صمود وانتصار

“بان كي مون” والقرار المناهض لحقوق الإنسان

الصمود || متابعات

قبل نحو عام ونصف العام قررت الأمم المتحدة إدراج السعودية على لائحة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، إلّا أن الأمين العام السابق للمنظمة الدولية (بان كي مون) أعلن فيما بعد أن هذا القرار قد تم إلغاؤه بسبب تهديد السعودية بحرمان الأمم المتحدة من الدعم الماديّ الذي تقدمه لها.

 

وحمّل مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الأممية في ذلك الوقت السعودية المسؤولية عن إزهاق أرواح أكثر من 60 بالمئة من الأطفال الذين لقوا حتفهم في اليمن جراء العدوان السعودي المتواصل على هذا البلد منذ نحو ثلاث سنوات.

 

وفي حينها وصف (بان كي مون) قرار حذف اسم السعودية من لائحة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان بالصعب والمؤلم وذلك بعد موجة الانتقادات العارمة التي أطلقها الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية والتي طالبت بمعاقبة السعودية إزاء جرائمها البشعة والمتكررة ضد الشعب اليمني والتي طالت الآلاف من المدنيين معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى الدمار الهائل الذي ألحقته بالبنى التحتية والتي لم تستثنِ المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب ومستودعات الأغذية والأدوية.

 

ومن دون شك أدى قرار حذف اسم السعودية من لائحة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان إلى توجيه ضربة قوية لحيثية الأمم المتحدة وزاد من مستوى انعدام الثقة بهذه المنظمة التي يفترض أن تضطلع بمسؤولياتها في الدفاع عن حقوق الإنسان على أفضل وجه.

 

وعكس القرار المذكور إلى أي مدى يمكن أن تتلاعب الدول الغنية ماديّاً وفي مقدمتها السعودية بالقرارات المصيرية التي تهم المجتمع الدولي وبمصائر الملايين من شعوب البلدان الأخرى ومن بينها الشعب اليمني لمجرد قدرتها على شراء ضمائر عدد من المسؤولين في المراكز الدولية الحسّاسة كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وضمائر زعماء بعض الدول وفي مقدمتهم أمريكا.

 

وليس من الغريب أن تقوم السعودية بمثل هذه الإجراءات لإغراء ضعاف النفوس في المنظمات الدولية وعدد من رؤساء الدول لتغيير القرارات المتعلقة بحقوق الإنسان لصالحها، لكنّ الغريب والمؤسف أن تستجيب الأمم المتحدة ومجلسها الخاص بالدفاع عن حقوق الإنسان لهذه الإجراءات من أجل مطامع ماديّة رخيصة في مقابل غضّ الطرف عن الجرائم التي ترتكب ضد أناس عزّل كما تفعل السعودية ومن يقف إلى جانبها في عدوانها الغاشم ضد الشعب اليمني.

 

ولابدّ من التذكير هنا بالآثار المدمرة والكارثية لهكذا قرارات تصدر عن الأمم المتحدة، لما لها من أبعاد مأساوية، كونها تطلق يد المعتدي والمجرم ليقتل الأبرياء مقابل حفنة من الدولارات تمنحها سلطات الرياض لمن يقوم بهذا الدور المخزي والذي يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان والقرارات والأعراف الدولية في هذا المجال.

 

وطبقاً لآخر الإحصائيات التي نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) لقي حوالي 23 ألف طفل ونحو 4300 امرأة مصرعهم في اليمن في عام 2016 وحده نتيجة العدوان السعودي، فيما تعرض أكثر من 400 ألف طفل يمني إلى سوء التغذية جراء الحصار الظالم الذي فرضه التحالف السعودي منذ أكثر من ثلاثين شهراً والذي شمل كافة أنواع الحصار البري والجوي والبحري، وذلك من خلال القصف المتواصل على الموانئ والمطارات والمعابر الحدودية اليمنية لمنع وصول المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية والغذائية إلى الشعب اليمني.

 

وإثر الضغوط المكثفة التي مارسها عدد من المنظمات الحقوقية والإنسانية اضطرت السعودية مؤخراً للسماح بوصول بعض المساعدات إلى اليمن، الأمر الذي أشاد به الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الذي أثبتت الوقائع أنه لا يفكر سوى بمصالحه الماديّة على حساب حياة وأرواح الملايين من الأبرياء سواء في اليمن أو في غيرها من الدول. وتؤكد كافة الوثائق أن الإدارة الأمريكية السابقة والحالية قد قدّمت الدعم العسكري والاستخباري واللوجستي للسعودية لمواصلة عدوانها على اليمن، لكنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم المشؤومة بفضل صمود الشعب اليمني وقواه المسلحة ولجانه الشعبية بقيادة حركة أنصار الله.

 

ويؤكد المراقبون أن المساعدات الإنسانية التي أرسلتها الأمم المتحدة لاتسد إلّا جزءاً يسيراً من حاجة الشعب اليمني للغذاء والدواء، ومن غير المعقول أن يستمر الوضع على ما هو عليه الآن، والمطلوب أن تستنفر كافة الطاقات والإمكانات لإنقاذ هذا الشعب المظلوم من العدوان ومن التجويع والقتل المتعمد، وهذا أقل ما يمكن فعله تجاه هذه المأساة التي يندى لها جبين الإنسانية والتي ما كانت لتحصل لولا التقصير الواضح إن لم نقُل المتعمد من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بشكل خاص نتيجة مواقف بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مآرب خاصة من وراء دعمها للعدوان السعودي على اليمن وفي مقدمتها أمريكا التي تدعي زوراً وكذباً الدفاع عن حقوق الإنسان.

 

وعلى المجتمع الدولي ومنظماته المعنية الإسراع بفتح الموانئ والمطارات والمعابر الحدودية اليمنية لإيصال المساعدات العاجلة للشعب اليمني وإنقاذ حياة الملايين من الأطفال والنساء من الكارثة الإنسانية المتفاقمة التي أدت أيضاً إلى إصابة الكثير منهم بأمراض مختلفة في مقدمتها الكوليرا نتيجة نقص الأدوية والمعدات الطبية والصحية ودمار المراكز العلاجية والمناطق السكنية في مختلف المدن اليمنية.