قاعدة أمريكية ؛ خطوة نحو الحرب
تخطو واشنطن خطوة جديدة في سوريا. الخطوة التي قد تطيل الأزمة، ستُستتبع بخطوات أخرى. فبعد تحوليها مطار الطبقة العسكري، في وقت سابق من العام الجاري، إلى قاعدة عسكرية مؤقتة لقواتها، تحدّثت مصادر عسكريّة عن بدء القوات الأمريكية في مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي.
المدينة التي تعدّ ثاني أهم مدينة في محافظة الرقة بشمال ووسط سوريا، وتقع على بعد 55 كلم غرب مدينة الرقة، ونحو 180 كلم عن مدينة حلب باتجاه الشرق، ستكون مركزاً لقيادة القوات العسكرية الأمريكية، فما هي أهداف هذه الخطوة؟ هل هي مقدّمة لغزو أمريكي أم أنها خطوة لإطالة أمد الفوضى؟ وما دور هذه القاعدة في مشروع التقسيم المعدّ للمنطقة؟
قاعدة أمريكية
تحدثت تنسيقيات المسلحين أن القوات الأمريكية الموجودة في مدينة الطبقة، اتخذت منطقة الإسكان العسكري ومدرسة محمد فارس ومباني الأمن العسكري والجنائي في الحي الثالث بالمدينة، لإنشاء مقر عسكري وسكني لقواتها.
ونقلت “التنسيقيات” عن “مصادر محلية” في مدينة الطبقة أن القوات الأمريكية بدأت بهدم منازل الإسكان العسكرية في مدينة الطبقة، وقطعت جميع الطرقات المؤدية إلى المنطقة، وشرعت بعمليات البناء، وأن القوات الأمريكية تنوي التمركز في المدينة “الاستراتيجية”، واتخاذها قاعدة عسكرية طويلة الأمد، على الأراضي السورية.
طبول حرب أم تكريس للتقسيم؟
تحمل الخطوة الأمريكية الجديدة، والمتوقّعة، جملة من الدلالات على المسرحين السوري والعراقي، لاسيّما في ظل كونها خطوة قد تطيل من أمد الازمة السورية وفق الاستراتيجية الأمريكية وفي هذا الإطار يمكن قراءة التالي:
أوّلاً: يبدو أنّ واشنطن بدأت باقتطاع حصّتها في سوريا، أي أنها تستخدم استراتيجية الأكراد في الحصول على المناطق التي يتمّ طرد داعش منها. هذه المدينة التي تمّ طرد تنظيم داعش الإرهابي منها بدعم من التحالف الدولي وعبر القوّات الكرديّة ستكون قاعدة أمريكية طويلة الأمد. القوّات الأمريكية عمدت بالأمس، إلى إسقاط طائرة مقاتلة تابعة للجيش السوري في رسالة واضحة أن المنطقة باتت خطّ أحمر أمريكي.
ثانياً: وجد خبراء في تأسیس القاعدة تكريساً لحضور عسكري أمريكي على المستوى الاستراتيجي، باعتبارها ستكون مهبطا للطائرات من نوع “F16 وF10” التي تهبط حاليا في قاعدة إنجرليك التركية. أي أن واشنطن تعدّ العدّة للاستغناء عن قادة انجرليك بسبب الصدام المرتقب بين الأكراد والأتراك، والرسالة الأمريكية السياسيّة لأردوغان، أنها تمتلك بدائل لو توترت العلاقات وتم إيقاف العمل بقاعدة إنجرليك.
ثالثاً: يعلب البعد المادي دوراً في هذه الخطوة، حيث يؤكد مراقبون أن واشنطن من خلال هذه الخطوة تحاول تقليل الكلفة الماديّة والسياسيّة لتحرّكها العسكري في دعم الأكراد سواءً لناحية الدعم الجوي القادم عبر العراق أو تركيا أو دول الخليج الفارسي، أو لناحيّة تأمين قواعد للإمداد والتموين و الخدمات الأخرى المختلفة للقوات الأمريكية و الغربية. كذلك، يعطي هذا الأمر لواشنطن هامشاً أكبر في التحرّك العسكري عبر حصر الأمر مع الاكراد، حصان الطروادة الأمريكي.
رابعاً: لم تكن هذه القاعدة الأمريكية الأولى في سوريا، فقد بنيت أول قاعدة بالقرب من الرميلان شمالي شرقي سوريا، والتي تعتبر القاعدة الجوية الامريكية الأولى في سوريا، إضافة لقواعد أخرى طور الإنشاء، سواء قاعدة أمريكية ثانية، أو قاعدة ألمانية في نفس الحيز الجغرافي الممتد شمالي سوريا والقاعدة الفرنسية بالقرب من مدينة عين العرب. أي أن الدول الغربية تسعى لمواجهة روسيا التي تتمركز في قاعدتين غرب سوريا، عبر عدّة قواعد في الشطرين الشمالي والشرقي. بعد إسقاط مقاتلة “سو-22” تابعة لسلاح الجو السوري في محيط بلدة الرصافة بريف الرقة من قبل مقاتلة “إف18 آ” الأمريكية، أعلنت وزارة الدفاع الروسية اليوم تعليق العمل بمذكرة أمن التحليقات الموقعة بين واشنطن وموسكو بشأن الأجواء السورية، محذّرة من أن وسائل الدفاع الجوي الروسي ستتعامل مع أي جسم طائر كهدف، فهل هذا بمثابة قرع لطبول الحرب؟
خامساً: نقلت وكالة “نوفوستی” الروسيّة” عن إيغور موروزوف عضو مجلس الاتحاد الورسي كشفه لمعلومات عن تحضر واشنطن لعملية واسعة النطاق لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وإيضال قوى موالية لواشنطن إلى السلطة في دمشق عبر ثورة ملوّنة، فهل القواعد الامريكية مقدّمة لهذه الخطوة؟
سادساً: من الناحية القانونيّة، يعد هذا الأمر بمثابة العدوان العسكري على الأراضي السورية، وهو مخالف لكافّة القوانين الدوليّة، إلا أن واشنطن ستبرره اليوم تحت شعار مكافحة الإرهاب. ولكن، في مرحلة ما بعد داعش يبدو أن واشنطن ستتخذ من العباءة الكرديّة شمّاعة لتبرير وجودها عبر دعم الأكراد في مسألة التقسيم. تعيد هذه الخطوة إلى الأذهان قواعد الناتو في جمهورية كوسوفو شرق أوروبا، فقد تشكلت هذه الدولة بعد قيام الغرب بتكثيف الغارات الألبانية وبعدها وبحجة تنامي النزعات العدائية، استدعيت قوات تدخل الناتو. وبعدها شُنت غارات عنيفة على بلغراد، انتهت بترحيل الصربيين من المناطق الخاضعة للسيطرة الالبانية. ربّما نكون أمام صراع تركي-كردي أو عربي-كردي ينتهي بتكريس واشنطن للدولة الكردية عبر قرار أممي.
أسباب أخرى قد تفسّر هذه الخطوة الأمريكية، إلا أن مسألة التقسيم تبقى أهم الأسباب حيث تسعى واشنطن لجعل هذه المنطقة، التي لا تعدّ كرديّة بالأصل، ضمن الإقليم الكردي. هذا ما صرّح به علناً رئيس “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي صالح مسلم الذي طالب بضمّ مدينة الرقّة إلى “الإدارة الذاتية” في “مقاطعة الجزيرة” التي يحكمها الأكراد الانفصاليون من ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، “الوكيل الحصري” لأمريكا في الرقة.