صمود وانتصار

المولد النبوي الشريف.. دروس وعظات

إسكندر المريسي

تطلُّ على المسلمين في مشارق الأَرض ومغاربها ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، حيث تتزامن تلك الذكرى التأريخية المهمة في عصر البشرية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وسط حالة التكالب الشديد الذي تتعرَّضُ له أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أكان ذلك على صعيد العدوان السعودي لبلد الإيمان أو على صعيد الاحتلال الصهيوني للقُدس الشريف مسرى الرَسُــوْل الأكرم صلوات الله وسلامه عليه.

كما يعاني المسلمون أيضاً في شتى أصقاع الأَرض أعمالاً من القمع والاضطهاد والقتل والتدمير جراء غطرسة النظام العالمي الجديد، لذلك تكتسب الاحتفالية الجماهيرية والشعبية العريضة في العالم الإسلامي أهمية بالغة في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف لما لذلك من دلالات عظيمة عبر عنها الإسلام عقيدةً وشريعة وفكراً وسلوكاً وممارسة خاصة والرَّسُــوْل صلى الله علية وعلى آله يمثل القدوة الربانية للبشرية في الدنيا والآخرة.

كان صلى الله عليه وآله وسلم أشرف اسم في الوجود الإنساني خاتم الأنبياء والمرسلين ليس ماضياً فحسب، ولكنه حاضرٌ يتجدد ومستقبل يكتمل كأمر ضروري بإتمام النور للبشرية جمعاء، خاصة وأمة اللغة العربية تحديداً التي جاء منها النبي العربي بدلاله الخطاب القرآني.

لذلك يأتي هذا المولدُ النبوي الشريف تجسيداً لمعاني النور بشقيه الرسالة النبوية والعقيدة الإسلامية وكلاهما التعبير المكثف والمتجدد للمنهج القرآني الذي فيه التفسير العلمي الشامل لقضايا ومشاكل العصر، لذلك يمثل المولد النبوي ليس بارقة الأمل في ليل الانكسار الإسلامي فحسب ولكنه الطموحات المشروعه كلها بماضيها وحاضرها ومستقبلها لما لهذه الأمة من مكانة في رسالة الإسلام وزيادة في العقيدة السمحاء مصداقاً لقوله تعالى (كنتم خير أمةً أخرجت للناس).

وليس فحسب وإنما ارتبطت الهداية للبشرية وللمسلمين خصوصاً بطاعة الرَسُــوْل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقول المولى عز وجل (وان تطيعوه تهتدوا) والطاعة وفقاً لمعانيها ودلالاتها الواضحة تعني الالتزام الثابت والتجسيد الصادق لهدي الرَسُــوْل الأعظم ونهجه وسُنته التي قال فيها (تركتم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).

وانة لمن دواعي الغبطة والسرور ان يكون الاهتداء والاقتداء بسنة الرَسُــوْل صلى الله علية وآله وسلم شاملاً ومتكاملاً وغير منقوص ولا مجزء خاصَّة في وعي الذين يبتسرون الحقيقة والتي تقتضي التزاماً بسُنة النبي العربي وهدي المصطفى عليه وعلى آله أفضل السلام وقفة إجلالاً وإكباراً عند ميلاد الهدى البداية الأولى نحو إشراق النور الكبير حتى يبلغوا آفق الكون المنشود.

وقد كان أمير الشعراء احمد شوقي صادقاً عندما خاطب ذلك النور في قصيدة الاجلال والإكبار لنور الإسلام والبشرية جمعاء قائلاً :(ولد الهدى فالكائنات ضياء/ ووجهُ الزمان تبسماً وثناءُ)، في اشارة واضحة لنبي الأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن معنى السنة فكراً وممارسة أن نقتدي بهديه ونجعل من المولد النبوي الشريف وقفه إسلامية لإحياء قيم التضامن والتواصل وتقوية الروابط وإشاعة قيم التسامح ونبذ الفرقة وتحاشي ثقافة التعبئة الخاطئة والحد من تنامي الموالاة لغير الله عز وجل وترك الموالاة للأجنبي وأن تكون الموالاة لكتاب الله وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن تلك القيم الفاضلة التي يجب ان تبعد المجتمع عن الضغائن والانقسام والفرقة وتدعو إلى وحدة الصف وتنقيه القلوب من الاحقاد وتقويم النفس من الاعوجاج والانحراف هي المعاني الرفيعة السامية التي تعكس جلالة ومهابة وعظمة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته السمحاء وتلك القيم أبلغ وأهم الدروس المستفادة من ذكرى المولد النبوي الشريف.