صمود وانتصار

من هم اليهود “الحريديم”، وما دورهم في السياسة ؟

شتقت كلمة “حريدي” من فعل “حرد” بمعنى أعتزل واعتكف وابتعد عن الآخرين.

ويفضل “الحريديم” نوع خاص من المدارس اليهودية يدعى یشیوا (Yeshiva) ، وهم قلما يستخدمون التكنولوجيا وبرامجها مثل التلفزيون، والحاسوب، والهاتف النقال.

وتتميز الأسرة الحريدية بمعدل زيادتها عن أي أسرة يهودية أخرى. إذ يبلغ متوسط عدد الأطفال في كل أسرة بين 7و9. وقد تراوح عدد الحريديين عام 2016، بين 950 ألفاً ومليون، ما يعني أن 1 من بين كل 9 إسرائيليين هو حريدي. ويتوقع أن يصل عددهم إلى حوالي مليونين بعد عقدين من الزمان.

وشكّل “المجتمع الحريدي” ما نسبته 11% من مجموع السكان في إسرائيل حتى نهاية 2015. وتشير التوقعات إلى أن هذه النسبة سترتفع إلى 14% في العام 2024.

وتجمع جميع التقارير والدراسات المختلفة على أن هذه الفئة السكانية ستزداد عدداً بوتيرة سريعة، وفق كل التوقعات، خاصة في المدى المنظور، ذلك أن معدل الزيادة الطبيعية لدى الحريديم هو 4% في السنة، مقابل معدل زيادة يبلغ 1% فقط بين السكان اليهود غير الحريديم.

ومن السمات الأخرى للحريديين أن أكثر من 80 في المائة منهم يتزوجون في سن العشرين أو بعده بقليل، وهذا ما يفسر كثرة الأطفال لديهم مقارنة مع غيرهم من السكان.

وتعتبر نسبة النمو السكاني لدى الحريديم الأعلى في الكيان الإسرائيلي. ويصنف 35% من اليهود في القدس المحتلة انسفهم كـ “حريديم” مقابل 21% يصنفون كـ “علمانيين”. وهذا الأمر يثير كثيراً قلق قادة الكيان الإسرائيلي، خصوصاً وإن الحريديم يعارضون بشدة الحكم العلماني السائد في هذا الكيان.

والحريديون يرفضون الانخراط بالجيش الإسرائيلي، ويؤكدون أنهم يفضلون الموت على أن يكونوا جزءاً من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. لكنك لن تجد فرق بينهم وبين أي إسرائيلي آخر متزمت، فكلهم عنصريون يفكرون بقتل كل من لا يتفق معهم في الاحتلال وإقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المغتصبة.

ومنذ احتلال فلسطين ونشوء الكيان الإسرائيلي عام 1948، يسود توتر بين الحريديم والمؤسسة الحاكمة داخل هذا الكيان. وقد دارت ولا تزال تدور صراعات وصدامات مشحونة جداً بين الحريديم والمؤسسة الإسرائيلية حول الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية.

ومن مميزات هذا الصراع أنه صراع طويل وجعل كلا الطرفين يسعى إلى تحصين نفسه على نحو يمكنه من العيش وفق رؤيته هو لا وفق رؤية الطرف الآخر، وهذا يعني محاولة كل طرف الوصول لمرحلة انعزال عن الآخر، والتوقف عن محاولات التأثير والاستقطاب بين الجانبين، وهو ما أوصل الكيان الإسرائيلي إلى الاتجاه أكثر نحو الفصل التام بين المجتمعين، ومن تداعيات هذا الفصل تخصيص مناطق سكن معزولة للحريديم خاصة في القدس.

ويعاني الكثير من الحريديم من البطالة والفقر وتدني المستوى التعليمي مقارنة مع الطوائف الأخرى في الكيان الإسرائيلي، إذ يبلغ معدل العاملين نحو 50 في المائة فقط من النسبة المئوية للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 64 في هذه الطائفة، وتفيد المعطيات بأن نسبة النساء العاملات في المجتمع الحريدي تبلغ 61% أي أعلى بكثير من نسبة الرجال العاملين.

ويعيش نحو ربع اليهود الحريديين في حالة انعدام الأمن الغذائي، ويقل دخل الفرد الواحد منهم بنحو 47% عن دخل الفرد من اليهود غير الحريديين.

ومعظم الذكور في المجتمع الحريدي يبقون في “المدارس الدينية” حتى سن 40، وبالتالي فهم لا يشاركون في القوى العاملة في الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي يفسر عيشهم في ظل ظروف سيئة وفي حالة واضحة من الفقر. وبناء على الأفكار الحريدية فإن المشاركة في الجيش أو النشاطات الاقتصادية أو الأدب الحديث أو الرياضة أو الموسيقى أو الأفلام والتلفاز تعتبر خطيئة.

ولم يكن اليهود الحريديون من مؤسسي الحركة الصهيونية والكثير منهم عارضوها في مراحلها الأولى لاعتبارها حركة علمانية تهدد الحياة اليهودية التقليدية. أما اليوم فمعظمهم يؤيدون الكيان الإسرائيلي ويتعاونون معه، باستثناء مجتمعات معينة مثل حركة “ناطوري كارتا”.