’’ما خفي أعظم’’ يفضح أنظمة الخليج ويكشف أخلاقياتها
الصمود / 7 / مارس
بقلم / مالك ضاهر
عادت الأزمة الخليجية إلى الواجهة من جديد بعد عرض قناة “الجزيرة” القطرية لفيلم يوثق مخططات الأنظمة الخليجية المقاطعة لقطر اليوم بالسعي الحثيث للإطاحة بالنظام الرسمي الشرعي القائم فيها منذ أكثر من 20 سنة مضت، في الفترة الأولى لحكم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والد أمير قطر الحالي الشيخ تميم بن حمد.
وأظهرت المعلومات الواردة في الفيلم مدى التورط السعودي والبحريني والإماراتي وأيضا المخابرات المصرية في التحريض والدعم والتنسيق للإطاحة بالنظام القطري وإعادة الشيخ خليفة والد حمد إلى السلطة، واللافت في المعلومات التي تُكشف اليوم هو الدور الفعال والمحوري في “الانقلاب الفاشل” لبعض الأسماء والوجوه الحاكمة والمؤثرة في أنظمة المملكة السعودية، الإمارات والبحرين، فسياق الفيلم والمقابلات الواردة فيه كشفت بشكل أكيد وواضح التورط المباشر والدور الفعال في التخطيط والتحضير للانقلاب الذي لعبه أشخاص عدة كولي عهد البحرين في العام 1996(الملك الحالي للبحرين) حمد بن عيسى آل خليفة، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وأمير منطقة الرياض آنذاك(الملك السعودي الحالي) سلمان بن عبد العزيز وغيرهم من الأسماء.
دلالات الكشف عن التورط الخليجي في قطر..
ويطرح الفيلم الذي عرضته الجزيرة الكثير من التساؤلات حول توقيته والمعلومات الواردة فيه والمشاريع المشبوهة التي قادتها هذه الأسماء الواردة، فهل عرض الفيلم هو مجرد عمل صحافي بحت أم أنه يحمل في طياته دلالات حول إطالة أمد الأزمة الخليجية؟ وأليس المعلومات الواردة في الفيلم تؤكد تورط هذه الأنظمة الخليجية في التدخل بشؤون دولة قطر في الماضي كما في الحاضر؟ ولماذا سكتت قطر كل هذه المدة قبل الكشف عن هذا المخطط للمساس بأمنها ونظامها؟ وهل هناك مخططات ومحاولات أخرى تم إفشالها أو أن هذه هي المرة الوحيدة التي رُسم فيها للتلاعب بالأوضاع القطرية؟ وهل ما جرى يمكن اعتباره تدخلات مشروعة طالما أن والد الأمير السابق لقطر كان مشاركا في العملية الانقلابية بالإضافة؟ وماذا عن الدور الأمريكي في كل ما جرى ويجري اليوم؟
الواضح أن الفيلم الذي عرضته “الجزيرة” يؤكد أن الأنظمة الخليجية متورطة في زعزعة الأمن لدولة مجاورة وباستهداف قطر منذ أكثر من 20 عاما، وأن ما يجري اليوم هو أحد فصول هذه العملية حيث أن الأسماء المتورطة في محاولة الإطاحة بالنظام القطري في العام 1996 هي موجودة بقوة على الساحة اليوم ولها الكلمة الفصل في أنظمتها، أي أن نفس الأشخاص الذين فشلوا في الإطاحة بالشيخ حمد بالأمس يسعون اليوم للإطاحة بابنه، وهذا ما يؤكده الكلام الذي نُقل عن ملك البحرين الحالي(ولي العهد في العام 1996) الذي أكد لبعض القيادات القطرية المشاركة بمحاولة الانقلاب بعد إفشالها من قبل السلطات القطرية بأنه سيتم إعادة المحاولة مرة ثانية حتى نجاحها، محاولا رفع معنويات هؤلاء القيادات.
والتورط الكبير الذي سجل لمحمد بن زايد في محاولة الانقلاب يعزز التهم الذي توجه للرجل حول ما يقوم به في الكواليس للتحريض على قطر سواء بواسطة إثارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صاحب التأثير الكبير على قرارات والده الملك وصولا لاعتباره الحاكم الفعلي في المملكة، أو عبر تحريض مختلف الدول ضد الدوحة أو بواسطة الجهد الإماراتي الكبير باستخدام شتى السبل لتشديد الحصار البري والجوي والبحري على الدولة الجارة، ومحاولة الضغط أمريكيا وأوروبيا لدعم الدول المقاطعة لها.
دور ابن زايد المحوري.. والإطماع بثروات الآخرين
والحماسة التي كانت لدى ابن زايد للإطاحة بالنظام القطري إبّان حكم حمد بن خليفة واستمرار هذه الحماسة اليوم للشاطحة بالنظام الحالي، تثير الريبة والاستغراب حول خلفياتها، فهل الرجل لديه حقد دفين على القطريين عامة أم أنه يسعى للحصول على الثروات القطرية لا سيما في مجال ثروة النفط والغاز أم يوجد خلفيات غير معلنة وغير واضحة حتى الساعة؟
وما ينطبق على ابن زايد ينطبق أيضا على دور الملك البحريني حمد بن عيسى، ما يفسر أنهما يعملان بجد للاستفادة من عدم خبرة محمد بن سلمان الكبيرة لإثارة حقده وغضبه على الشيخ تميم والقيادة القطرية الشابة، وتحويل فرصة التعاون والتكامل بين الطرفين إلى أزمة لبث الفتن والاصطياد بالماء العكر، الأمر الذي لا يفهم بالنسبة للملك السعودي الحالي سلمان بن عبد العزيز الذي يفترض أنه يتمتع بحنكة ودهاء أكبر مما لدى ولي العهد وعليه التنبه لما يجري ولكل ما يعده ابن زايد وملك البحرين للإيقاع بالمملكة السعودية وتجذير الخلافات بينها وبين قطر وغيرها من الدول الخليجية كعُمان والكويت، هذا الأمر الذي ظهرت بعض تداعياته في عدة مواقف حيث تمت مهاجمة مسقط والكويت في أكثر من مناسبة.
كل ذلك يؤكد أن الأزمة الحالية ليست وليدة لحظتها وإنما لها أسبابها وخلفياتها التاريخية وهي نتيجة تراكمات، ومن خلال هذا يمكن فهم الأداء القطري الفعال في مختلف المجالات ومحاولاتها الدائمة للتمايز عن باقي الدول الخليجية وفتحها العلاقات القوية في مختلف الاتجاهات وعلى كل الصعد شرقا وغربا، وتأسيس شبكة أمان واسعة لها إمام أي محاولة للمس باستقرارها وأمنها كما جرى مؤخرا في العام 2017 عند خلق الأزمة الخليجية أو كما جرى في العام 1996.
وبالسياق، رأت مصادر خليجية أن “السبب والدافع الرئيسي وراء تحرك الأنظمة الخليجية ضد قطر هو سياساتها الفريدة والتي تميزها عن غيرها ما يؤكد أن الأطماع السعودية والإماراتية تحديدا هي أطماع تاريخية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي”، ولفتت إلى أن “الأنظمة الخليجية لا تريد جهات تغرد لوحدها دون الانضواء تحت عباءة الشقيقة الكبرى أي المملكة السعودية ولذلك نرى الرياض تسير بهذا الخيار المعادي للنظام القطري ونرى الملك سلمان يسير مع توجهات ابنه محمد التي أقنعه بها محمد بن زايد ومن خلفه ملك البحرين للقبض على مصالح وخيرات الدوحة”.
خدمة مشاريع فردية.. والوسائل نفسها
وأشارت المصادر إلى أن “الأطماع بالثروات القطرية هي أحد أهم الأسباب للرغبة بالإطاحة بنظامها والمجيء بنظام موال للمملكة السعودية”، وأوضحت أن “سياسات محمد بن سلمان تحتاج إلى تمويل كبير ومن مصادر متعددة، وأحد أهم هذه المصادر هو الثروة القطرية لو تمكن من السيطرة عليها”، ولفتت إلى أن “تصرفات محمد بن سلمان في الداخل لجمع الأموال ولإشباع حب السيطرة تؤكد النيات السعودية بالسيطرة على قطر ولو عبر تعيين نظام تابع أو خاضع”.
وقالت المصادر إن “ما سبق ذكره يضاف إليه أسباب أخرى خلال العام 1996 تتعلق بمواجهة الأنظمة الخليجية لرغبات البعض بحصول انقلابات كما جرى في قطر بعد الانقلاب الذي نفذه الشيخ حمد على والده خليفة واستلامه السلطة”، واعتبرت أن “الأدوات نفسها ما زالت تعمل وتحاول اليوم لتحصيل أكبر قدر ممكن من المصالح”.
ولفتت إلى أن “كل ما جرى في الماضي وأيضا ما يجري اليوم لا يمكن فصله عن اللعب في المنطقة التي يسمح بها الأمريكي في منطقة الخليج وبين أنظمتها”، وتابعت أن “ما يمنع إسقاط نظام وصمود آخر هو القرار الأمريكي الذي يفتح علاقات مع الجميع ويحقق مصالحه من الجميع وهو نفسه الذي يخلق المخاوف بين الأنظمة فيما بينها”.
الأكيد أن المعلومات التي كشفها الفيلم المعروض على شاشة الجزيرة وإن كان موجها بشكل واحد ضد جهات دون أخرى، مع تناسيه تورط جهات قطرية مباشرة بما جرى وفي طليعتهم خليفة والد الشيخ حمد بالإضافة إلى غيره من القيادات العسكرية والأمنية، إلا أن هذا الفيلم أظهر للعيان مسائل هامة في خلفيات تفكير حكام الخليج وأخلاقياتهم، منها: التآمر على بعضهم البعض دون أي رادع ولو كان ذلك عبر الاستعانة بمرتزقة من عدة دول، وعدم إقامة أي حرمة لشهر رمضان المبارك(موعد القيام بالانقلاب الفاشل في العام 1996) وإمكانية سفك الدماء فيه مع احتمال حدوث اشتباكات عنيفة خلال حصول الانقلاب، الاستعانة بالأجنبي دائما عبر الحماية من الشقيق الجار لعدم الثقة بين هؤلاء الأخوة الأعداء وهذا ما تجلى بإبلاغ الشيخ حمد للسفير الأمريكي في الدوحة آنذاك، حب البقاء في السلطة وعدم الرغبة بحصول انتقال محدود للسلطة.
وكل هذه الأمور لا تزال مستمرة حتى اليوم تدلل على مدى هبوط مستوى القيم التي تحكم العقلية الحاكمة في هذه الأنظمة، وهذا جزء من صندوق أسود يحتوي الكثير من المعلومات والمؤامرات التي بقيت طي الكتمان.