هكذا تحدثت طفلة الشهيد..
الصمود|| تقرير || يحيى قاسم المدار
عندما بدت علينا من أمام منزلهم الذي يتحضر لاستقبال كبير ومهيب، كانت الساعة العاشرة صباحا، البخور يتصاعد وأزهار الرياحين وبعض الورود منتشرة في المكان ومتناثرة في الزقاق الموصل إلى البيت، الجميع في ذلك البيت يتحركون في عمل منظم ومتكتك، وقفنا خارج البيت كما باقي الضيوف في ذلك المكان كان الناس يتبادلون التهاني والتباريك والبعض يعانق الآخر بسلام كبير وحرارة شوق غير عادية، كنا نبادلهم السلام والبسمات والتحايا البسيطة، طبعا لعدم معرفتنا بهم جميعا،
لكن ما جمعنا في ذلك المكان أمر مهم وكبير وقضية مهمة.. أمام ذلك المشهد العظيم تقف أمامنا فتاتان جميلتان وعليهما ملابس جديدة أو نظيفة ومسرحتان لشعرهما الملفوف بمطاط صغير، تلك الصغيرتان كانتا ينظران إلينا وكأن هناك أمر يخفيانه خلف تلك الضحكات البسيطة المرسومة على شفتيهما، حاولت أقترب منهما لأجرب أهمس لهما بكلمتين علّي أحظى بكلمة أو جواب عن سؤالي الذي يجول بخاطري، ما الذي يضحكهما؟! هل فينا شيء غريب!! وكما هو الفضول..
اقتربت منهما وسألت الصغيرة منهما، ذات الفستان الأحمر؛ قلت لها ما اسمك يا بطلة؟ ابتسمت وأخفت وجهها إلى الخلف، ومعها الطفلة الثانية فعلت..
أجابني أحد الحضور بكلمة صعقت منها وجرحتني وآلمتني، أرجعت عيني إليهما، وقد اختلفت، حاولت أن أمد يدي إليها لكنها ابتعدت قليلاً.. ذلك الرجل كان قريبا لها، حاول أن يأتي بها إلي لكنها رفضت وابتعدت لوقت قصير.. ثم عادت من جديد إلى نفس المكان الذي ذهبت منه، عادت وهي متماسكة وأكثر قوة وشجاعة تنظر إلينا وإلى الجموع، وفي هذه المرة ترمق ببصرها إلى بعيد، وهي تسمع أصوات الطبول تقرع، فرحت تلك الطفلة وأحضرت معها عددا من البنات والبنين وجميعهم يتسابقون إلى الشارع بفرحة وشوق ولهفة، تجمع الأطفال حولها وبعضهم يمسكون بيديها، ويفرحون لفرحتها..
اقتربت السيارات وهبَّ الجميع لللقاء صاحب أول سيارة التي اكتست بأكاليل الورد والزهور، الكل اتجه إلى السيارة وعندها توقف الحضور وأنا أراقب تلك الطفلة المميزة بين الجموع وهي تحاول الدخول لتشاهد الضيف الواصل على تلك السيارة، تشد هذا؛ وتبعد آخر؛ وتصارع للوصول، كل تلك المحاولات بآت بالفشل حُمل الضيف إلى الداخل سريعا واستقبل بالزغاريد ومازالت دقات البرع تضرب وهناك من يرقص فخرا وعزة وابتهاجا وكأنه يوم عيد على أصحاب ذلك البيت الأكرمين سلام الله عليهم، الذين غمرونا باستقبالهم وأحرجونا بكرمهم الغير محدود.. حاولت أرى تلك الطفلة التي غابت بين الجموع، سألت عنها لكن الجميع مشغولون، وصدفة وجدتها هذه المرة مسكت بيدها، وكلمتها تعالي فضحكت وتوقفت رغم انشغالها وحركتها الطفولية العفوية، سألتها من جديد عن اسمها!؟
فأجابتني بفرحة وهي تضحك أنا بنت الشهيد!!! هذا الذي دخلوه البيت في الصندوق هو أبي، مش أنت عارف له.. قلت لها: وفي حلقي حشرجة – إلا أعرفه؟! أنا جيت اليوم لأجل أبسره! قالت: كيف تبسره وهو قد مات!! قلت لها: لا تقلي بابا مات! بابا هو حي، ضحكت وقالت لي: كيف هو حي، وهو ما بيتكلمش وفي وجهه دم.. وسريعا قالت: أنت داري إن عفاش هو من قتل بابا، قلت: ليش قتله، أجابت: هوه يشتي يقتلنا ويشتي يوقع رئيس، وبابا قال له والله ما سبر،
وبعدين قتل بابا وهرب، والمجاهدين لحقوا عفاش وقتلوه وأنا ابسرت صورته وهو ميت!! عرفت عندها فرح تلك الطفلة وفرح أهلها وكل جيران الشهيد الذين جاءوا وهم يحملون العزة والشموخ والكرامة والصمود، بعد أن انزاح من أمامهم أكبر عقبة وجبل وطاغية بل قل زعيم ميليشيا الخيانة والغدر الذي ختم آخر عمره بالولاء والطاعة لدول العدوان السعودي الأمريكي على اليمن..