رجاء المؤيد
حين نتأمل في الآية الكريمة من القرآن الكريم قوله: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”، نجدُ أن اللهَ سبحانه وتعالى بعَثَ وأرسل نبياً للعرب الأميين الذين لا يدينون بكتابٍ سماوي ولم يكن أنبياءُ الله منهم بل كان الأنبياءُ من بني إسرائيل الذين اصطفاهم وفضّلهم على العالمين، لكنهم بذنوبهم ومعاصيهم قست قلوبُهم فاستحقوا بذلك اللعنة وضُربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضبٍ من الله، وكانوا يعلمون بنبي آخر الزمان خاتم الأنبياء والمرسلين أنه سيبعث في جزيرة العرب وكان اليهود يخبرون العربَ عنه وعلاماته وصفاته، لكنهم كانوا يظنون أنه منهم من بني إسرائيل، إلّا أن الله استبدل بهم العربَ بعد ظلمهم وكفرهم وادعائهم لبنوَّة عُزَير وعيسى لله تعالى، وقد منع اللهُ عهدَه بالنبوة والإمامة للظالمين من ذرية إبراهيم عليه السلام عندما قال: “إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين”، من هنا انتقل العهد إلى ذرية إسماعيل عليه السلام الذي سكن الجزيرة العربية وكان من نسله بنو هاشم وغيرهم من القبائل العربية الذين كانوا على فترة من الرسل ولم يبعث فيهم نبي، لذلك كان أهلُ الكتاب يطلقون عليهم اسم الأميين، أي أنهم لا كتاب لهم ولا أنبياء، ولنتخيل معاً كيف كان يتفاخر اليهود والنصارى على العرب ويحتقرونهم وينتقصون من قدرهم، وكذلك كيف كانوا يستكبرون عليهم ويسيطرون ويهيمنون على أمور كثيرة اقتصادية وثقافية ونشروا فسادَهم على كُلّ المستويات، بينما كان لا يزال العرب يحتفظون بشيء من الأخلاق ولو قليلاً، وكانوا أفضل في ظني من أهل الكتب السماوية التي حُرّفت، فاستبدل الله بني إسرائيل بالعرب وبالذات ذرية إسماعيل عليه السلام مَن لا يزالون على طهارتهم ونقائهم، فاصطفى الله منهم محمداً صلوات الله عليه وآله وأرسله للعالمين العرب والعجم رحمةً لهم وأرسل معه القرآن الكريم يتلو على الناس آياته ويعلمهم الكتاب وأحكامه وتشريعاته وقوانينه ونظامه وعلومه ومعاملاته وعباداته ويعلمهم الحكمة في الأقوال والأفعال وَكل شيء في حياتهم من عادات وتقاليد وآداب وسلوكيات اجتماعية وسياسية والتي كانوا من قبل ذلك كله في ضلال مبين، كان العرب في ضياع أشبه ما يكون بالموت وإلا لما دعا الله الناس للاستجابة لله ولرسوله في دعوتهم لحياتهم في قوله: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”، إن ما كان عليه العرب والعالم أجمع من الفساد والظلم وعبادة الأوثان وممارسة الخبائث من الأقوال والأفعال وقتل النفس المحرّمة والزنا وشرب الخمر والتعامُل بالربا واستعباد الناس المستضعفين وأكل الأموال بالباطل وقول الزور وكانوا لا يتناهون عن المنكر ولا يفعلون ولا يأمرون المعروف، فكان رسول الله هو المبعوث رحمة للعالمين ليزكيهم ويطهرهم من أدناس وأرجاس الشرك وما ترتب عليه من فساد في كُلّ أمورهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لكنه وجد الصد والجحود والعناد والأذى والاساءة من قبل قومه فصبر وجاهد وبذل أقصى جهده لإتمام الدين ولم يستجب لاغراءاتهم وتهديداتهم معاً وصبر على الأذى ومعه أهل بيته وأصحابه المخلصون والمجاهدون، خاصة المستضعفين منهم من الفقراء والعبيد كبلال وآل ياسر والكثير منهم من جهلنا قصصهم وسيرتهم بسبب التعتيم والتضليل الذي فُرض على الأمة الإسلامية من قبل أعداء الأمة الذين عجزوا عن هزيمة الإسلام من خارجه فشكّلوا جبهة معادية من داخله باسم الدين وتحت لواء الإسلام، قال الله تعالى: “وما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أَوْ قُتل انقلبتم على أعقابكم”، ويؤكد على ذلك ما حصل من هجر لكتاب الله واستبداله بروايات موضوعة في الأحاديث النبوية وكتب من الحديث والسيرة التي معظمها يسيء إلى النبي، ما ملأ المجلدات، ونقلوا لنا صورة مشوهة ومسخاً وصفات أَحياناً نستقبح أن تصدر من عامة الناس فما بالك برسول الله، بينما رسول الله يجلس مع الجواري وبعض الصحابة في مجلس طرَب بالدفوف، وروايات تصوّره وزوجه في ماراثون سباق، مرة تسبقه ومرة يسبقها والكثير من هذه السموم الفكرية التي حرفوا بها الدين بعد عجزهم عن تحريف القرآن الذي تكفل الله بحفظه “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، لذا كان السلاح الفتاك هو التحريف في السيرة النبوية والأحاديث الموضوعة سواء أكانت أحاديث نبوية أَوْ ما يسمى بالأحاديث القُدسية التي لا يتجرأ أحد أن يصنفها كما صنفت بعض الأحاديث الصحيحُ منها والحسن والضعيف، بحسب الأهواء والانتماء السياسي، لكننا إذا أردنا أن نعرفَ رسول الله، يكون من خلال القرآن والأحاديث التي لا تتعارَضُ مع القرآن، فمن خلال معرفته صلوات الله عليه معرفة صحيحة سنتمكن من الاقتداء به صلوات الله عليه وآله في كُلّ حياتنا لأننا مكلفون بذلك، “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً”، وأختبر الله حبنا له تعالى باتباعنا لرسول الله “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله”.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا اتباعَ نبيه لننالَ محبتَه تعالى وحبَّ نبيه ونصرته وتعزيره وتوقيره، “إلا تنصروه فقد نصره الله”، وبذلك سيكون نصرُه والدفاعُ عنه ضد كُلّ الاساءات من قبل أعدائه اليهود والمشركين بكل أشكال الاساءات ثقافية وإعلامية وغيرها، وكذلك من قبل المنافقين الذين هم أشد عِداءاً وهم العدو الذين حذّرنا الله منهم وأمَرَنا بقتالهم جَميعاً والوقوف بوجه عدوانهم لله ولرسوله وللمؤمنين.