صمود وانتصار

كيف تغوي واشنطن دول المنطقة ومن ثم تعمل على تدميرها؟!

الصمود|متابعات

“فن المرواغة وتدمير حلفاء الأمس وكل من يقدم التنازلات بعد إغراءهم وإيقاعهم في شباكها”، هذا أقل مايمكن التعبير عنه في حال أردنا استعراض السياسة الأمريكية التي بات واضحا أنها مستعدة للتضحية بأقرب الحلفاء لها في حال تعارض ذلك مع مصالحها، وبما أن أي شيء قابل للتطور في الحياة فقد تطورت السياسة الامريكية لمرحلة استطاعت من خلالها خرق تحالفات كبيرة عبر التاريخ ودمرتها من الداخل وتجربتها مع الاتحاد السوفييتي سابقا ليست بالبعيدة عن هذا.

أما اليوم نجد أن واشنطن تركز ثقلها السياسي وتوجه أنظارها أكثر من السابق تجاه منطقة الشرق الأوسط وتخترق هذا الشرق الكبير عبر بوابتين، الأولى “اسرائيل” والثانية “السعودية” وبينما نجدها تعمل كل ما يصب في مصلحة الأولى تحرض الثانية على الجميع وتورطها في حروب لاناقة فيها ولا جمل مقابل ذريعة تأمين الحماية لها أمام المخاطر التي قد تتعرض لها من دول مجاورة، ولذلك لابد للثانية من أن تشتري كميات ضخمة من الأسلحة لتأمين قوة ردع أمام أي حرب مقبلة، وليس على واشنطن سوى رمي بعض الفتن هنا وهناك “أي داخل الشرق الأوسط” حتى تبدأ دول هذا الشرق بسباق تسلح بمليارات الدولارات التي تذهب جميعها إلى الخزينة الأمريكية لتنعش الاقتصاد الأمريكي وإبقائه في حالة مستقرة من خلال “حلب” دول الخليجیة وإيهامها بأنها مهددة بخطر الحرب في أي لحظة.

هذا الكلام لاينطبق على السعودية فقط بل على الإمارات ومؤخرا على قطر التي تحاصرها كلا الدولتين السابقة الذكر بتحريض أمريكي آتى أُكله لتنجح أمريكا من جديد بعقد صفقة أسلحة مع قطر بقيمة 6 مليارات دولار وربما 12 مليار دولار كما ذكرت وكالة بلومبرغ ذكرت قبل أشهر، لشراء  36 طائرة مقاتلة من نوع إف 15 من شركة بوينغ الأمريكية، وتأتي هذه الصفقة في وقت وصلت فيه طرق الحل مع الدول المقاطعة لقطر إلى طريق مسدود أبرزها تغيب قادة دول المقاطعة عن قمة الكويت لحل الأزمة الخليجية، فضلا عن إنهاء القمة في يوم واحد، دون الإعلان عن أي تطور إيجابي.

لذلك بدأ كل طرف بتجهيز نفسه عسكريا، خصوصا أن وزير الخارجية القطري أعلن خلال مؤتمر له في واشنطن، أنه لا يستبعد ان تقوم دول المقاطعة بعمل عسكري ضد الدوحة، ملوحا بأن بلاده ستستعين بشركائها مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا إذا حدث ذلك، وبكل تأكيد فإن نتيجة هذا التأزيم ستكون في صالح الولايات المتحدة الامريكية وشركائها الغربيين على حساب شعوب الدول الخليجية التي بدأت الأزمات الاقتصادية تخترق بلادهم والبداية كانت من السعودية والآتي قد يكون أعظم في حال عدم وضع حلول لهذه الازمة المفتعلة.

الدول الخليجية ليست أول من وقع في الفخ الأمريكي

أبرز مثال وأقرب مثال على الوقوع في الفخ الامريكي هي السلطة الفلسطينية التي تعاني اليوم مرارة الإصغاء للأمريكي والوثوق به في موضوع السلام مع “اسرائيل”، والنتيجة كانت ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية ابتداءا من إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن لتتبعه بقرار الرئيس الأمريكي ترامب بنقل السفارة إلى القدس وجعلها عاصمة لاسرائيل ولم تكتفي أمريكا بهذا بل واصلت ضغطها على السلطة الفلسطينية من خلال إقرارها لقانون وقف المخصصات المالية الممنوحة لها كجزء من رزمة إجراءات عقابية تمارسها واشنطن على السلطة لإسكات صوتها خاصة بعد المظاهرات التي خرجت في جميع عواصم العالم للتنديد بقرار ترامب من جهة وجلسة مجلس الامن الأخيرة من جهة أخرى.

وليس من المستبعد أن تقوم أمريكا بالقيام بالكلام الذي لوح به اسماعيل هنية خلال مؤتمر علمي في غزة نظمته حركته يتناول قضية القدس، قائلا:”لدينا معلومات من جهات معنية، أن الإدارة الأمريكية قد تقدم على الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، وضم المستوطنات للقدس المحتلة، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين نهائيا”.

استنزاف الشعوب

حاولت الولايات المتحدة الامريكية استنزاف جميع الدول التي تتعارض مع سياستها، ففي الشرق الأوسط على سبيل المثال كان لها دور بارز في تسليح الجماعات الارهابية ودعمها والمساهمة في زيادة انتشارها في كل من العراق وسوريا إلا أن وعي الناس هناك ودعم الحلفاء الروس والإيرانيين أسقط هذا المشروع وأنهاه مع نهاية داعش، لتتحول واشنطن الآن إلى مشاريع أخرى ربما تكون الدول الخليجية “حطبا لها”.

واليوم مثلا تحاول واشنطن حصار روسيا وايران لدورهما البارز في مكافحة الارهاب وتعرية المشروع الامريكي واسقاطه في المنطقة، لذلك لاتدخر الولايات المتحدة الامريكية أي جهد في فرض عقوبات اقتصادية على هاتين الدولتين وتحاول دائما حصارهما، كما تفعل الآن مع روسيا من خلال إرسال أسلحة للمعارضين لسياسة روسيا في خطوة من شأنها تصعيد النزاع بين القوات الحكومية والجهات الموالية لروسيا، ويوم أمس السبت أدانت موسكو قرار واشنطن تزويد كييف “بقدرات دفاعية متقدمة”، مشيرة الى ان ذلك يمكن ان يؤدي الى “حمام دم جديد” في شرق هذا البلد.

وفي القضية النووية حاولت أن تفعل نفس الشي مع ايران الا انه ايران احتفظت باوراق قوتها وتمكنت من الحفاظ على تحالفاتها مع كل من روسيا والصين وقسم كبير من الدول العربية، فضلا عن انتصار أصدقائها في كل من سوريا والعراق والتي كانت هي أيضا شريك في هذا النصر وصناعته، واليوم ايران أصبحت رقما صعبا لا يمكن لأمريكا تجاوزه بسهولة، حيث تمكن هذا البلد من تحصين نفسه من خلال سياسته الذكية المقاومة للمشاريع الأمريكية وبناء تحالفات قوية من شأنها أن تجعل أي شخص يريد المساس بأمن طهران يفكر ألف مرة قبل القيام بذلك.