صمود وانتصار

الأمير طلال وأبناؤه بمواجهة “بن سلمان”.. من يكسر شوكة الآخر؟

الصمود / 13 / يناير

عاد الأمير طلال بن عبد العزيز إلى الواجهة مجدداً، بعد إضرابه عن الطعام اعتراضاً على اعتقال نجله (الوليد بن طلال) وأشقائه ضمن حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ضد المناوئين له من أبناء عمومته، بتهم الفساد.

والأمير طلال (87 عاماً)، هو الابن الثامن عشر للملك عبد العزيز، وقد دخل الحياة السياسية وزيراً للمواصلات عام 1952، وشغل منصبي وزير المالية، والمواصلات، وعُيّن سفيراً لبلاده لدى فرنسا.

ويعد الأمير طلال بن عبد العزيز حالة استثنائية في الأسرة الحاكمة السعودية؛ نظراً إلى مواقفه التي ميَّزته عن إخوته من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود، حيث عُرف بدعوته إلى قيام ملكية دستورية وتأسيسه حركة “الأمراء الأحرار”.

وكان موقع “ميدل إيست آي” قال، مطلع الشهر الجاري، إن الأمير طلال بن عبد العزيز دخل في إضراب عن الطعام منذ 10 نوفمبر 2017، اعتراضاً على حملة اعتقالات الرابع من نوفمبر 2017، التي شملت ثلاثة من أبنائه، بينهم رجل الأعمال المعروف الأمير الوليد بن طلال.

وبعد هذه الأخبار، كتب الأمير عبد العزيز بن طلال، على موقع “تويتر”، إن والده بصحة جيدة وإنه نُقل إلى المستشفى لإجراء فحوص روتينية.

وأشار الموقع إلى أن الأمير طلال خسر خلال شهر واحد من إضرابه عن الطعام، 10 كيلوغرامات من وزنه. وأنه تم إدخال أنبوب تغذية إلى جسده، لافتاً إلى أن أشخاصاً زاروه في مستشفى الملك فيصل بالرياض، أكدوا أن حالته الجسدية ما زالت ضعيفة.

وكان العاهل السعودي، الملك سلمان عبد العزيز، قد زار الأمير طلال بعد حملة الاعتقالات؛ للتعزية في وفاة أخته الأميرة مضاوي، حيث التُقطت صورة للملك وهو يقبّل يد أخيه الأكبر، الذي كان يجلس على كرسي متحرّك.

وبحسب “ميدل إيست آي”، فقد رفض الأمير طلال التطرّق إلى مسألة توقيف أبنائه الثلاثة بهذه المناسبة؛ لأنه لم يُرد استخدام لقائه بأخيه للإفراج عن أولاده، في حين يبقى أمراء آخرون في السجن.

ونقل الموقع عن مصدر (لم يسمه) قوله: “لا شك في السبب الذي دفع الأمير طلال من أجل التوّقف عن تناول الطعام. نحن نعرفه جيداً، ونعلم لماذا يفعل هذا الأمر. لا توجد أسباب طبية لانقطاع شهيته”.

وأضاف التقرير أن وجود الأمير طلال في المستشفى بات نقطة اجتماع للكثيرين من أعضاء عائلة آل سعود، وسبيلاً للاطلاع على ما يجري من أحداث، بحسب ما قاله المصدر.

ويأتي تصعيد الأمير العجوز، في ظل تقارير غربية تتحدث عن تعرّض ابنه الوليد للتعذيب في محبسه على يد مرتزقة من جماعة “بلاك ووتر” المشبوهة، التي استعان بها محمد بن سلمان لإرغام المعتقلين على التخلي عن ثرواتهم مقابل إطلاق سراحهم.

ورغم قبول عدد ممن طالتهم الاعتقالات بالأمر الواقع وتخلِّيهم عن جزء من ثرواتهم مقابل العودة لبيوتهم، يبدو أن الأمير طلال بن عبد العزيز، المعروف باعتراضه على نظام المملكة، يخوض هو وأنجاله، حرباً صامتة مع ولي العهد السعودي.

وفي ظل هذا التحدي، فإن الأمير طلال وأنجاله يقودون، دون ضجيج، محاولة لكسر هوس محمد بن سلمان بفرض رأيه على الجميع وإرغام الكبير والصغير على الخضوع له، وهو أمر قد ينتهي بإبعاد الأمير المشاكس وأولاده خارج البلاد كما حدث سابقاً، أو أن ينتهي بتحطّم أحلام ولي العهد على صخرة عناد عمّه وأنجاله.

وكان الأمير طلال قبل شهر من بدء إضرابه عن الطعام، قد أخبر أصدقاء له بأنه من الصواب الاحتجاج “مدنياً”، للفت الانتباه إلى “الطغيان” الذي أسس له ابن أخيه محمد بن سلمان بحجة مكافحة الفساد، بحسب الموقع البريطاني.

وفي عام 2015، عندما أصدر الملك سلمان قراراً بإعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد، وتعيين الأمير محمد بن نايف خلفاً له، وكذا تعيين محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، علّق الأمير طلال، بـ”تويتر”، قائلاً: “فوجئت عند نهاية العهد ما قبل الحالي (عهد الملك عبد الله) وخلال العهد الحالي، بقرارات ارتجالية”.

وفي يونيو 2015، كتب الأمير أيضاً: “طفح الكيل من عراقيل جهات سيادية ممثلة في الديوان الملكي ووزارة الخارجية ووزارة المالية”.

وكانت آخر تغريدات الأمير السعودي في مايو 2017، وكتب فيها: “وما زال لبنان وشعبه في القلب والعقل”.

في غضون ذلك، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، أواخر ديسمبر 2017، أن محادثات السلطات السعودية مع الأمير الوليد بن طلال حول تسوية للإفراج عنه “وصلت إلى طريق مسدود”.

وأكدت الوكالة أن ضغوط السلطات السعودية على “بن طلال” تحمل في معانيها أكثر من طلب للأموال، موضحةً أن حالته “أخطر من الاستيلاء على إمبراطوريته التجارية العالمية، وتختلف عن باقي حالات الأمراء الذين تنازلوا عن جزء من ثرواتهم مقابل حريتهم”.

ولفتت إلى أن “بن طلال” يرفض المطالبات التي ربما ستُفقده شركة المملكة القابضة، ويقاوم أي توجه للإقرار بارتكابه مخالفات؛ “لأن لها تأثيراً سلبياً في سمعته”، لافتةً إلى أن “الأشهر القليلة القادمة ستُظهر الدوافع الحقيقية لمحمد بن سلمان ونطاق سلطته”.

وكانت صحيفة “التايمز” البريطانية قالت الخميس 28 ديسمبر 2017، إن السلطات السعودية طلبت من الوليد دفع ما يصل إلى سبعة مليارات دولار للإفراج عنه.

في حين قالت صحيفة “فايننشيال تايمز” إن “بن طلال” عرض نقل حصته (تبلغ 95%) في شركة المملكة القابضة إلى الحكومة السعودية مقابل الإفراج عنه، لكن الأخيرة تطالب بأن يكون الدفع نقداً أو باتفاق يشمل النقد والأسهم.

ومع استمرار إضرابه عن الطعام واعتقال أنجاله، يصبح الأمير طلال وأنجاله بمثابة حائط الصدّ المتبقي أمام طموحات محمد بن سلمان، في إحكام قبضته على المملكة؛ ومن ثم يصبح تحطيم هذا الحائط ضرورة للانتقال إلى ما بعده، خاصة أن المراوحة في المكان نفسه، غير ممكنة بهذه المعركة، التي لا بد أن تنتهي بانتصار طرف وانكسار آخر.

وفي أكتوبر 2017، اعتقلت السلطات السعودية 11 أميراً وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين في السعودية، بينهم الوليد ابن الأمير طلال، واثنان من إخوته.

ولاحقاً، اعتقلت السلطات 11 أميراً آخرين بعد تجمهرهم في قصر الحكم اعتراضاً على قرارات ملكية، وأودعتهم في سجن “الحائر”؛ تمهيداً لمحاكمتهم، وهو ما يؤكد أن ثمة توترات كبيرة تضرب الأسرة الحاكمة، وهي توترات تعزز مكانة الأمير طلال وأنجاله، كما أنها تجعلهم عرضة لمزيد من التنكيل لوأد أي رغبة في التصدي لولي العهد.

– تاريخ من المعارضة

وعُرف عن الأمير طلال نضاله من أجل تمكين المرأة من حقوقها كاملةَ، ومطالبته بإقامة ملكية دستورية يكون فيها فصل بين السلطات.

وفي عام 1958، أسس الأمير طلال وأربعة من إخوته حركة “الأمراء الأحرار”؛ بسبب التوترات التي كانت تحصل بين الملك سعود والأمير فيصل، ونادت الحركة حينها بإنشاء حكم دستوري برلماني وإبعاد الأسرة الحاكمة عن شؤون الحكم.

وبعد تأسيس الحركة، صودرت أموال الأمير طلال، وغادر السعودية إلى مصر، واستضافه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فسحب الملك سعود منه جوازه الدبلوماسي.

وفي أثناء إقامته بمصر، عارض الأمير السعودي سياسة المملكة، خاصة تدخُّلها في اليمن، وطالب بالمزيد من الإصلاحات السياسية بالمملكة.

وقد سُمِح له بالعودة في عهد الملك فيصل شرط عدم تدخُّله بشؤون الدولة والحكم، وبقي منذ ذلك الحين يعمل في الشؤون التنموية والتعليمية.

وفي عام 2011، أعلن الأمير طلال استقالته من “هيئة البيعة”، وذلك بعد أسابيع من تعيين أخيه غير الشقيق الأمير نايف بمنصب ولي العهد.

وبعد وفاة الأمير نايف وقيام الملك عبد الله بن عبد العزيز بتعيين الأمير سلمان (الملك الحالي) ولياً للعهد، قال إن هيئة البيعة لم تُدعُ للاجتماع للتشاور حول هذا التعيين، قائلاً إن الملكيات العربية يجب أن تتغير إلى ملكيات دستورية؛ لأن الممالك لم تعد تواكب هذا العصر.

وحذر الأمير طلال، آنذاك، من “أخطار تحدق بالمملكة” ما لم يتخذ العاهل السعودي (الملك عبد الله) خطوات جادة نحو الإصلاح.