صمود وانتصار

العمالة الاجنبية المغادرة للسعودية مؤشرات لبدء الانهيار للاقتصاد السعودي

الصمود | متابعات

تسارع خطوات التضييق على العمالة الأجنبية في السعودية بشكل ينذر بمخاطر كبيرة. ومما لا شك فيه أن هذه المخاطر لا تقتصر على عرقة سير العمل في التجارة والتشييد وخدمات أخرى حيوية. لماذا هذه الخطوات وهل تأتي بالثمار المرجوة؟

أكثر من نصف مليون عامل أجنبي غادروا السعودية قسراً أو طوعاً خلال العام الماضي. وبهذا تراجع مجمل عدد العاملين الأجانب في المملكة من نحو 8.52 مليون شخص عام 2016 إلى حوالي 7.96 مليوناً بحلول عام 2017 حسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية السعودية.

ومع قرار الوزارة أواخر يناير/ كانون الثاني 2018 بمنع الأجانب من العمل في 12 نشاطاً تجارياً جديداً، من بينها محلات الأجهزة الكهربائية ومواد البناء، سيضطر المزيد منهم للمغادرة، لاسيما وأن إجراءات التضييق السابقة عليهم تشمل أنشطة أخرى في مقدمتها العمل في قطاعات الاتصال والتأمين والمولات التجارية.

هذا وفرضت الحكومة السعودية على العامل وأفراد عائلته دفع رسوم سنوية. كما أن “المكارم الملكية” المتعلقة بصرف إعانات لتخفيف ارتفاع تكاليف المعيشة لا تشمل سوى السعوديين.

حجة التضييق

تأتي إجراءات التقييد على العمالة الأجنبية بهدف تعزيز دور العمالة السعودية في القطاع الخاص. ويعد هدف “سعودة سوق العمل” أحد أعمدة “رؤية السعودية 2030″، التي ينبغي بموجبها تخفيض نسبة البطالة المتفشية في صفوف الشباب السعودي من نحو 12 إلى 7 بالمائة بحلول عام 2030 حسب المعطيات الرسمية، مع أن نسبة البطالة الفعالية أعلى من ذلك بكثير. ومما يعنيه ذلك لزوم توفير ما يقارب ربع مليون فرصة عمل سنوياً للعاطلين السعوديين عن العمل.

وبما أن عجز الموازنة مستمر وإجراءات التقشف كذلك، فإن الدولة تبدو عاجزة عن توفير هذه الفرص من خلال الإنفاق على مشاريعها التي توقف الكثير منها. كما أن القطاع الخاص يعاني من الركود بدوره، لأنه يعتمد بشكل واسع على عقود الدولة. وتشير المعطيات المتوفرة أن هناك تأخير في دفع أجور وأقساط دين وقيمة صفقات بقيمة 20 مليار دولار. ومن هنا يبدو التخلي عن العمالة الأجنبية لتحقيق هدف “الرؤية” المتعلق بتخفيض البطالة هو السبيل الأنسب في الظروف الحالية للسعودية التي تشهد في الوقت الحالي مخاضين عسيرين: سياسي واقتصادي.

السعوديون كبديل!

تتركز العمالة الأجنبية في السعودية في قطاعات لا تتطلب مهارات عالية أبرزها البناء وتجارة التجزئة وخدمات المنازل والحرف وورش الصيانة والتصليح. وتتراوح نسب الاعتماد على الأجانب بين 40 إلى 90 بالمائة في مجالات عمل القطاع الخاص. ففي تجارة التجزئة مثلاً لا يشكل السعوديون سوى نسبة 20 بالمائة من مجمل العاملين: حوالي 300 ألف عامل من بين 1.5 مليون عامل. كما أن الكثير من المؤسسات الصناعية والخدمية التابعة للدولة تعتمد عليهم بنسبة كبيرة في مجالات تتطلب تأهيلاً عالياً كذلك.

ومن هنا فإن الاستغناء عنهم ليس بهذه السهولة التي تتصورها “رؤية 2030″؛ فالأعمال التي لا تتطلب التأهيل العالي يعتبرها السعوديون من الأعمال التي لا تليق بهم إضافة إلى أن أجورها المتدنية، التي تقل عن 1000 دولار شهرياً، لا توفر لهم مستوى الحياة الذي يقبلون به. أما الأعمال التي تتطلب مهارات عالية، فإن إعداد الشباب للقيام بها يتطلب سنوات من الدراسة والتدريب في مؤسسات متخصصة ليس متوفرة في المملكة التي لم تعرف حتى الآن تعميم تجربة ناجحة في التأهيل والتدريب. أما إقامة وتجهيز هذه المؤسسات وتوفير كوادرها فيتطلب فترات تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات حسب خبرات الكثير من دول العالم.

تبعات وتداعيات

يخشى خبراء كثيرون من خطوات التضييق على العمالة الأجنبية وتأثيراتها السلبية جداً على متطلبات سوق العمل وسير أنشطة قطاعات حيوية عديدة في الاقتصاد السعودي.

فالعمالة المذكورة تنفق القسم الأكبر من دخلها في السوق السعودية بشكل يساهم في انعاش الطلب والاستهلاك والاستثمار فيها بنسبة عالية. وتزداد الخشية من القيام بهذه الخطوات بشكل متسارع لا يخلو من حملات تحريضية ضد هذه العمالة. ومما يعنيه ذلك دفع الكثيرين منهم للإسراع في مغادرة السعودية ليس بسبب تراجع مستوى معيشتهم وحسب، بل أيضاً بسبب التمييز ضدهم وخوفهم من مستقبل محفوف بالمخاطر عليهم وعلى عائلاتهم.

وكلما أسرعت السلطات في هذه الخطوات، كلما توسعات دائرة الخوف التي قد تتحول إلى خوف جماعي يزيد من وتيرة عودة الأجانب إلى أوطانهم أو توجههم إلى بلدان أخرى تحتاج إلى مهاراتهم. في هذا الإطار لوحظ مؤخراً، على سبيل المثال، أن أعدادا متزايدة من الكفاءات العربية التي كانت تعمل في الخليج أو وضعت نصب أعينها العمل هناك قدمت مع أفواج اللاجئين الأخيرة إلى ألمانيا عبر تركيا وبلدان أخرى. ومع حاجة بلدان مثل ألمانيا للكفاءات الأجنبية، فإن الاستمرار في خطوات التضييق يعني هجرة المزيد من الكفاءات وحرمان الاقتصاد السعودي من خبرات يصعب عليه الاستغناء عنها.

وإذا كانت أراء بعض المحليين ترى بأن الأمور ستبقى تحت السيطرة، فإن البعض الآخر يحذر من انهيارات خطيرة في قطاعات نشأت وتطورت على أكتاف العمالة الأجنبية.