صمود وانتصار

بالوثائق.. فسادُ الشعور يقودُ هيئةَ التأمينات نحو السقوط و باسندوة والقيادي الإخواني حميد الأحمر كانَا أبرَزَ المدافعين عن فساد رئيس الهيئة في 2012

الصمود / متابعات

تعتبَرُ الهيئةُ العامة للتأمينات والمعاشات شبه متوقفة؛ نظراً للمواقف الحزبية لبعض قيادات المؤتمر الشعبي العام ووسائل إعلامه المساندة لفساد علي الشعور الرئيس السابق للهيئة الموقوف من هيئة مكافحة الفساد منذ ٢٠١٢م.

وتعد الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات من الهيئات المستقلة التي يُفترَضُ أن تدارَ أموالُها واستثماراتها بعيداً عن تأثيرات وقرارات السلطة التنفيذية ممثلةً بالرئاسة والحكومة، فأموالُ الهيئة ليست أموالاً حكومية، بل هي أموال المتقاعدين ومن يَخْلُفُهم بعد وفاتهم من الأرامل والأيتام والعجَزة.

صندوقُ الهيئة -وفق دراسة أعدتها الهيئة في عام 2014م- مرشَّحٌ بعد خمس سنوات وتحديداً في العام 2022م للوصول لمرحلة العجز عن سداد مرتبات المتقاعدين، الدراسة قديمة وقد حدثت بعدها متغيراتٌ كثيرة أبرزها الحرب والحصار وتأثيرُهما على مناحي الحياة المختلفة في اليمن بما فيها الهيئة التي تضرّرت كثيراً من ذلك، يضافُ إلى ذلك سوء إدَارَة الهيئة، وكل ذلك عجّل من تلك التوقعات التي أشارت إليها الدراسةُ، حيث أصبحت الهيئة اليوم تواجِهُ صعوباتٍ فعليةً في صرف مستحقات المتقاعدين رغم أصولها المالية الكبيرة التي أصبحت بمثابة أرصدة غير قابلة لتحويلها إلى سيولة.

ومن خلال الوثائق التي حصلت عليها “صدى المسيرة”، فإنها تُظهِرُ جانباً من واقع الهيئة وعيّنة من الفساد المستشري فيها من خلال ما يلي:

1- واقع الهيئة سيءٌ جداً لأسباب عديدة أهمها:

السبب الأول: سوء الإدَارَة وهدر أموال الهيئة، وإقحام استثماراتها في مجالات لا مردودَ ولا عائدَ اقتصادياً منها.

السبب الثاني: هيمنةُ الحكومات المتعاقبة على أموال واستثمارات الهيئة وتوجيهها وتوظيفها لأغراض سياسية، من خلال إقحام أموالها في عدد من المشروعات الاستثمارية الفاشلة، ومن ذلك على سبيل المثال ما سُمِّي بـ (مشروع الصالح السكني الذي أهدر فيه أربعة مليارات ريال من أموال المتقاعدين)، ومشروع (فندق القصر في عدن الذي نفذ قبل خليجي عشرين وكانت مساهمة الهيئة فيه بمبلغ يقارب الثلاثة عشر مليار ريال، بلغت خسائر المشروع خلال العام الأول للتشغيل المؤقت حوالي أحد عشر مليون دولار. وبسبب جرائم الفساد التي رافقت تنفيذَ هذا المشروع فقد أوقفت هيئةُ مكافحة الفساد رئيسَ الهيئة الذي تم تغييرُه مؤخّراً وعدد من المسؤولين عن المشروع، وطلبت مكافحة الفساد التحقيق معهم؛ بسبب ارتكابهم جرائمَ فساد جسيمةً، وذلك بحسب ما جاء في مذكرة هيئة مكافحة الفساد.

السبب الثالث: استثمارُ 98% من أموال الهيئة في سندات دَين حكومية في البنك المركزي بفائدة قدرُها 10% في حين أن معدَّلَ التضخم (ارتفاع الأسعار) أعلى من سعر الفائدة، ما يعني أن القوة الشرائية لأموالِ الهيئة تتآكل بفعل التضخم. ووحدَها فقط حكومة باسندوة استولت على مبلغ مائة مليون دولار من أموال الهيئة مقابل تحويلها إلى سندات بفائدة 10% في حين كان بالإمكان استثمار هذه الأموال وغيرها وتحقيق عائد استثماري أعلى من ذلك بكثير.

السبب الرابع: أموالُ الهيئة بالدولار لدى البنك المركزي اليمني والتي هي أموالُ المتقاعدين وأموالُ الأرامل واليتامى مودعة في حساب جارٍ في البنك المركزي، وبدون أي عائد استثماري، ومحجور على الهيئة استثمارُها بما ينمّيها ويعظّم أرباحها، وَمؤخّراً تم بيع خمسة عشر مليون دولار من أموال الهيئة في البنك المركزي لمواجهة مرتّبات المتقاعدين بأقل كَثيراً من سعر صرف الدولار في السوق، ما تسبب في خسارة لأموال المتقاعدين تقدر بمئات الملايين من الريالات.

السبب الخامس: إثقالُ كاهل الهيئة بموظفين جُدُد، حيث تم استحداثُ (76 وظيفةً جديدة نهاية عام 2016م) دون اشتراطات محدّدة ودون الحاجة إليهم، حيث يحمل عددٌ كبيرٌ منهم مؤهل الثانوية، وبعضهم لا يداوم في الهيئة، والبعض منهم لديه وظيفة سابقة، كما تم توزيعُ تلك الدرجات الوظيفية لاعتبارات سياسية وغيرها من الاعتبارات الأخرى، كما أن التوظيفَ المشار إليه لم يكن بناءً على خطة وموازنة وظيفية معتمدة في العام الذي تم فيه التوظيف.. وقد اعترض وزيرُ الخدمة المدنية رئيس مجلس إدَارَة الهيئة/ طلال عقلان على ذلك التوظيف، ووجّه بإيقافه، إلا أن رئيسَ الهيئة (علي الشعور) تجاهَلَ ذلك ونفذ ذلك التوظيف بالمخالفة للنظام والقانون وهو ما مثل عبئا ماليا على موازنة الهيئة.

السبب السادس: رغم أن الأصولَ المالية للهيئة تقدر بـ (800) مليار ريال، إلا أن سوءَ الإدَارَة وتدخُّل السلطة التنفيذية (الرئاسة والحكومة) في مهامها قد أوصل الهيئة إلى مراحلَ خطيرة.

وتشير الوثائق إلى أن الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات تعيشُ حالةً من التخبُّط والعشوائية جرّاء السياسة الخاطئة التي تنتهجُها القيادة الحالية ممثلةً بالشعور منذ ما يقارب 10 سنوات، حيث تكشف المعلوماتُ والأرقام عن صعوبات تواجهها الهيئة جراء تلك السياسات وتتمثل في :

*مواجهة صعوبات كبيرة في تدبير الأموال اللازمة لصرف مرتبات المتقاعدين ومرتبات موظفي الهيئة؛ بسبب عدم قدرة البنك المركزي على تحويل سندات الدَّين التي تستثمر فيها الهيئة إلى سيولة نقدية.

*ضياع المليارات من أموال الهيئة كما هو حال الـ (4) مليارات ريال التي أرغمت الهيئة على دفعها عُهدةً لوزارة الأشغال العامة لمشروع الـ (800 وحدة سكنية) فيما سُمِّي بمشروع (الصالح السكني)، ولا زالت تلك المليارات ضائعةً إلى اليوم.

*عدم قُدرة الهيئة على إدَارَة أموالها وتوجيهها نحو استثمارات جديدة ذات مردود اقتصادي؛ بسبب احتجاز أموالها في البنك المركزي في شكل سندات دين، لم تعد اليوم قابلةً للتسييل وتحويلها إلى نقد؛ بسبب أزمة السيولة والظروف الصعبة التي تمر بها المالية العامة للدولة، والعجز الكبير في الموازنة، والذي أثّر على مهام وواجبات الهيئة تجاه المتقاعدين وتجاه إدَارَة أموالها واستثماراتها، وحَــدَّ من قدرتها على الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومعالجة قضايا البطالة والفقر في المجتمع.

وأشارت الوثائق التي حصلت عليها “صدى المسيرة” إلى عيّنة من أبرز جرائم الفساد التي وقف عليها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد والمتعلقة بمشروع (فندق القصر في عدن) والذي نُفِّذَ بتوجيهات سياسية قبل خليجي عشرين، ويتحمَّلُ مسؤوليةَ تلك الجرائم (رئيس الهيئة) مع آخرين في شركة أساس التي تساهم فيها الهيئة وهي كما يلي:

* رفع تكلفة تنفيذ المشروع من (50) مليون دولار إلى (130) مليون دولار على الرغم من عدم تنفيذ الدور الخامس، وعدم استكمال الدور الرابع وإجراء التعديلات اللاحقة عليه، وتعديل عدد الغرف من (300) غرفة إلى (260)، وفي الأخير فقد بلغ عددُ الغرفة المستلمة من المقاول (239) غرفة فقط، ورغم ذلك ارتفعت التكلفة ولا زالت هناك التزاماتٌ ومطالباتٌ وأعمالٌ وتشطيبات لم تنفذ بعدُ.

* تقدِّرُ الالتزاماتُ القائمةُ على المشروع حتى نهاية أكتوبر2011م بمبلغ (7.5) مليون دولار، بما في ذلك الدور الرابع بمبلغ (7.1) مليون دولار.

* رفع تكلفة تنفيذ سُور الفندق من (588.2) ألف دولار إلى (793.3) ألف دولار بالإضَافَـة إلى مبلغ (51.857.814) ريالاً وبنسبة 76% عن العقد.

* أن دراسة الجدوى الاقتصادية والتي تعد الخطوةَ الأولى التي يفترَضُ البدءُ بها في أي عمل استثماري، لم تنفذ إلا بعد سبعة أشهر من بدء تنفيذ الفندق وبمبلغ (55) ألف دولار، ما جعلها عديمةَ الفائدة وشكل الصرف عليها هدراً للأموال دون عائد أو مبرر.

* إعفاء المقاول (شركة سياك المصرية) من مبالغ الرسوم الجمركية المستحقة للدولة والبالغة (213.4) مليون ريال، إضَافَـة إلى مبلغ (8357) دولاراً أمريكياً.

* عدم خصم الضرائب على المبالغ المدفوعة للمقاول (شركة سياك المصرية)، وتبلغ تلك الضرائب المستحقة التي لم تخصم (6.1) مليون دولار أمريكي. وضرائب أخرى لم تخصَمْ لصالح الدولة على أتعاب التصميم والدراسات والإشراف (ضرائب تحت التحصيل) بما يزيد عن (1.2) مليون دولار أمريكي.

* عدم تحميل التاجر المورِّد لأثاث الفندق الرسومَ الجمركيةَ والتي دُفعت من قبل الهيئة وشركائها بمبلغ يتجاوز الـ (700) مليون ريال يمني.

* إطلاق (ضمان الصيانة) بمبلغ (312) مليون ريال بالمخالفة للقوانين النافذة، وظهور الكثير من العُيُوب في التنفيذ التي تحمَّلت الهيئة وشركاؤها تكاليفَ إصلاحها.

* المبالغة في تكاليف تنفيذ العديد من الأعمال، ومنها على سبيل المثال، شراء الوايرلس الخاص بالنت بمبلغِ (1100) دولار للجهاز الواحد، والنخلة الواحدة لحديقة الفندق بـ (500) دولار. وذلك بحسب تقرير فريق هيئة مكافحة الفساد الذي نزل للفندق وأجرى تحقيقاً شاملاً حول ذلك.

* قيام رئيس الهيئة علي الشعور، وعبدالله عبدالوهاب العرشي، بالسماح للمقاول (شركة سياك المصرية) بموجب مذكرة تفاهم بالحصول على مبلغ (4.256,996) دولاراً قيمة المستخلص رقم (18) بعد فسخ العقد مع المقاول، منها مبلغ (2.629.135) دولاراً تم سدادُه من كفالة الدفع لدى البنك العربي، وذلك دون علم ومعرفة الشؤون المالية ودون أن يخضَعَ المستخلصُ للمراجَعة والتدقيق من قبل إدَارَة المشاريع ومدير المشروع.

* بلغت الخسارة في تشغيل الفندق خلال السنة الأولى من افتتاحه (من 20 نوفمبر 2010 وحتى أكتوبر 2011م) مبلغ (358.9) مليون ريال، بخلاف بقية النفقات المتعلقة بالإهلاك والبالغة (7.7) مليون دولار، ومصاريف الإدَارَة العامة والبالغة (2.5) مليون دولار، وبإجمالي خسارة خلال السنة الأولى بحوالي (11.8) مليون دولار.

ما سبق يعطي صورةً عامةً عن الوضع المتردي والسيء الذي تمُرُّ به الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، وعيّنة من الفساد، وعلى ضوء التحقيق الذي قامت به هيئة مكافحة الفساد في عام 2012م طلبت فيه من رئيس الوزراء السابق محمد سالم باسندوة توقيفَ علي الشعور ومَن معه من المسؤولين لارتكابهم جرائم فساد جسيمة وإحالتهم للتحقيق.. ولا يزال الرجلُ حراً طليقاً إلى اليوم، بل إن أحد أهم شركائه في تلك الجرائم أَصبح يُديرُ استثمارات بملايين الدولارات في دبي وهو المدعو عَبدالكريم الضبعي الذي كان قد صدر أيضاً قرارٌ من هيئة مكافحة الفساد بتوقيفه وإحالته للتحقيق مع الشعور.

لكن الأغربَ في الموضوع هو الدفاع المستميتُ من قبَل قيادات كبيرة في حزب المؤتمر الشعبي العام عن رئيس الهيئة المحالّ للتحقيق في جرائم فساد من قبل هيئة مكافحة الفساد، والمدافعون عن الفساد يتكررون ويُستنسخون عبر كُلّ زمان، حيث كان خط الدفاع عن الشعور وشركائه في عام 2012م رئيس الوزراء الأسبق محمد سالم باسندوة والقيادي الإخواني في حزب الإصلاح حميد الأحمر، وفقاً لما أشار إليه الإعلاميُّ الكبيرُ الأستاذ أحمد الحبشي في موقع التواصُل الاجتماعي فيسبوك. واليوم يقفُ المؤتمرُ الشعبي العام ووسائلُ إعلامه في نفس خط الدفاع عن الفساد والفاسدين.