صمود وانتصار

زمن الكوليرا: الوباء يحصد أرواح من نجوا

الصمود / كتبت : رنا حربي

عدّدت الأسباب والموت واحد، عبارة تختصر حال اليمنيين بعد أكثر من عامين من القصف والحصار. فمن لم تسقط عليه صواريخ التحالف، أو تخرق جسده نيران المجموعات المسلحة المتناحرة… يلاحقه سيل من الأوبئة التي أعاد العدوان إحياءها.

يشهد اليمن تزايداً مقلقاً في حالات الإصابة بوباء الكوليرا وبأمراض أخرى، وذلك في ظل تدهور الخدمات الصحية مع استمرار تحالف العدوان في استهداف البنى التحتية، وفرض حصار كامل على البلاد التي باتت تعتمد بصورة شبه كاملة على المساعدات الخارجية.

لم يمر إلا يومان فقط على إعلان «منظمة الصحة العالمية» عودة نشاط الكوليرا في اليمن، وذلك بعد تسجيل 34 حالة وفاة على الأقل جرّاء الإسهال المائي الحاد، خاصة أن هذا الوباء يتفشى مع انتشار المياه الملوّثة، فيما يمكن للكوليرا أن يودي بالمريض في بضع ساعات إذا لم يُعالج.

وحالات الوفاة الـ34 سُجّلت ما بين 27 نيسان و7 أيار، وذلك من بين أكثر من 2022 حالة أصيبت بالوباء في أكثر من تسع محافظات، من ضمنها العاصمة صنعاء. كذلك أشارت المنظمة إلى أن خطة مكافحة الكوليرا تتطلب توفير أكثر من 22 مليون دولار، في حين وصف ممثلها في اليمن، نيفيو زاغاريا، الوضع بـ«المقلق للغاية»، مؤكداً أن «سبب عودة الوباء هو الحرب الدائرة منذ عامين… التي تركت أثراً كبيراً على البنية التحتية».

 

تنقّل المرضى بحثاً

عن مراكز طبية يعدّ

من أسباب تفشّي الوباء

وكانت منظمة «أطباء بلا حدود» قد حذّرت أول من أمس من «عودة الكوليرا»، وقالت على لسان ممثلها في اليمن، غسان أبو شعر، إنها «قدّمت العلاج إلى أكثر من 570 حالة على الأقل في الأسابيع الثلاثة الماضية في مناطق عدّة». وأشار أبو شعر إلى أنه «بسبب عدم دفع رواتب موظفي القطاع الصحي واستهداف أو إغلاق عدد كبير من المستشفيات، يتنقل المرضى من منطقة إلى أخرى بحثاً عن مراكز صحية تعمل، وفي النتيجة ينقلون معهم المرض».

أما في صنعاء، فإن غياب الرواتب أسهم في انتشار الوباء، لكن بطريق غير مباشر، إذ إنه تزامناً مع بدء إضراب لعمّال النظافة على خلفية عدم تلقّيهم رواتبهم للشهر الثالث على التوالي، أعلنت وزارة الصحة تسجيل أكثر من ألف إصابة بالكوليرا منذ 27 نيسان الماضي. وما زاد الوضع سوءاً هو هطل الأمطار على الشوارع المليئة بالنفايات في العاصمة التي تضاعف عدد سكانها خلال السنوات الأخيرة، إثر النزوح من المحافظات.

في السياق، أكّد المتحدث باسم منظمة «يونيسيف» في اليمن، محمد الأسعدي، أنه «في الأيام الـ12 الماضية هناك 82 حالة مؤكدة بالإصابة بالكوليرا، نصف هذه الحالات في أمانة العاصمة»، مشيراً إلى أن عدد الوفيات بلغ ثماني، وأن الوباء انتشر في 13 محافظة. وفي حديث إلى «الأخبار»، قال الأسعدي إن «نصف حالات الإصابة بالكوليرا هي من الأطفال»، مشيراً إلى أن «يونيسيف» «تعمل في مسارين: الأول علاجي والآخر وقائي»، بما في ذلك تقديم أطنان من الإمدادات العلاجية إلى المستشفيات… وتعقيم الآبار وخزانات المياه المنزلية». وكانت المنظمة نفسها قد حذّرت الشهر الماضي من «التفشّي المخيف» للكوليرا، وقالت إنه واحد من الأوبئة التي «يمكن تجنّبها»، لكنه في ظل الحرب والحصار يتسبّب في «موت طفل يمني دون الخامسة كل عشر دقائق».

ورغم وجود علاج، فإنّ من المتوقع أن يرتفع عدد الضحايا بصورة كبيرة نتيجة تواصل الغارات الجوية للعدوان، إضافة إلى منع وصول المساعدات الإنسانية (ثلث المحافظات اليمنية على شفير المجاعة).

ووفق أحدث الإحصاءات الرسمية، يتجاوز عدد الضحايا المدنيين، من قتلى وجرحى، جرّاء العدوان ثلاثين ألفاً، فيما دُمّر أو تضرر أكثر من 403 آلاف منزل، فضلاً عن مئات المنشآت الأخرى. وكشفت تقارير صحافية في العامين الماضيين عن وجود «حرب سعودية على المياه» في اليمن، في إشارة إلى عمليات القصف المنهجي لأهداف غير عسكرية، وبالأخص المصادر الاحتياطية لتغذية مياه الشرب ومخازن معدات الحفر والتنقيب، إذ تمّ تدمير أكثر من 307 خزانات وشبكة مياه، إضافة إلى مئات الآبار، الأمر الذي ترك أكثر من 85% من السكان يعانون من أجل الحصول على المياه للشرب والاستحمام، طبقاً للأمم المتحدة.

ومن ضمن مصادر المياه التي تمّ استهدافها خزان المياه في منطقة النهدين في صنعاء، تبلغ تكلفة إنشائه أربعة ملايين دولار، ويستفيد منه أكثر من 30 ألف نسمة، ومصنع للمياه في محافظة حجة ادّعى «التحالف» الشهر الماضي أنه قصفه «عن طريق الخطأ»، وذلك بعدما «انحرف صاروخ موجه بالليزر بسبب سوء الأحوال الجوية».

في هذا السياق، نشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، مطلع الأسبوع، تقريراً كشفت فيه «التورط المباشر والأساسي» للولايات المتحدة في العدوان الجاري، بالاستناد إلى بحث حول استخدام التحالف قنبلة أميركية الصنع في غارة على بئر مياه في أرحب، ذهب ضحيتها 31 مدنياً على الأقل.

وموجة الكوليرا الحالية هي الثانية في الأشهر القليلة الماضية، إذ شهدت البلاد تفشّياً للوباء العام الماضي طاول 11 محافظة يمنية (ما يعادل نصف محافظات البلاد)، قبل أن يعود وينحسر (إلى حدّ ما)، في وقت تؤكد فيه الأرقام الرسمية تسجيل 103 حالات وفاة ونحو 21 ألف حالة اشتباه بالوباء في 15 محافظة.

وفي ظل الصمت العربي والدولي والتعتيم الإعلامي، الذي لم تنجح بعد في اختراقه الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت الجهات الرسمية والأهلية اليمنية اقتراح عدد من المبادرات التي تهدف إلى تفعيل العمل التطوعي. ففي الضالع، دعا المحافظ محمد الجعدي «… إلى تقديم المساعدات الطبية العاجلة لإنقاذ سكان المحافظة من الكوليرا»، مشيراً إلى أنه «تمّ تسجيل 169 حالة في عاصمة المحافظة وعدد من مديرياتها». أما في إب، فعُقد اجتماع طارئ لمناقشة سبل مكافحة الوباء، وكذلك الحال في ذمار، حيث نظّمت ورشة عمل خاصة للتوعية بعوارض الكوليرا ومخاطره، وبدأت الجهات المعنية حملات تعقيم مياه الشرب في الخزانات وشبكة المياه العامة والخاصة. أما في الحديدة التي أكّدت المنظمات الدولية الشهر الماضي تسجيل حالات جديدة فيها، فقد ارتفعت الأصوات الداعية إلى رفع الحصار الذي تفرضه السعودية على ميناء المدينة، والضغط على المملكة لوقف حملات القصف على المنشآت المحيطة بالميناء.