تحليل: أمريكا ضليعة في صناعة الإرهاب الجديد “داعش”
الصمود|| تقرير..
نشر خير الدين حسيب مؤخرا بحثاً بعنوان: “داعــش.. المسؤولية الأمريكية” «اللي شبكنا يخلِّصنا»، استعرض من خلاله الدور الذي لعبته واشنطن أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق وصولا إلى تبني تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في إطار تنفيذ مخططاتها بالمنطقة.
وقال رئيس مركز دراسات الوحدة العربية في مستهل البحث: تعمدتُ استخدام مصطلح «داعش» وليس «الدولة الإسلامية»، من وجهة نظري، ليس بسبب ملاءمة اسم «داعش» وموضوعيته فقط، ولكن لأنني أعتقد أن مصطلح «الدولة الإسلامية» مضلل إلى حد كبير؛ إذ إن داعش ليست «إسلامية» وليست «دولة». كما تترتب آثار سلبية على استخدام مصطلح «الدولة الإسلامية» حيث تكمن في طياته دلالة ضمنية مضللة تجذب وتثير اهتمام بعض الأجيال الجديدة من العرب والمسلمين (غير العرب) في الغرب وتحثهم وتدفع بعضهم إلى الانضمام إلى تلك «الدولة الإسلامية». لذلك، ومن منطلق سيكولوجي وعملي، أعتقد أن مصطلح «داعش» ينبغي أن يستخدم بدلاً من مصطلح «الدولة الإسلامية» في وسائل الإعلام والحملات التي تستهدفها.
وفيما يتعلق بتحديد «مسؤوليات» إنشاء داعش وتمكينها، ربط المفكر العربي المعروف بين القاعدة وداعش والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، من دون تفويض دولي من مجلس الأمن كما أكد ذلك الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك، لافتا إلى أن بوش بـرّر هذا الغزو بالإشارة إلى «علاقة العراق بالإرهاب بما فيه تنظيم القاعدة». كما ادعى أن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل. وقد أنشأ مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة بعد الاحتلال لجنة تحقيق حول الموضوع باسم «اللجنة المختارة للاستخبارات» للتحقيق في تلك المزاعم، وقام تقرير اللجنة بتفنيد هذه الادعاءات وأثبت عدم صحتها. حيث كان واضحاً في كلا التقريرين أن تنظيم القاعدة، الأب الشرعي لداعش، لم يكن موجوداً في العراق قبل احتلاله من قبل إدارة بوش في عام 2003، وأن تنظيم القاعدة، ومن ثم وريثه داعش، لم يزدهر في العراق إلا أثناء الاحتلال الأمريكي.
وتوضيحا للانقلاب الأمريكي على صدام حسين الذي كانت تدعمه واشنطن في حربه على إيران أوضح خير الدين حسيب أن العراق استطاع أن يستفيد من التكنولوجيا التي أُمِدَّ بها من الغرب، وأن يطور بعض الأسلحة التي تشكل نوعاً من الردع لإسرائيل. وقد رأت أمريكا أن ذلك غير مقبول استراتيجياً لها، ويشكل خطراً على إسرائيل وعلى مصالحها في الخليج، لذلك كان المطلوب ضرب العراق.
مؤكدا أن القضاء على الجيش العراقي لمصلحة إسرائيل، كان على رأس الأهداف الأمريكية من احتلالها للعراق في 2003، ومستدلاً على ذلك بالدور الأمريكي في قيام «داعش» وتمددها واتساعها وفقا للشواهد التالية:
- لقد ساعد تفكيك الجيش والأجهزة الأمنية، إضافة إلى حل وزارة الدفاع العراقية، من قبل بول بريمر، توسيع هذه المنظمات الإرهابية في العراق بعد الاحتلال، فبريمر هو الذي عُيـّن «المحافظ الأمريكي للعراق» بعد الاحتلال في مايو 2003، وذلك فور تسلّمه منصبه مباشرة . ونتيجة ذلك، فقد تسبب الأمريكيون بحصول فراغ وفجوة أمنية وطنية، وفّرا الوضع المثالي لازدهار الجماعات الإرهابية.
- كما أصدر بريمر أيضاً «قانوناً»، عين من خلاله ما أسماه «مجلس الحكم المؤقت» الذي تشكل على أسس وقواعد طائفية ومذهبية وعرقية وكرّسها بموجبه، وما عاد الأمريكيون سيتكلمون عن شيء اسمه «الشعب العراقي»، بل عن عرب وأكراد وتركمان، وعن شيعة وسنة.
- دفعت الإجراءات المشار إليها سابقاً أعداداً كبيرة من ضباط الجيش العراقي السابقين وموظفي الحكومة المقصيين، الذين تُركوا من دون أي وسيلة عيش، أن يصبحوا مرشحين طبيعيين للتجنيد من قبل تلك المنظمات الإرهابية. كما أنه من المعروف جيداً الآن، أن عدداً غير قليل من قيادات داعش هم ضباط سابقون في الجيش العراقي المنحل وبعضهم ذوو خلفية دينية بالأصل. وبهذه الطريقة صبت إجراءات الاحتلال الأمريكي في مصلحة تنظيم القاعدة وداعش فيما بعد، سواء عن قصد أو عن غير قصد، وسواء كان ذلك عن جهل أو عن عدم فهم لخلفية البلد الذي قاموا باحتلاله. وفي النهاية، كانت نتيجة الاحتلال ليست تغيير النظام فحسب، بل تدمير الدولة العراقية أيضاً.
- كما أن داعش كانت تمارس سلطتها في الموصل في ظل الاحتلال وقبل انسحابه في نهاية عام 2011. وكانوا يفرضون الضرائب على الناس وفقاً لمهنهم تحت أعين سلطة الاحتلال.
- كان البغدادي، «أمير» داعش، في سجن بوكا في جنوب العراق وأفرج عنه الأمريكيون قبل انسحابهم من العراق. وتفيد تقارير شهود عيان بأن البغدادي كان يجند ويدرب أتباعه داخل ذلك السجن، كما أنه كان ينسق مع ضباط بعثيين سابقين موجودين في السجن نفسه. وكان يلقي عدداً من المحاضرات أسبوعياً أثناء سجنه وفي السجن نفسه على مسجونين إسلاميين متطرفين وبعثيين، وهكذا كان يعامل كسجين «خمسة نجوم» أثناء سجنه ، كما أطلق سراحه من قبل قوات الاحتلال الأمريكية قبل انسحابها من العراق.
- كما أن الطريقة التي سيطرت داعش بواسطتها على الموصل (في العراق)، في يونيو 2014، تبقى لغزاً محيِّراً. فقد كانت هناك ثلاث فرق من الجيش العراقي التي تشكلت أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق، وعلى أسس طائفية واثنية، وهي يُفترض أنها كانت مدربة من قبل قوات الاحتلال ومجهزة بأسلحة أمريكية حديثة، وكانت قياداتها قد تم اختيارها من قبل قوات الاحتلال، وعلى الأقل بالتشاور معه. وفجأة، وما إن بدأت داعش بهجومها في الموصل حتى قام قادة هذه الفرق الثلاث وضباطها من ذوي الرتب العليا بالفرار وهجر فرقهم وترك أسلحتهم الضخمة وراءهم. وقامت داعش بأخذ تلك الأسلحة التي مكنتها، إضافةً إلى عوامل أخرى، من إنشاء «دولتها». وعلى الرغم من كل التحقيقات التي قام بها ما يسمى «البرلمان العراقي» وجهات خارجية أخرى، فلا يزال من غير الواضح حتى اللحظة من هو المسؤول عن ذلك النزوح، رغم أن العديد من الاتهامات وُجِّهت نحو الأمريكيين، وذلك استناداً إلى علاقاتهم بقادة الفرق الثلاث في الموصل، حيث زُعم أن الأمريكيين كان لهم القرار الأبرز في ما يتعلق بالاختيار والتدريب وتوريد الأسلحة.
- إن دور الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر في المرحلة الأولية من تجنيد وتدريب وتمويل داعش لا يمكن تجاهله، وبغض النظر عن المرحلة الحالية، حيث إن داعش لم تعد تخدم مصالحهم. إضافة إلى ذلك فقد قامت بعض الجهات في الغرب بتشجيع أو تسهيل انضمام بعض مواطنيها إلى داعش، لدوافع مختلفة، بما فيها التخلص منهم.
وخلص خير الدين حسيب في ختام قراءته التحليلية إلى أن الولايات المتحدة بالدرجة الأولى إضافةً إلى تركيا والسعودية وقطر، كانت مسؤولة بصورة رئيسية عن تسهيل قيام داعش وما ترتب على ذلك من دمار وخسائر بشرية ومعاناة وسط شعبي العراق وسورية على أيدي داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية في سورية والعراق، بما فيها تلك التي يُحاوَل تصويرها على أنها «معتدلة».، مطالبا مختلف هذه الدول إلى العمل بجدية على التخلص من داعش على منوال أغنية عبدالحليم حافظ: اللي شبكنا يخلصنا.