي، والأهم من ذلك أن الطلب على الغاز الطبيعي (الذي يحترق أكثر نظافة من النفط) يتزايد بسرعة في أوروبا وزادت واردات الغاز الطبيعي بنسبة 17% في عام 2015.
وفي حين أن ذلك السيناريو هو الأقل احتمالا، لا يزال الهجوم على قطر محتمل. يشكل نمو الغاز الطبيعي من قطر وإيران أكبر تهديد للقوة الإقليمية السعودية اليوم. وفي حالة تحسن العلاقات الإيرانية مع الغرب، واستمرار استبدال النفط بالغاز الطبيعي، واستمرار تراجع اقتصاد المملكة، فإن السعوديين قد يهاجمون قطر كملاذ أخير لوقف تقويض الغاز الطبيعي القطري للنفط السعودي.
على المدى القصير، منع المملكة العربية السعودية من استخدام مخزونها من الأسلحة ضد أحد جيرانها يعتمد إلى حد كبير على تعزيز الرواية القائلة بأن الغرب (أو حلف من الدول العربية) سيتحرك ضد المملكة في حال تدخلها في عدوان عسكري. ولكن، على المدى الطويل، أكبر رادع للتوسع السعودي قد يأتي من داخل المملكة نفسها.
يمكن القول انه هناك بعض المسؤولين داخل المملكة يهتمون ولو قليلا برفاهية منطقتهم، وهناك آخرون يرغبون في شرق أوسط لا تحدده الحرب. لذلك إذا كان ترامب وغيره من القادة جادين في كبح جماح الإسلام الراديكالي وتعزيز الاستقرار في المنطقة، فإنهم بحاجة إلى تشجيع الإصلاحيين الحقيقيين في المملكة بدلا من الاعتماد على شباب أبناء العائلة المالكة السعودية.
المصدر : نيوزويك