هل يرقص البشير على ثعبان “التحالف السعودي”؟
دخل المشهد اليمني مرحلة جديدة بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح. لن تقتصر تبعات هذه المرحلة على الداخل اليمني فحسب، بل ستطال المشهد الإقليمي بشكل عام، والتحالف العربي الذي تقوده السعوديّة على وجه الخصوص.
بدا واضحاً الارتباك السعودي الإماراتي بعد انتهاء فتنة صنعاء بمقتل صالح والعديد من القيادات العسكرية التي قادت هذه الفتنة، سواء لناحية خسارتهم الورقة الأخيرة المتمثّلة بصالح، او فشلهم في تجيير مقتل صالح لضمّ قيادات حزب المؤتمر إلى هادي المتواجد في الرياض. إلا أن هذه النتائج لن تتوقّف عند هذا الحد، بل ستطال دول التحالف العربي، وفي مقدّمتها السودان التي قد تنسحب من هذا التحالف لأسباب سنذكرها في ثنايا هذا المقال.
لا شكّ أن التحالف السعودي بات اليوم أمام مأزق صعب سينعكس سلباً على أعضاءه، وتحديداً السودان التي حاول رئيسها عمر البشير الاتجاه شرقاً دون أن يغلق الباب مع الحليفين الإماراتي والسعودي، فهل سيترك البشير بن زايد وبن سلمان يتيمين في التحالف العربي؟ أم هل يتدارك المحمدين الأمر بدعم سخي تحتاجه السودان في هذه المرحلة؟
يدرك الجميع سوابق البشير في اللعب على التناقضات، أو سياسة الرقص على رؤوس الأفاعي كما كان يسمّيها صالح، والشواهد كثيرة على ذلك، أبرزها التفافه على إيران لصالح السعودية بعد أن كانت الأولى تقدم له كل أنواع الدعم وانضمامه للتحالف العربي. لكنّ تقلّبات الرئيس السوداني المفاجئة باتت سياسة مكشوفة وغير موثوقة كونه يحاول الإمساك بكل أوراق الّلعبة، وهو امر شبه مستحيل في منطقة الشرق الأوسط.
الحديث عن الانسحاب السوداني من اليمن ليس وليد الصدفة، بل يأتي بعد خسارتها أكثر من 1000 جندي، من أصل7 آلاف متواجد في المحافظات اليمنيّة، وفق المغرّد السعودي “مجتهد”، ومن هنا يبدو أن الرئيس البشير استقرأ ما ستؤول إليه الأمور في المنطقة عموما، واليمن على وجه الخصوص، ويمكن الإشارة إلى موقف البشير المرتقب في جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: إنّ غموض مصير التحالف بعد فقد كافّة أوراقهم السياسيّة والعسكريّة على أسواء صنعاء العصيّة على الغزاة، يحفّز البشير على الدخول في تقلّبات جديدة، قد لا تنقله إلى المقلب الآخر، إلا أنّها ستدفعه للانسحاب من التحالف بسبب التبعات الداخليّة لهذا الأمر، لاسيّما أن الإمارات والسعوديّة لم تقدّما دعم اقتصادي سخي يتوازى مع التقديمات التي وضعها البشير أمام بن سلمان. يرجّح خبراء حصول تغيير من جانب السودان تجاه ما يحدث في اليمن يتعلّق بسحب قوات البشير العاملة هناك، مع البقاء بشكل مرحلي على الدعم السياسي التحالف العربي بقيادة السعوديّة، ريثما تتّضح معالم المرحلة الضبابية.
ثانياً: لمس البشير التحرّك الداخلي من “عار المشاركة السودانيّة في الحرب على اليمن”، وفق لباحث السياسي والاجتماعي السوداني، عبد العظيم الشوتلي، الذي تساءل قائلاً: “أما آن لنا نحن شعب السودان أن نُوقف عار المشاركة في أكبر كارثة إنسانية يتفرج عليها العالم في اليمن”. لم يقتصر الأمر على بعض التحركات الداخليّة “الضيّقة” أبرزها كلام زعيم حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي، أن مشاركة السودان في العدوان الذي تشنه السعودية على الشعب اليمني يعد خطأ كبيراً، بل تعدّاه إلى أروقة البرلمان السوداني حيث تساءل النّائب في البرلمان، بشير آدم “عن الكيفيّة التي شاركت بها القوات السودانية في عاصفة الحزم باليمن، وما إذا كانت المشاركة دستورية، وتمّت بعد موافقة الهيئة التشريعية القومية، أم كانت بعيداً عن الشرعية القانونية”.
ثالثاً: ما يعزز موقف البشير، الطامح للرقص على رؤوس الثعابين دون أن يتلقّى مصير صالح، الانتصارات الكبيرة التي حققها محور ” موسكو- طهران- العراق- سوريا- اليمن-حزب الله” في ظل بروز تحالفات إقليمية جديدة في مرحلة ما بعد داعش، أبرزها الروسي الإيراني التركي، والمرشح ان تلحق به سوريا والعراق واليمن، تحالفات تذكّرنا بالمشهد الأوروبي بعد الحرب العالميّة الثانيّة رغم وجود بعض الفروقات.
رابعاً: في المقابل، قد يتريّث البشير في قرار الانسحاب من التحالف العربي في حال حصوله على دعم إضافي من السعوديّة والإمارات كفيل برفع الأعباء الاقتصاديّة التي أثقلت كاهل السودان. ولكن حديث السودان عن عدد القتلى في اليمن، وجد فيه مراقبون تلويحاً بالانسحاب من التحالف، في حين أكّد آخرون على أنّه تلويح إعلامي بضرورة الحصول على الدعم الاقتصادي بعد الفشل في الحصول على هذا الأمر عبر القنوات السياسيّة. إلا أن إدراك المحمدين فشل الخيار العسكري البرّي، وعدم قدرة القوّة السودانيّة على إيجاد تغييرات في المعادلة العسكريّة، قد يحول دون تقديم هذا الدعم للبشير.
في الخلاصة، يقف البشير اليوم على مفترق طرق بعد حرب طال أمدها وكلّفته المئات من الجنود والضباط دون أي ثمار تذكر، فهل يتريّث في “المفاجئة المنتظرة” وينضمّ إلى التحالفات الإقليمية الجديدة بعد إدراكه أن الرهان على السعودية وأمريكا كان أكثر من خاسر، أم ينأى بنفسه مرحليّاً حتى تتّضح معالم المرحلة المقبلة؟