حينما تُزهر الحكمة وينضج فصل الخطاب .. قراءة في كلمة قائد الثورة
الصمود / 20 / أغسطس
بقلم / محمد عبدالقدوس الشرعي
صباح يوم السبت 19 أغسطس 2017م ألقى السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي كلمة عالية المضامين وثمينة المطالب أمام حكماء وعقلاء اليمن أخذ الشق المحلي منها حصة الأسد ، خصوصاً بعدما بلغت اللغة الفتنوية حداً غير مسموح به، عبر محاولة البعض اللعب على شرذمة أركان الجبهة المواجهة للعدوان ، وإشاعة جوّ من الفرقة بينها .
كلمة السيد عبدالملك يحتاج المحلل والمتابع أن يقرأها ويكرّرها مراتٍ ومرات حتى يدرك دلالاتها ونتائجها وما بين سطورها كونها استنهضت وأنعشت قلوب وعقول الأحرار الحريصين على الكرامة والعزة والنصر على الأعداء ، وكانت بمثابة خطاب مكاشفة للشعب اليمني وتوضيح للحقائق ،وفضح للمبتزين ، وتعرية للفاسدين ، وتفنيد لأكاذيب المتقولين على من يذهبون إلى الجبهات حفاة بأنهم تجار حروب .
لا أخفيكم سرا بأنني عندما سمعت القائد يقول: ” لسنا وحوشا، وإنما رجال تضحيات، ومستعدون للتضحية حتى آخر رأس، وهذا رأس عبدالملك بدرالدين الحوثي حاضر أن يقدمه في سبيل الله وفداء لهذا البلد وفداء لهذا الشعب ” أصبت بحالة يصعب على كلماتي شرحها لكن يقيني ازداد بأن النصر آت لا محالة , لأنك عندما تستمع لرجلٍ وقائدٍ كعبدالملك الحوثي يقول بأن رأسه حاضر لتقديمه فداء لن يكون أمامك إلا أن تؤمن باقتراب النصر كإيمانك بأنك ستموت ، كما أن قوله يوصِل رسالة قوية وحاسمة لمن يريد أن يخلخل الداخل بأنك ستواجه كما يواجه العدوان الخارجي وعليه أن يعي ذلك جيداً .
ففيما يخص الجبهة الداخلية التي يسعى العدو إلى تمزيقها أكد القائد بان هناك أنشطة كبيرة تستهدف ضرب الداخل من خلال اختراق المكونات من قبل العدو وشراء ولاءات منتسبيها بما يجعلها تتماهى مع عناوين جانبية ثانوية على حساب عنوان التصدي للعدوان.
وقد ظهر السيد القائد أكثر وضوحا وأقوى حزماً من أي وقتٍ مضى فيما يخص الداخل من خلال تأكيده على وحدة الصف وثبات الجبهة الداخلية وتعزيز الموقف للتصدي للعدوان وضرورة أن يكون هناك جاهزية للتصدي لأي محاولة لتفكيك الجبهة الداخلية وتفكيك الصف الوطني.
وسبب وضوحه ولهجته القوية هو أن اليمن على أعتاب مرحلة حساسة ومهمة لأن هناك خطة جديدة تحرص من خلالها قوى العدوان على أن تتمكّن من حسم المعركة من خلال مسارات متعددة ، أولها مسار عسكري من خلال التصعيد الكبير في الجبهات المهمة وهي نهم وجبهات الساحل وتعز وعدد من الجبهات وفي نفس الوقت يتزامن مع المسار العسكري مسار أخر وهو استهداف الجبهة الداخلية واستهداف البلد من الداخل حتى يؤثروا على الوضع العسكري ويتمكنوا من التأثير على جبهات القتال والحد من رفدها بالرجال والحد من الزخم البشري اللازم وذلك من خلال نشاط مكثف لتفكيك الجبهة الداخلية وإثارة النزاعات والمشاكل الداخلية والعمل عل إبراز قضايا ثانوية فئوية تطغى على المشهد الداخلي وتبرز إلى الصدارة وتستحوذ على كل النشاط في الداخلي فينشغل الجميع عن التصدي للعدوان، وكذا العمل على حشد ما استطاعوا حشده تحت عناوين ثانوية .
وكشفت الكلمة أن قوى العدوان تطلب من البعض أن يتحولوا من مواجهة العدوان إلى وسطاء والبعض يتحضروا لان يكونوا تحت عنوان الحياد وكأن هذا البلد لا يعني الجميع ، وعلى هؤلاء أن يعوا جيدا بأن دول العدوان إذا تمكنت من خلخلة الداخل لن تقبل بمبادراتهم او وساطاتهم ، ستقبل فقط بإستسلاهم وخضوعهم .
أما عن رجال الرجال الحفاة في الجبهات الذين انطلقوا لمواجهة القوى الأجنبية والدفاع عن الشعب اليمني فقد فضحت الكلمة حقيقة الهجمة الإعلامية التي تُشنّ على أنصار الله وكشفت الهدف منها الذي يتمثل في تقديمهم كرجال مشاكل وتجار حروب ،وتقديم من يخونوا البلد ويتآمروا عليه ويدخلوا في صفقاتٍ مشبوهة على سلب حرية وكرامة البلد بأنهم حكماء وهم السياسيين وهم المفكرين وغيرها من عبارات التبجيل والمديح المصطنع .
وبالنسبة للفاسدين أطلق القائد في كلمته توجيه لا يقبل التأويل أو التحريف من خلال طلبه من حكماء اليمن بضرورة تفعيل الأجهزة الرقابية وتأكيده بأنه لن يكون هناك حماية لأحد وإذا كان هناك فاسد من أنصار الله فعلى الحكماء أن يدقوا رأسه ويخلسوا ظهره وإذا كان من المؤتمر الشعبي فلن يقبل أن يحتمي بالمؤتمر ، ولم يظهر موقف على الإطلاق من أي مكون فيما يخص المفسدين كما هو موقف السيد القائد .
إضافة إلى تأكيده بالقول “لست رجل مواعظ، أنا رجل قول وفعل، وسأقف إلى جانبكم لإرغام الآخرين للقبول بتصحيح الأجهزة الرقابية وأن يُحاسب كل فاسد أيا كان” يؤكد بشكل قاطع أن التصحيح سيتم رضي من رضي وغضب من غضب.
وفيما يخص أجهزة الدولة ومن يعرقلها ويعبث بها تحدّى القائد بصوت الواثق أن مكوّن أنصار الله لا يمثّل إلا الربع في الهيكل الأعلى في الدولة وواحد بالمائة في الهيكل العام الإداري للدولة، وبهذا يتضح للشعب اليمني من الذي يعبث بالدولة ومن يعرقل مسارها ويحول دون قيامها بدورها في مواجهة العدوان
ولم يغفل السيد عبدالملك في كلمته من تجديد مد يد السلام المشرّف، وتأكيده بأنهم رجال سلام لكن ليس رجال استسلام، لأن الاستسلام ليس له رجال، وإنما له دجاج، وتوضيحه بأنه لم يكن يمانع من أي حلول مشرفة بالحد الأدنى تحفظ شرف وكرامة وسيادة وحرية واستقلال البلد، وإعلانه بأنه قدم ” كل الخيارات المتاحة وكل التنازلات إلى حدٍ ما وبما لا يتجاوز حدّ الكرامة والحرية”.
الخلاصة أن إطلالة قائد الثورة في كلمته أمام الحكماء والعقلاء لا تُشبه أي إطلالة من سابقاتها .. صحيح بأن لكل منها وقعها الخاص وصداها اللافت في الأوساط المحلية، وحتى الإقليمية، لكن هذه الكلمة ونظراً لما حملته من مواقف لافتة ومبادرات يمكن استغلالها للعبور بالأزمات إلى الحل ووضعت النقاط على الحروف لما يملكه من الحكمة و”فصل الخطاب” وكاريزما تجعل المشاهد مأسوراً وحريصاً على عدم تفويت فرصة الإستماع إلى جميع المحاور التي تطرق إليها بسلاسة ومرونة مميزة.
وبالتالي بعد الكلمة أصبحت القوى المواجهة للعدوان وفي مقدمتها حزب المؤتمر مطالبة بموقف واضح