صمود وانتصار

لماذا تنأى أمريكا بنفسها عن المشهد اليمني وأين تكمن إزدواجيتها؟!

الصمود/ متابعات

الخارجية الأمريكية تدعو إلى فتح الموانئ اليمنية لدخول المساعدات الغذائية”، هذا الخبر أو بالأحرى التصريح الأمريكي خرجت به علينا يوم أمس وزراة الخارجية الأمريكية، مظهرة نفسها كـ”الحمل الوديع” الذي يساعد شعوب العالم في أزماتها ولا يتسبب بها أبدا أو لا يشارك بتأزيمها بعبارة أخرى.

أمريكا لا تكل ولا تمل من استخدام نفس الإسلوب مع جميع أزمات الدول التي لها يد بشكل أو بآخر بصناعتها أو تأزيمها كما هو الحال بالنسبة لليمن الذي أصبح على شفا “مجاعة كارثية لم تحدث في تاريخ البشرية من قبل”، وهناك تحذيرات الآن من أن نحو 400 ألف طفل في اليمن يواجهون خطر الوفاة بسبب سوء التغذية الحاد، بحسب وكيل الأمم المتحدة للشؤون الانسانية ومنسق الاغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك.

هنا وأمام هذا المشهد الكارثي تقف واشنطن عاجزة ومشلولة الحركة والقدرة عن تقديم يد العون للشعب اليمني الذي بات أكثر من 7 ملايين شخص منه بلا مأوى، وأصيب حوالي 800 ألف شخص بالكوليرا، لقي 3000 شخص منهم حتفه والأرقام تزيد في كل يوم، ولم يصل إلى البلاد أي من المساعدات الإنسانية المطلوبة لإبقاء الناس على قيد الحياة، ويبدو أنه لا أحد يهتم بإنهاء الحرب أو بإجبار السعودية على فتح المنافذ البحرية والبرية والجوية التي أغلقتها على الشعب اليمني الذي يعاقب جماعيا بأيدي سعودية وصمت دولي مخيف.

صمت أمريكي

هذا الصمت الدولي ينكسر فجأة وخاصة الصمت الأمريكي عندما يقوم الشعب اليمني بالدفاع عن نفسه أمام هذه الهمجية العدوانية التي تمارسها الرياض في حربها عليه، وما أن أطلق اليمنيون صاروخا على السعودية حتى جنّ جنون العالم وعلى رأسهم أمريكا مُدينة إطلاق الصاروخ متعامية عن آلاف الصواريخ التي تطلقها السعودية على اليمن يوميا لتحصد معها مئات الأرواح وتهجر آلاف العائلات وتدمر آلاف المنازل وتسبب الآن مجاعة وأمراض خطيرة لأبناء الشعب اليمني وربما هذا التعامي الأمريكي سببه أن هذه الصواريخ هي “صناعة أمريكية” اشترتها السعودية عبر صفقات بمليارات الدولارات، ولكن ما هذه الإزدواجية المريضة التي تتبعها واشنطن بالتعاطي مع اليمن وكيف تجرؤ على المطالبة بإيصال المساعدات والبضائع إلى اليمن دون أي عوائق، وهي أكثر من كان له يد في ظهور هذه العوائق؟!.

العجيب أن أمريكا التي تملك أساطيل تتغنى بها في الخليج ومستعدة لتحريكها في حروبها العدوانية على شعوب المنطقة، لا تستطيع ان تحرك هذه الأساطيل لإنقاذ الملايين من الناس الذين يموتون من الجوع يوما بعد يوم أمام أعينها دون أن تحرك ساكناً لإيقاف هذه المعاناة وهذا الألم الذي يتفاقم يوميا دون توجيه أي تهمة للسعودية أو اجبارها على فتح المنافذ وهي تستطيع ذلك إذا أرادت، لكن على ما يبدو هذا الأمر يتعارض مع سياستها ومخططاتها، لذلك نجدها تكتفي بالمطالبة الشفهية للسعودية بفتح المعابر رغم كل المناشدات والنداءات الإنسانية لفتحها لأن الوضع قادم على كارثة إنسانية خطيرة.

واليوم حذرت الأمم المتحدة من أكبر مجاعة سيشهدها العالم منذ عدة عقود إذا لم يسمح التحالف السعودي بوصول المساعدات إلى اليمن، وهي مجاعة سيكون ضحاياها بالملايين، وفق مساعد الأمين العام للأمم المتحدة مارك لوكوك مسؤول المساعدات الإنسانية، وجاء ذلك بعد تعزيز التحالف السعودي حصاره لليمن بإغلاقه جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية. ومن جانبها قالت منظمة أطباء بلا حدود إن التحالف السعودي يمعنها من إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين وتطالب التحالف بالتوقف عن هذا الأمر فوراً.

وبينما نشهد هذه الحالة التي وصل إليها اليمن نجد الولايات المتحدة التي تحاول أن تظهر تعاطفها مع اليمنيين وإنسانيتها أمام العالم، نجدها تنأى بنفسها بعيدا عن المشهد اليمني، تاركة السعودية تواجه فشلا كبيرا في التعامل مع الأوضاع بالبلاد، فيما تكتفي الدول الأوروبية بإطلاق التصريحات الرنانة، وهنا نسأل لماذا تنأى واشنطن عن نفسها أمام الكوارث التي تحصل في اليمن؟!

لماذا تنأى واشنطن بنفسها

يقول السيناتور الأمريكي “رو خانا” عضو لجنة القوات المسلحة بالكونغرس حول الدور الامريكي في اليمن: “الكونغرس والشعب الأمريكي لا يعرفون إلا القليل عن الدور الذي نلعبه في حرب تسبب معاناة الملايين من الناس وتهديدا خطيرا لأمننا القومي”، ويرى الساسة الأمريكيون أنه مع وصول الحرب في اليمن إلى طريق مسدود، فإن جهود السعودية نحو المزيد من العنف والحرب الجوية لن تؤدي إلا إلى دعم وتنمية الإرهاب، وكذا تساهم في المزيد من عدم الاستقرار في منطقة الخليج بأكملها. ووفقا لحقوقيين أمريكيين فإن استمرار الولايات المتحدة في تقديم الدعم للتحالف يُعد خرقا للقانون الأمريكي.

أسباب أخرى

هناك حديث عن تحريض أمريكي إسرائيلي لدفع ولي العهد محمد بن سلمان نحو الدخول في آتون حرب في المنطقة، سواء كان ذلك داخليا من خلال صراع العروش على الكرسي عبر المذابح المتتالية لأعضاء الأسرة المالكة، أو خارجيا عن طريق التصعيد مع طهران عبر بوابة لبنان واليمن، ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي توماس فريدمان في هذا السياق: “أولئك الذين يحثون ابن سلمان على أن يكون أكثر عدوانية في مواجهة إيران، مثل الولايات المتحدة وترامب وجاريد كوشنر وبنيامين نتنياهو، سيدفعونه إلى حرب في الخارج وفي الداخل في الوقت ذاته، ويمكن حينها أن نرى السعودية والمنطقة كلها تدور خارج نطاق السيطرة في الوقت ذاته”.