“ميدل ايست آي” يكشف تفاصيل الليلة المرعبة في الرياض
الصمود /متابعات
كشف الكاتب الصحفي البريطاني ديفيد هيرست عن كواليس حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد النظام السعودي محمد بن سلمان وكذلك وضع رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري الذي أعلن استقالته من الرياض.
وقال هيرست في مقال بموقع ميدل إيست أي البريطاني، “لقد كان مساء السبت، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حافلاً بالنسبة لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان. فلقد تفوق وريث عرش المملكة البالغ 32 عاماً على نفسه. وتجاوز المستويات العالية من الفوضى والمعاناة الإنسانية التي حقَّقها بالفعل بصفته وزير الدفاع الذي أطلق الحملة الجوية على اليمن”.
وتابع الكاتب: “أولاً كانت الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بعد سنةٍ واحدة قضاها في المنصب. وأصدر الحريري إعلانه هذا من الرياض، التي تُعَد مكاناً غريباً للاستقالة من منصب رئاسة وزراء لبنان. وكان خطابه مُتشدِّداً مناهِضاً لحزب الله وإيران، واستخدم نبرةً لم نسمعها منه منذ سنوات”.
ولفت هيرست إلى أنه قبل بضعة أيام فقط، لم يُظهِر أي إشارة على أنَّه مُعرَّض لخطر الاغتيال، مثلما ادَّعى في خطابه. وسمح لعمال المطار بالتقاط صور السيلفي معه، وغادر لبنان في مزاجٍ مرح ومتفائل.
وأضاف: “لقد اعتقد الحريري أنَّه تجاوز الضغوط التي فُرِضَت العام الماضي 2016 على شركة الإنشاءات التي يملكها “سعودي أوجيه”، التي كانت تواجه الإفلاس، وظنَّ أنَّ لقاءً مع وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، قد سار على ما يرام”.
وغرَّد السبهان على تويتر قائلاً إنَّ الرجلين اتفقا على “كثير من الأشياء التي تهم”. لكنَّ نبرة الوزير تغيَّرت بسرعة بعد استقالة الحريري. فغرَّد بعد ذلك قائلاً: “أيدي الغدر والعدوان يجب أن تُبتَر”، مُشيراً إلى حزب الله وإيران.
وأشار هيرست إلى المُعلِّق السعودي المُطَّلِع والمجهول، الذي يستخدم اسم “مجتهد” في تويتر، أسقط نظرية أنَّ الحريري شعر بخطر الاغتيال من جانب إيران. وقال إنَّ رئيس الوزراء اللبناني كان مُعرَّضاً لخطرٍ جسدي أكبر من جانب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وقال مجتهد إنَّ الحريري كان سعيداً ومتفائلاً بحديثه الأخير مع علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية.
وكتب مجتهد: “السبب الحقيقي لإعادته للرياض هو حشره مع الأمراء ورجال الأعمال الموقوفين لهدف ابتزازه واستعادة الأموال التي لديه في الخارج وليس مرتبطاً بلبنان”.
وأضاف: “البيان الذي قرأه كُتِب له وليس مقتنعاً به ولا بمحتواه ولا مقتنعاً بإعلان الاستقالة من الرياض، فكيف يعلن زعيم سياسي استقالته من عاصمة دولةٍ أخرى؟”.
وبدا أنَّ حسين شيخ الإسلام، المستشار البارز لوزير الخارجية الإيراني، متفقاً مع مجتهد. إذ اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي بالضغط على الحريري للاستقالة. فقال: “استقالة الحريري جرت بالتنسيق مع ترامب ومحمد بن سلمان لإثارة التوتُّر في لبنان والمنطقة”.
وتفاعل السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، يوم الأحد، 5 نوفمبر/تشرين الثاني، بهدوءٍ مع تلك الأنباء. فألقى باللوم في استقالة الحريري على السعوديين، واصِفاً الاستقالة بأنَّها انتهاكٌ لسيادة لبنان وهجومٌ على “كرامة الحريري”. وأشار إلى الحريري باعتباره “رئيس وزرائنا”، وليس، كما تلاحظون، رئيس وزرائنا السابق.
ويعلق هيرست قائلاً: ضعوا كل تلك التصريحات إلى جانب بعضها البعض وستجدون من الصعوبة تجنُّب الوصول إلى استنتاجٍ مفاده أنَّ الحريري حين غادر لبنان لم تكن لديه أي نية للاستقالة، وأنَّه هو نفسه لم يكن يعلم أنَّه سيستقيل، وأنَّ الاستقالة فُرِضَت عليه من جانب السعوديين.
ولكن الكاتب يستدرك قائلاً: إنَّ معلوماتي تشير إلى أنَّه لم يجرِ إلقاء القبض على الحريري.
وقال هيرست لقد كان الحدث الثاني أمراً دُبِّر بليلٍ حرفياً تماماً. وجاء بعد ساعاتٍ من خطاب الحريري الناري. إذ سقط صاروخٌ طويل المدى أطلقه المتمردون الحوثيون، الموجودون على بُعد آلاف الكيلومترات في اليمن، في مكانٍ ما قرب مطارٍ بالرياض شمالي العاصمة. وزُعِم أنَّ صواريخ الدفاع الجوي السعودي قد اعترضت الصاروخ، لكن ظهرت تقارير عن مشاهد ذُعرٍ على الأرض.
وإلى الآن، كان الحوثيون عادةً يستهدفون جدة. وفهم السعوديون استهداف صاروخٍ طويل المدى للعاصمة على أنَّه رسالةٌ عميقة،
متعب بن عبد الله
يقول هيرست: كان الحدث الثالث الذي يُعكِّر صفو هذا السلام مُخطَّطاً له جيداً. إذ كان عزل الأمير متعب بن عبد الله نجل الملك الراحل أمراً مُتوقَّعاً على نطاقٍ واسع. فقد كان مسؤولاً عن ثالث قوة مسلحة في المملكة، الحرس الوطني، وكان محمد بن سلمان قد تولَّى السيطرة على وزارتي الدفاع والداخلية (بعد الإطاحة بابن عمه محمد بن نايف). ولم يكن الأمر سوى مسألة وقت قبل أن يزيح متعب ويضع جيوش المملكة الثلاثة تحت سيطرته الشخصية.
تاريخياً، يأتي مُجنَّدو الحرس الوطني من القبائل السعودية. وفي يوم الأحد، جُمِّدت حسابات شيوخ القبائل المنخرِطين في الجيش، ومُنِع شيوخٌ بارزون من السفر. وكانوا أساساً من قبيلتي العتيبة ومطير اللتين كانتا مواليتين للملك الراحل عبد الله. وجرى ذلك لقمع المعارضين، حسب ديفيد هيرست.
ويقول: “لم نكن نتوقع مدى القسوة التي تحرك بها بن سلمان ضد متعب. إذ أُوقِف متعب وشقيقه تركي واتُّهِما بالفساد. وأشارت مواقع مُقرَّبة من البلاط الملكي السعودي بتوقيفه، واستخدمت الأحرف الأولى من اسمه، وقالت إنَّ الفساد كان مرتبطاً بصفقاتٍ عسكرية في وزارته. وقد أنشأت تلك المواقع هاشتاغاً خاصاً هو: “الملك يحارب الفساد”.
ونشرت قناة العربية أخباراً عاجلة عن توقيف 10 أمراء، ثُمَّ بعد ذلك أصبحوا 11 أميراً، إلى جانب 38 من كبار رجال الأعمال والوزراء السابقين.
إعلان اللجنة بعد الاعتقالات
وفي أسلوبٍ حكومي فريد خاص بالمملكة، يبدو أنَّ قرار تنفيذ حملة التطهير قد سبق الإعلان عن اللجنة التي شُكِّلت للقيام بتلك التوقيفات. وهذه هي الطريقة التي يتحرك بها الأمير الشاب، الرجل الذي يُصر بعض الخبراء في شؤون الشرق الأوسط على الإشارة إليه باعتباره مُصلِحاً على النمط الغربي. إنَّه يتحرَّك بتجاهلٍ تام لحق المثول أمام القضاء، والإجراءات القانونية، وسيادة القانون. ففي نظره، هؤلاء الموقفون مذنبون قبل أن تثبت إدانتهم.
يقول هيرست: هذه اللجنة مكارثية في صلاحياتها ونطاقها (مكارثية: نسبةً إلى المُشرِّع الأميركي جوزيف مكارثي الذي كان يُوجِّه اتهامات للمشاهير بالتواطؤ مع الشيوعيين والاتحاد السوفييتي دون دليل في أجواء من الإرهاب والترويع الثقافي والنفسي). والشيء الأول الذي يجب ملاحظته في المرسوم الذي أنشأه هو أنَّه يضع نفسه فوق وخارج القانون.
وينص المرسوم على أنَّ اللجنة (التي يترأسها بن سلمان): “استثناءً من الأنظمة، والتنظيمات، والتعليمات، والأوامر، والقرارات تقوم اللجنة بالمهام التالية: التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول، ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال”.
وبعبارةٍ أخرى، بإمكان الأمير أن يفعل أي شيءٍ يريد أن يفعله لأي شخصٍ كان، ومصادرة ممتلكاتِهم داخل وخارج المملكة.
ويضيف: دعونا فقط نُذكِّر أنفسنا بما يُسيطر عليه الآن بن سلمان، فهو يترأس ثلاث قوات مُسلَّحة سعودية، ويترأس شركة أرامكو، وهي الشركة النفطية الأكبر في العالم، ويترأس اللجنة المسؤولة عن الشؤون الاقتصادية التي على وشك إطلاق أكبر موجةٍ للخصخصة تشهدها المملكة، وهو الآن يُهيمن على كل وسائل الإعلام السعودية.
كان هذا واضحاً في قائمة رجال الأعمال الذي أُلقِيَ القبض عليهم. وتُسيطِر شبكات ايه آر تي، وإم بي سي، ومجموعة روتانا على وسائل الإعلام العربية. وهذه الشركات الإعلامية السعودية تُمثِّل معظم ما يُبَث على الهواء في الشرق الأوسط، بخلافِ الأخبار التي تنقلها قنوات الجزيرة المملوكة لقطر.
والآن، يقبع مالكو هذه الشبكات، وهم صالح كامل (مالك إيه آر تي)، ووليد الإبراهيم (مالك إم بي سي)، والأمير الوليد بن طلال (مالك مجموعة روتانا)، خلف القضبان. ومن المُفتَرَض أيضاً أن تُصادَر ثرواتهم.
وتُقدِّر شركة فوربس، المعنية بإحصاء الثروات ومراقبة نمو المؤسسات والشركات المالية، ثروة الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة، بنحو 18 مليار دولار.
ويمتلك الوليد بن طلال أسهماً كبيرة في العديد من الشركات، بما فيهم نيوز كوربوريشن، وسيتي غروب، وتوينتي فيرست سينتشوري فوكس، وتويتر. وهذه الأسهم أيضاً صارت تحت إدارةٍ جديدة. وبالإضافة إلى ذلك، أُلقِيَ القبض أيضاً على رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية، وهي أكبر مُشغِّلٍ للهواتف المحمولة في المملكة.
ويخلص الكاتب: أنه إذا كانت التحرُّكات السابقة للأمير محمد بن سلمان قد أرست قبضته على السلطة، فإنَّ خطوات يوم السبت رسَّخَت هيمنته على الثروة.
مخاطر اقتصادية
ويقول ديفيد هيرست: وبصرف النظر عن المخاطر السياسية الناجمة عن تجريد عددٍ كبيرٍ من الأثرياء السعوديين من ثروتهم، تُعد هذه وسيلةً غريبة لتشجيع الأجانب على الاستثمار في المملكة. ويبدو أنَّ ما فعله الأمير بن سلمان أول أمس السبت كان مقصوداً به إخافتهم.
فالاقتصاد في حالة ركود، ويجري الآن استنزاف الاحتياطات. وقد صادر بن سلمان للتو أصول كبار رجال الأعمال في المملكة وأنشأ لجنةً بإمكانها مصادرة الأصول وفقاً لإرادتها في الداخل أو الخارج. فما الذي سيمنعه إذن من فعل الشيء نفسه مع أصول المستثمرين الأجانب الذين يختلفون معه؟
وسيكون لحملة التطهير ضد كبار الأثرياء مثل بكر بن لادن، الذي يترأس أكبر شركة إنشاءات في البلاد، تداعياتٌ أيضاً على بقية الاقتصاد. فمجموعة بن لادن تُوظِّف آلاف المتعاقدين بالباطن. وحملات التطهير والأعمال التجارية لا تجتمعان، مثلما سيكتشف بن سلمان قريباً.
سبب اعتقال الوليد بن طلال
يقول هيرست: لقد أخبرني مصدرٌ مُطَّلِع أنَّ الأمير الوليد بن طلال رفض الاستثمار في نيوم، المدينة العملاقة التي أعلن بن سلمان أنَّها ستُنشَأ قريباً، وأنَّ ذلك كان هو سبب تحرُّك بن سلمان ضد ابن عمه. لكنَّ الوليد تصادم أيضاً مع ابن عمه بدعوته علناً لرفع الإقامة الجبرية عن بن نايف.
النقطة الأخرى التي يجب ملاحظتها هي أنَّ كل أفرع العائلة المالِكة تأثَّرت بحملة التطهير، وغيرها من الحملات التي سبقتها. ألقوا نظرة فحسب على أسماء الأمراء الذين أُوقِفوا: الوليد بن طلال، بن فهد، بن نايف، بن مقرن. وقد لقي هذا الأخير، منصور بن مقرن، مصرعه في حادث تحطُّم طائرة، على ما يبدو في أثناء محاولته الفرار من البلاد. ستخبرك تلك الأسماء بشيءٍ واحد: التصدُّعات في العائلة المالِكة غائرة وعميقة وتمتد إلى صميمها.
ويتساءل الكاتب: هل كان كل ذلك سيحدث دون ضوءٍ أخضر من ترامب؟ لقد غرَّد هذا الأخير بالأمس قائلاً إنَّه سـ”يُقدِّر كثيراً أن تقوم السعودية بعملية طرح شركة أرامكو في بورصة نيويورك، إنَّه أمرٌ مهم للولايات المتحدة!”. وهاتف ترامب أيضاً الملك سلمان، مُهنِّئاً إيَّاه على كل شيءٍ فعله منذ وصوله إلى السلطة. وتأتي تلك التحرُّكات في أعقاب زيارة جاريد كوشنر الثالثة للملكة هذا العام.
إن لم يكن ذلك واضحاً للجميع من قبل، فإنَّه بالتأكيد واضحٌ الآن. إنَّ عاصمة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط هي الرياض، والتحركات التي يتخذها ولي العهد صاحب الـ32 عاماً للحصول على السلطة المطلقة بإمكانها زعزعة استقرار البلدان المجاورة وإزاحة رؤساء وزرائها. والأسوأ هو أنَّ الأمير يبدو مُتشجِّعاً من رئيسٍ أميركي لا يعي ما يفعله.
لا بد أنَّ القادة الأكثر حكمةً في العاصمة واشنطن، مثل وزير الخارجية ريكس تيلرسون أو وزير الدفاع جيمس ماتيس، يُمزِّقون شعورهم، أو ما تبقى منها، غيظاً (مما يفعله ترامب). ولن أتفاجأ لمعرفة أنَّ تيلرسون يحاول جاهداً إخماد تلك النيران التي يواصل رئيسه وحاشيته الحالية إشعالها.