صمود وانتصار

ابن سلمان إلى مصر وفي القلب غصة

الصمود|الاخبار

من المقرر أن يصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مصر يوم الأحد المقبل في زيارة رسمية تستمر لمدة يومين، سيلتقي خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبحسب وسائل الإعلام المصرية، فإن الطرفين سيتحدثان حول مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية المشتركة، ومن بينها القضية السورية التي ترعى القاهرة مبادرة بشأنها كشفت الخارجية المصرية عن ملامحها خلال الفترة الماضية.

ولكن حتى اللحظة لا تزال أهداف هذه الزيارة غامضة إلى حدّ ما، بالرغم من أن وسائل الإعلام الرسمية في كل من السعودية ومصر تعملان بجهد على رأب الصدع بين البلدين وكسر الجليد الذي جمّد العلاقات بينهما لمدة سنة على الأقل لم يقم خلالها بن سلمان حتى بزيارة واحدة لـ”مصر” ونقصد هنا “العام الماضي 2017″، حيث تراجعت العلاقات بين البلدين بسبب الاختلاف في وجهات النظر حول مجموعة من القضايا الإقليمية على رأسها ” الملف السوري ومواجهة إيران والحرب على اليمن”، ولا نبالغ إذا قلنا إن مصر فاجأت السعودية بالقرارات التي اتخذتها في هذه القضايا، ولا نبالغ أيضاً إذا قلنا إن السعودية كانت تعتقد أنها تستطيع السيطرة على الجميع بالمال، لكن مصر الأمة والشعب الحي كان لها قرارها المستقل خاصة في القضايا التي تخصّ أمن مصر ومستقبلها.

ابن سلمان أرسل مقدمته إلى مطار القاهرة الدولي يوم الثلاثاء الماضي تمهيداً لوصوله، وشملت المقدمة أكثر من 20 سيارة خاصة، بالإضافة إلى 6 سيارات أثاث، تحمّل الأغراض التي سوف يستخدمها ولي العهد السعودي وحاشيته خلال إقامتهم في مصر، ولا نعلم إن كان بن سلمان سيرسل نفس “المقدمة” إلى أوروبا وأمريكا خلال الجولة التي من المقرر القيام بها بعد انتهاء زيارته إلى مصر.

هذه الجولة لـ”بن سلمان” تحمل في طياتها الكثير من الدلالات، خاصة أنها تأتي بعد حزمة إصلاحات يجريها الأمير، كان آخرها منذ عدة أيام وشملت تغييرات في السياسة والجيش والاقتصاد، ورافقها حدثان بارزان، الأول تعيين تماضر بنت يوسف الرماح في منصب نائبة وزير العمل والتنمية الاجتماعية، والثاني عودة أخطبوط السياسة السعودية الأمير بندر بن سلطان، وبين الحدثين يمكننا أن نفهم أن بن سلمان يريد أن يوهم الغرب بأن “عصر الديكتاتورية” بدأ يأخذ وجهاً أكثر حداثة وأكثر حرية مع الحفاظ على السياسة السعودية الخارجية القديمة بأساليب جديدة لا نستبعد أن يحيكها بن سلطان ويقدمها على طبق من فضة للملك القادم بن سلمان، الذي لا يمكننا أن نفصل جولته القادمة عن هذا الحدث الذي يحضّر له منذ أكثر من سنة ونصف.

وبالعودة إلى زيارة مصر، يمكننا توضيح مجموعة النقاط التالية التي قد تقودنا إلى أهداف الزيارة:

أولاً: مرّ أكثر من عام على آخر زيارة لولي العهد إلى مصر، ويمكن أن نلخص هذا الأمر بأن القاهرة لم ترضخ لنهج السعودية السياسي في المنطقة ولم تشاركها مشاريعها ومخططاتها بالرغم من أن الأخيرة أغدقت مصر بمليارات الدولارات أملاً منها بضمان الموقف المصري واعتباره نتيجة طبيعية لمساعداتها المالية لها، لكن مصر لم ترضخ للسعودية واتخذت نهجاً مختلفاً عنها إلى حدّ ما، ورغم الغضب السعودي إلا أن الرياض لا يمكنها أن تتخلى عن القاهرة تحت أي ظرف نظراً لأهميتها الجيوسياسية من جهة، وفشل السعودية في كل ما خططت له ابتداءً من سوريا مروراً باليمن ووصولاً إلى قطر.

ثانياً: موقف مصر من إيران لم يدغدغ مشاعر السعودية إطلاقاً بل على العكس مزّقها، لأن القاهرة ومنذ العام 2013 لا ترى طهران مصدراً للقلق في المنطقة كما تحاول أن تسوّق لها الرياض، حتى إنها لا تشاطرها الرأي بتسويق “إيران فوبيا”، ولا تتخذ مصر أي موقف متشدد تجاه إيران بل على العكس تسعى إلى تحسين العلاقات معها ولا تريد أن تدخل في أي مواجهة مع إيران حتى لو فرض عليها ذلك، وهذا الموقف لا يعتبر خبراً ساراً للسعودية العدو اللدود لإيران.

هنا أدركت السعودية أنها عاجزة عن شراء ولاء مصر، وعلمت جيداً أن مصر يمكن أن تصبح جزءاً من تحالف روسي_إيراني يتنامى ويكبر يوماً بعد يوم على حساب النفوذ السعودي، لذلك لا نستغرب إن قدّم بن سلمان بعض التنازلات للسيسي ودعمه في الانتخابات المقبلة أملاً بإعادته إلى المربع السعودي.

ثالثاً: هناك خلاف جوهري في بعض القضايا خاصة من قبل الشعب المصري الذي يرفض الفكر الوهابي وينبذه ويعتبره مصدراً لظهور جماعات متطرفة وإرهابية، وحالياً مصر تحارب الإرهاب في سيناء ويسقط لها عدد كبير من الشهداء لذلك هي حساسة تجاه هذا الموضوع، ومن هنا بدأ الاتجاه نحو سوريا التي تحارب نفس الإرهاب على أراضيها منذ سبع سنوات.

ومن ناحية أخرى الشعب المصري لا يزال غاضباً ورافضاً لموضوع تنازل الحكومة عن جزيرتي صنافير وتيران للسعودية وترسيم الحدود على هذا الأساس.

يضاف إلى ما تقدم رفض مصري لما يجري في اليمن من قتل وتدمير على يد السعودية، وهذا الأمر أغضب الأخيرة التي توقعت أن تشاركها مصر في ذلك، لكن مصر رفضت ذلك بعد أن وافقت في البداية وقد سمحت مصر لجماعة “أنصار الله” مؤخراً بإقامة معرض للصور في القاهرة يعرض صور الضحايا اليمنيين نتيجة الحملة العسكرية التي تقودها السعودية، ما زاد الأمور سوءاً بين مصر والسعودية، لذلك ستتطلب هذه الزيارة من ابن سلمان بذل مجهود كبير حتى يتمكن من كسب مصر إلى جانبه مجدداً.