صمود وانتصار

كلمة الدكتور سامي عطا في لقاء حكماء وعقلاء اليمن (نص الكلمة)

الصمود / 6 / يونيو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نبارك هذا الاجتماع الأخوي التاريخي والذي نتمنى أن يكون تاريخيا وفاصلا في تعزيز صمود الشعب اليمني وان يقودنا نحو وحدة واخاء حقيقيين

لا يخفى على الجميع ما يتعرض له اليمن من عدوان همجي غاشم منذ اكثر من عامين تقوده الرجعيات العربية المتخلفة متجاوزة كل الأعراف والتقاليد والأخلاقيات.

إن هذا الاجتماع الحيوي وهذا الحضور الكبير يضعنا جميعا أمام مسؤولية الاستمرار في مواجهة العدوان الذي جاء ليجرد اليمن من سيادته واستقلاله مواجهة تنطلق من عناوين وطنية قومية ودينية خصوصا وأن هذه الكيانات الرجعية عمدت ومنذ وقت مبكر على تعطيل قوى الداخل البشرية وتغييب وعي الناس من خلال سياسات قامت بموجبها إلى ضخ أموال إنشاء مراكز ومعاهد دينية تنشر أفكار دينية أصولية تكفيرية ومنها خرجت الجماعات الإرهابية التي شوهت الهوية الوطنية وشوهت تعاليم الدين، ولذلك فإنه لا يمكن إصلاح وضعنا إلاّ عن طريق انتزاع سيادة البلد وقراره وقطع كل أشكال الارتهان والتدخل في سياسات البلد الداخلية والخارجية…

لقد كان البلد يعاني من غياب الدولة وتدار بسلطة مراكز قوى متعددة تتقاسم النفوذ بالبلد كوكلاء للمصالح الخارجية إقليمية ودولية. وعليه عجزت النخب السياسية عن إقامة الدولة بسبب تعدد مراكز النفوذ والقرار وإرتهانها الكلي لمشيئة الجارة والخارج عموماً، ولم يكن الارتهان حصراً بالقرار السياسي وحسب لا بل بات الاقتصاد في تبعية مذلة وتأسست نتيجة السياسات بيئة طاردة للاستثمار نتيجة توسع نشاط معاهد ومراكز الفكر الوهابي الدينية المدعومة خارجياً أخذت مخرجاته تتضخم مع الوقت حتى صارت قوة بشرية معطلة ترتهن إرادتها للممولين وهذا الإنقسام الحاصل نتاج التراخي في حسم هذه المسألة…
وإذا كان هذا الوضع قد بدأ تأسيسه شمالاً منذ منتصف السبعينيات، فإنه صار بعد حرب 94م يشمل اليمن بطوله وعرضه، وجرى تعميم هذا الوضع على الجنوب أيضاً واخذت المعاهد والمراكز العلمية تتأسس في غير مكان من الجنوب والشمال وناهيك عن نشاط الدعاة المحموم في تضييق الخناق على كل مشروع وطني حقيقي وتوسيع قاعدة أنصار المشاريع الظلامية، وبموجب ذلك تم إرسال استقطاب كثير من شباب عدن والجنوب إلى غير مركز ومعهد.

وفي وقت لاحق أخذت تتأسس عدد من المراكز في غير مكان من الجنوب ولقد كانت هذه المعاهد تتلقى دعم من دول الجوار وصارت لها مخرجات وهذه المخرجات أضحت جيش يدين بالولاء للممولين.

وإذا استطاع الشمال هزيمة هذا المشروع وتنظيف ساحاته، فإن الجنوب صار مثقلاً بعبء هذه المعضلة وتحول الجنوب إلى حاضنة لهذا الفكر وصار المجتمع رهينة هذه القوى وتمارس سلطتها عبر سيطرتها على المساجد وترهيب السكان ، لقد أضحت عدن اليوم ونتيجة هذا العدوان رهينة فوضى الجماعات والمليشيات الإرهابية المنفلتة.

لقد أضحت هذه الجماعات والمليشيات صاحبة اليد الطولى وجرى تمكينها من قبل تحالف دول العدوان وغدت صاحبة السلطة الحقيقية المتحكمة بحياة الناس وامنهم واستقرارهم .

هذا المشهد الراهن يمكن تلخيصه باعتباره أزمة قيام الدولة الوطنية ذات السيادة .. حيث لم تعر النخب الحاكمة قضية السيادة أهمية في ممارساتها؛ وتركت البلد ساحة للعبث في وعي الناس، ولم تكن قضية السيادة في ممارسة السياسيين وبرامجهم إلاّ عبارة عن ترف لفظي لا غير، بينما نهجت سياسات اقتصادية تكرس تبعية مذلة ومهينة.

إن جذر المشكلة الأساسي يكمن في غياب حامل حقيقي للمشروع الوطني وتربعت على رأس البلد نخبة حاكمة منقسمة لا تعير أهمية إلاّ لمصالحها الأنانية وتجتهد في ربطها بالمصالح الإقليمية والدولية ؛ حتى لو جاءت على حساب مصالح مجموع الناس ومستقبل البلد. كما تعاملت مع البلد بكونها رهينة لبقائها واستمرارها.

وفي نفس السياق جرى التعامل مع مدينة عدن ومينائها كرهينة بعد حرب 94م في مقابل استنزاف موارد الدولة ومقدراتها وتكوين مصالح في دول ومدن جاذبة وآمنة ، أي تم التعامل مع البلد كبقرة حلوب حتى يجف ضرعها، الأمر الذي قاد البلد إلى هذا الوضع المأساوي.

ويمكن تلخيص مأساة الجنوب وعدن تحديدا اليوم بالنظر إلى صراع مدن إقليمي ومحلي، إذ جرى ويجري التضحية بعدن بسوء نية أو بحسنها كمدينة تتمتع بموقع جغرافي مهم يمكن لها أن تؤدي دور اقتصادي يقوي مركز الدولة الاقتصادي أفضل من أي مورد آخر، لكن مع الأسف غياب الرؤية والمصالح الأنانية، دفع هذه النخبة ويدفعها إلى التعامل مع عدن بوصفها ورقة ضغط ضمن مقايضة تحقيق مصالح فردية درجت على انتهاجها نخبة حكم فاسدة تفتقر للمسئولية تجاه المستقبل. ولذلك فإن قضية سيادة الدولة أهم قضية يمكن لها أن تصلح وضع البلد المختل.

لماذا السيادة؟

السيادة تعني في جوهرها استقلال القرار، واحترام إرادة الشعب، وحفظ مصالح البلد دون تفريط. ومعركة اليوم مع العدوان معركة انتزاع سيادة البلد وخروجه من حالة الارتهان والعمالة ومن يعتقد بأنها معركة استبدال أو تغيير ارتهان بأخر فهو واهم، لأن كل ارتهان للقرار يقود إلى نفس المصير سيكون كارثة على مصالح الداخل ويغدو البلد ساحة مصالح خارجية تفضي إلى أزمة بالضرورة.

ولذلك ينبغي علينا تحرير البلد من الاحتلال والشروع في بناء دولة عادلة ذات سيادة..

الجنوب اليوم أيها الإخوة يرزح تحت الاحتلال ويفتقر للعديد من الخدمات ويقاسي الناس فيه الأمرين من وراء انعدام الخدمات، وتنتشر فيه الجرائم الإرهابية المنظمة ويجري تصفية الناس فيها على جريرة رأي أو قول ويتم التحريض في خطب المساجد ضد الآراء المختلفة، عدن اليوم تعاني من حملة تجريف تعددها و تنوعها العرقي والثقافي ، ويمارس الاحتلال ومن خلال دعمه ومساندته وتمكينه لهذه القوى سياسة تدمير مدينة عدن بشكل ممنهج ويمزق نسيجها الاجتماعي ولا أبالغ في القول إذا لم يضطلع أبناء عدن في تحرير مدينتهم ، فإنها ستغدو قندهار تصطرع فيه الجماعات الارهابية والميليشيات العميلة.

وفي الختام فإننا نؤكد على ضرورة توحيد الجهود وتعزيز الصفوف لتحرير كل شبر محتل في بلدنا وكسر الة الحرب العدوانية وتعزيز صمود أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات والمحاور وهذا لن يتأتى إلا بأن تصطف كل القوى والمكونات والفعاليات وراء مشروع وطني حقيقي يضع في اعتباراته سيادة اليمن واستقلالها متمنين من هذا المؤتمر الخروج بمقررات وإجراءات تواكب صمود اليمنيين وتلبي تطلعاتهم.