صمود وانتصار

” جُمعة القُدس “… نبراس الحق الذي لا ينطفئ..!!

كتب / محمد أحمد الحاكم

شكل ” يوم القدس العالمي ” حقيقةً لا يمكن لأحد من أعداء هذه الأمة أن يشكك فيه أو يزايد عليه , فهو يوماً كان و ما زال وسيضل نبراساً يشعشع أنواره في كل أرجاء المعمورة بلا حجاب يُضرب , يوماً يحمل في طياته الكثير و الكثير من المعاني التي لا يمكن لأحد أن يغض الطرف سهواً عنها أو أن يتغافل بعمد .

إذاً … يمكننا القول بأن لهذا اليوم قوة لايُستهان بها , فهو قد إستطاع أن يفرض نفسه ووجوده على كل البشرية أجمع بلا قيد أو شرط , كيف ذلك ..؟؟ تساؤل لا يمكن لأحد أن يستوعب معناه و يفهمه إلا من كان يُدرك كُنه هذا اليوم ويستشعر بتجلياته العظيمة .

لقد حمل هذا اليوم العديد من الصفات التي خولته في إكتساب ملكة القوة و السيطرة و النفوذ في عدة جوانب , ولمعرفة كنه تلك القوة علينا أولاً إستقراء الظروف التي شهدتها المنطقة العربية و الإقليمية , و التي ساهمت إلى حد كبير في إنشاء و تكوين هذا اليوم و إضفاء سمه القوة عليه , وذلك في الآتي :-

1-         أنه جاء عقب الكثير من المتغيرات السياسية و الإقتصادية التي شهدتها المنطقة العربية و الإقليمية , و التي تشكلت سلباً بسبب ما مُنيت به معظم الأقطار العربية من إنتكاسات سياسية وعسكرية أبان صراعاتها مع الكيان الصهيوني , كان أبرزها إنتكاسة 1948م , و العدوان الثلاثي على مصر عام 1967م ,  بالإضافة إلى إنتكاسة حرب أكتوبر سنة 1973م , و التي عكست جميعها سلباً على الحالة النفسية والمعنوية لكلاً من الأنظمة العربية و شعوبها .

2-         نتيجة لتلك الإنتكاسات السلبية التي منيت بها تلك الأنظمة و شعوبها , بدأت تلك الأنظمة في رسم سياسة دولية جديدة , تجلت في إعلان التطبيع بين مصر و إسرائيل في العام 1978م , التطبيع الذي عبر بجلاء عن عمق الخلاف العربي – العربي مع بعضه البعض , كما أنه عبر عن مستوى الرغبة العربية في تحوير النظرة العربية تجاه إسرائيل بعد أن كانت تتسم آنذاك بالعدائية المطلقة لتتحول إلى علاقة جديدة تتسم بالقبول و التطبيع مع بعضهم البعض .

3-         إنه جاء نتيجة إنهيار أبرز القوى الرأسمالية في المنطقة ممثلة بنظام ” الشاه ” , و التي كانت من أبرز الأنظمة في المنطقة إن لم تكن على الإطلاق , أنظمة جسدت أعظم الولائات  لسياسات و توجهات الغرب على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية , إنهيار أستبدل به نظاماً جمهورياً يحمل صبغة دينية ثورية بحتة , مناهضة لتوجهات و سياسات الغرب و حلفاءه.

لقد مثلت الثورة الشعبية في إيران بقيادة مؤسس الثورة ” روح الله محمد الخميني ” رحمه الله , مثلت أبرز ملامح تشكيل و إعلان ” يوم القدس العالمي ” كما أنها أضفت عليه صبغة القوة و الثبات و الإستمرارية إلى حد اليوم , و لا أكون مغالياً إن قلت بأن لا أحد من أبناء هذه الأمة العربية و الإسلامية من يحملون صفة كبار رجال العلم و الفكر التنويري و الحداثي ,  إستطاع أن يحمل هموم هذه القضية و يفهم كنه هذا الصراع العربي الإسلامي – الصهيوني , و يحافظ على وهج الدفاع عن ” القدس ” و القضية الفلسطينية , من خلال تثبيت مسار الإهتمام  بالقضية دون غيرها من القضايا التي تواجهها الأمة العربية و الإسلامية مهما كان شأنها , و رسم الخطوط العريضة الصحيحة في نصرتها , كما فعل الإمام الخميني رحمه الله , إذ أن دعوة الإمام ” روح الله الخميني ” بشأن تخصيص هذا اليوم لم تكن لتأتي من فراغ حسي وفكري مجرد يمتلكه الرجل , لكنها أتت نتيجة إستشعاره الصادق بقيمة ومكانه ” القدس ” وكل أرض فلسطين في وجدانه ووجدان وقلوب كل المسلمين على حداً سواء , , فهو قد آمن بهذه القضية بأنها القضية الكبرى و الأعظم من بين كل القضايا التي أُصيبت بها الأمة العربية و الإسلامية آنذاك أو التي تُصاب بها الآن أو التي سُتصاب بها في عاقب الأيام , القضية التي وسمت منذ نشأتها و إلى الآن بالمظلومية التي لا تقاس ولا تُحتمل , القضية التي مُنيت من خلالها ” القدس ” مرتين بالظلم و القتل و الخذلان شكلاً و مضموناً , فهي في الأولى قد أصيبت بعدوان ” صهيوني ” و دولي أغتصب خلال جرمه أرض ” فلسطين القضية ” وسفك حرمة الأرض و الشعب عياناً بياناً , بلا رحمة ترتجى و لا شفقة توهب , وفي الثانية …. مُنيت بالخذلان و قطع الأمل من أخوان لطالما حُسبوا عليها أهلاً يجمعهم الأصل و النسب , وينظمهم العُرف و الدين .

وبناء على ذلك كله نستطيع القول بأن هناك عدة معايير شكلت في مجملها نقاط القوة التي أكسبت هذا اليوم روحية الصمود و الثبات و التحرر من طغيان العدو الصهيوني و أذياله , وهذا ما تأكد لنا من خلال ما يلي:-

1-         إنه أستطاع أن يحدد طبيعة ذلك الصراع من خلال الأكيد على أنه صراع ديني إسلامي – صهيوني بحت .

2-         إنه أستطاع أن يحدد أطراف الصراع من خلال التأكيد بأنه صراع متعدد الأطراف , رسم طرفه الأول في الكيان الصهيوني وكل من يقف وراءه ويدعمه من القوى الأمريكية و الغربية وكل من يؤيدونه , في حين أن الطرف الآخر تمثل في كل القوى العربية و الإسلامية المناهضة للوجود الصهيوني المستبد , المنطلقين بمقتضى عقيدتهم الدينية الواحدة , وبموجب فطرتهم السمحة القائمة على رفض الظلم و الإحتلال , ونصرة المظلومين .

3-         أنه استطاع أن يحدد شكل الصراع العربي و الإسلامي مع الكيان الصهيوني , من خلال التأكيد على أنه صراع مصيري ووجودي , وبأنه ليس صراعاً سياسياً أو حدودياً قابلاً في أن يدخل في إطار مساومات رخيصة .

4-         إنه إستطاع أن يحدد مسارات تعزيز القوة التي يجب أن تحتوي الأمة العربية و الإسلامية كي تكسبها المنعة و السطوة عند مواجهة عدوهم الأكبر , و التي أكدها في ما يلي :-

(أ‌)         التأكيد على ضرورة تنبيه الأمة العربية و الإسلامية بخطر وجود الكيان الصهيوني بين ظهرانيهم , مؤكداً في ذات الوقت بأن خير وسيلة لمواجهة هذا الخطر يكمن في توعية و تعبئة الشعوب العربية و الإسلامية بكل الثقافات التربوية و السياسية و الدينية وعلى رأسها تعظيم و تقدير معاني الجهاد , كون ذلك سيحقق لهم الإدراك و الوعي بأن كنه هذا الصراع لا يدور حول القضية الفلسطينية وحدها , وإنما تشمل أصل الإسلام ومستقبل كل الشعوب .

(ب‌)       التأكيد على وجوب توحد الأمة العربية و الإسلامية على حد سواء , توحد يخلو تماماً من أي نزاع قد يفضي إلى تحقيق الفرقة و الإختلاف , مع وجوب تعزيز روح التعاون و الألفة بين كل أقطار هذه الأمة السمحة .

(ت‌)       التأكيد على ضرورة تعزيز معاني ومفاهيم الإسلام . في وجدان وقلوب أبناء هذه الأمة ، بما يمكنهم من الوقوف ومواجهة هذا الكيان الغاصب، ويضفي عليهم هوية متفردة ومميزة تمكنهم من مواجهة أي طرح آخر يقابلهم .

(ث‌)         التأكيد على ضرورة إضفاء مفهوم المقاومة السلبية في الوسط العربي و الإسلامي ، بمعنى أدق يعني عدم الاعتراف بالكيان الغاصب من خلال أي طرح سياسي أو أي مبادرة سياسية أو أمنية تعطي إسرائيل حق الوجود ، وبذلك يقطع على إسرائيل الاعتراف ببقائه وحقِّه في الأمن و العيش و الإستقرار.

(ج‌)          التأكيد على ضرورة عدم إعتبار قضية القدس قضية خاصة يهتم بشأنها الفلسطينيون وحدة , و إنما جعلها قضية إسلامية عامة ، يهتم بشأنها كل المسلمين في كل أقطار العالم ، إهتمام يتحمل المسلمين فيه المواجهة ضد العدو الصهيوني .

(ح‌)          التأكيد على ضرورة تعزيز في قلوب الأمة العربية و الإسلامية بأن العامل الرئيسي و الحاسم لأنتصارهم ضد العدو الغاصب يكون مرهوناً بأرادتهم الشعبية و بثقتهم بالله , ومؤمنين في ذات الوقت بقدرتهم على النهوض و التغيير الكامل و الشامل خلال مواجهتهم للعدو الصهيوني .

(خ‌)        التأكيد على ضرورة  إقامة حكومات و أنظمة عربية و إسلامية صالحة , تقرب المسلمين من تحقيق الهدف و تعزز من الثقة فيما بينها وبين شعوبها .

(د‌)        التأكيد على ضرورة تعزيز القدرات السياسية و الإقتصادية للمقاومة , وذلك منم خلال دعم المجاهدين والمقاومين بكل أنواع السلاح و المال و الكلمة .

ختاماً .. يمكننا القول بأن ” يوم القدس العالمي ” سيظل على الدوام نبراساً للحق الذي لا يمكن أن يخبوا نوره للحظة واحدة , ما دام و أن هناك أرواحاً إيمانية صادقة حملت بين أكفها هموم القضية ومعانيها , وسعت جاهدةً في أن تلمم جراحات هذه الأمة و تخفف من آلآمها المستديمة , وتقارع صنوف البغي و الطغيان حتى تضنيه بالتعب و الإرهاق , و العاقبة للمتقين .